"قهوة زعترة" .. مونودراما الوجع المقدسي!
نشر بتاريخ: 2018-11-26 الساعة: 11:15رام الله- الايام- "قهوة زعترة" .. ليس مجرد عنوان لمونودراما قدمها الفنان حسام أبو عيشة من إخراج كامل الباشا، على خشبة مسرح وسينماتك القصبة، مساء أول من أمس، بل هي ذلك المكان الذي اختزل فصلاً مهماً من تاريخ القدس ما قبل نكبة العام 1948 ونكسة العام 1967، وما بينهما، وما بعد الثانية، وخاصة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فشهدت بكراسيها ونراجيلها ونردها حكايات المقاومة، والعمل النضالي السردي ضد الاحتلال البريطاني، ومن ثم ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما شهدت تحولات اجتماعية كثيرة، قبل أن ينتهي بها المطاف في العام 1979، محلاً لبيع ألعاب الأطفال حمل اسم "زعترة" التي هي قرية فلسطينية، وفي ذات الوقت اسماً لحاجز عسكري إسرائيلي مقيت.
وعبر حكاية شخصية والده صالح أبو عيشة القهوجي "التنبكجي"، الذي عمل في "قهوة زعترة" منذ تأسيسها في العام 1938، لصاحبها خليل زعترة (أبو راتب)، نجح حسام الابن وحسام الفنان في تجسيد عشرات الشخصيات لأعلام على مستوى القدس وفلسطين، ولأفراد في عائلة، في قالب لم يخل من كوميديا محملة على الألم، مستعيداً من ذاكرته الطفولية جغرافيا القدس المحيط بالقهوة بشيء من التفصيل، وشخصيات عدد بارز من رواد المقهى المشاهير، وحكايات وحيوات أهل البلد الأصلانيين تحت القصف والقتل والحصار المتواصل.
"قهوة زعترة أكبر قهوة في البلدة القديمة بتاخذ 500 راكب مرّة وحدة .. الطول خمسين متر وع الشمال عشرين متر بيصيروا سبعين متر، البوابة خمسة متر ولجوا شوي بتصير ستة، فيها الوجاء أول ما تفوت ع اليمين، اللي بنسوي فيه القهوة والشاي والأراجيل (...) زباين قهوة زعترة منقيّين ع الفرّازة بكافة طبقاتهم في المجتمع: كبار تجار رام الله والقدس ونابلس، ومعظم مخاتير القدس ورام الله وبيت لحم، وضباط متقاعدين، ومعلمين ومدراء مدارس وشخصيات مجتمعية كبيرة إلها قيمتها الكبيرة في المجتمع".. هكذا أجاب أبو عيشة على سؤال المسرحية المحوري، وكان على لسانه أيضاً: "ليش قهوة زعترة؟!".
وتناول أبو عيشة أكثر من عشر حكايات بطريقة درامية محبوكة، على مدار أربعين عاماً، شهد منهم "بطل" المسرحية ثلاثين عاماً على الأقل، وعرف جيداً رواد المقهى الذين يترددون عليه بشكل يومي أو شبه يومي لعقدين أو ربع قرن على أقل تقدير، فباتوا وكأنهم "أصحاب الدار" .. راقب الطفل حسام أبو عيشة لعشرات السنوات سلوك هذه الشخصيات، وجسدها أخيراً في مونودراما أضحكتنا، وأبكتنا، وجعلتنا كثيراً ما نشعر بقشعريرة ترج الروح من الداخل، كما تترك علامتها على تقاسيم الوجوه ومسام الجلد.
ومن بين هذه الحكايات تلك التي دارت ما بين "الخررجي" أشهر من يقوم بـ"تسليك المجاري" في البلدة القديمة، و"النطاس" الطبيب الشهير، والذي تقاضى من الأول كشفية مقابل معاينته مقدارها ديناران ونصف الدينار، وهو مبلغ خرافي قياساً بالعملة المتداولة في تلك الفترة، كان من بينها 85 قرشاً دفعها القهوجي صالح أبو عيشة ليكمل أجرة الكشفية، إلا أن الصورة انعكست حين طفحت المجاري في منزل الطبيب إثر منخفض شديد وشهير في القدس، ما دفعه للاستعانة بـ"الخررجي" الذي استعاد الدينارين ونصف الدينار أجرة "تسليك مجاري" منزل "النطاس"، وأعاد الخمسة وثمانين قرشاً لصاحبها، قدمها أبو عيشة بشكل استخرج فيه القهقهات من دواخلنا، فيما انشغلنا بتأويلات الرسائل المهمة وراء هذه الحكاية، وغيرها من الحكايات، فلا حال يدوم لبشر، بل ولمدن ودول بسكانها ظالمين ومساكين.
ومسرحية "قهوة زعترة" من تأليف وتمثيل: حسام أبو عيشة، بناء درامي وإخراج: كامل الباشا، مساعدة مخرج: شادن سليم، إنتاج: مسرح البسمة في القدس المحتلة.
amm