"مدار" يطلق كتاب إسرائيل والأبارتهايد بالإنكليزية
نشر بتاريخ: 2018-10-02 الساعة: 07:23رام الله- الايام- أطلق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، النسخة الإنكليزية لكتاب "إسرائيل والأبارتهايد" لمجموعة مؤلفين، وذلك ضمن فعاليات اليوم الأول من ملتقى فلسطين للترجمة في دورته الثانية، في المكتبة الوطنية الفلسطينية بقرية سردا، شمال مدينة البيرة، مساء أول من أمس، الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع منشورات "المتوسط" في إيطاليا، بمشاركة د. هنيدة غانم محررة الكتاب بالشراكة مع عازر دكور، واثنين من المؤلفين هما: د. رائف زريق، والمحامية سوسن زهر.
ولفتت غانم إلى أن محور عمل "مدار" يقوم على نقل ما يحدث في إطار المشهد الإسرائيلي بالأساس لتعميق المعرفة النقدية والموضوعية الفلسطينية والعربية لهذا المشهد، "لكننا في السنوات الأخيرة بدأنا نتوجه لنشر التحليل الفلسطيني للمشهد الإسرائيلي باللغة الإنكليزية، وهذا حدث قبل ست سنوات تقريباً بإصدار كتاب تحليلي لكتاب وباحثين وأكاديميين فلسطينيين بخصوص فكرة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وكان مفاجئاً لنا حجم مبيعات الكتاب والإقبال عليه، فلم يتبق منه أي نسخة، وفي هذا الإطار تأتي ترجمة كتاب إسرائيل والأبارتهايد إلى الإنكليزية، ويتضمن أيضاً تحليلاً في هذا الإطار ممن هم موجودون في الشق الآخر من المعادلة".
وقالت غانم: ثمة خطورة وإيجابيات كثيرة في ذات الوقت عند إعداد دراسة كل المشاركين فيها من الفلسطينيين، وأعتقد أننا بهذا الفعل لا نفصل بين المعرفة وبين المقاومة بالمفهوم الواسع للمقاومة والتحرر، لكن دون إخضاع المعرفة للوطنية، لكونه يشتمل على تسفيه للمعرفة، وظلم للباحث، لذا سعينا إلى إيجاد حالة من التوازن ما بين التعاطي مع المعرفة كرافعة تحررية من جهة، ومن جهة أخرى لا نقع في فخ صناعة ما يعرف باسم "المعرفة القومية"، وأعتقد أننا في هذا الكتاب كما سابقه نجحنا في تحقيق هذه المعادلة الصعبة، وبالتالي التناول لم يكن تأثيمياً بل تحليلي معرفي تفكيكي، في مقاربة نظرية لنوع النظام المتشكل، ليس فقط في داخل الضفة الغربية بل في فلسطين بأكملها، على خلفية فكرة يهودية الدولة، والتحول داخل إسرائيل من خطاب الدولة اليهودية الديمقراطية إلى خطاب الدولة اليهودية، فخطاب يهودي مسياني بشكل معين.
وأضافت: في هذا الكتاب نظرة من داخل هذه المنظومة، التي يتعالى الباحثون عليها لأجل تحليلها وتفكيكها .. نقطة قوتنا في نهاية المطاف تكمن في قدرتنا على إنتاج معرفة من الحقل، بمعنى أنها معرفة فلسطينية، ليس بالمفهوم القومي، ولكن بمفهوم من هو موجود على هذه الأرض، وجزء فاعل، ويقع تحت الاحتلال والاستعمار الاستيطاني .. القدرة على إنتاج هذه المعرفة، وتعميمها عالمياً، أمر في غاية الأهمية، وهذا لا يتحقق إلا بالترجمة إلى الإنكليزية ولغات أخرى.
مسارات فوقية ذات طابع مالي
وتحدثت المحامية سوسن زهر عن الجانب القانوني في مقاربة "إسرائيل والأبارتهايد"، لافتةً إلى أن عملها الأساسي كمحامية في مركز "عدالة" هو "التقاضي الاستراتيجي أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلي بكل ما يتعلق بالتحديات الدستورية للقوانين والسياسات التمييزية الإسرائيلية، خاصةً ما يتعلق بالمواضيع الاجتماعية والاقتصادية، مسلطةً الضوء على ما وصفته بمواضيع مفاجئة لا يتم الاهتمام بها إعلامياً مقارنة بالحديث عن المشاركة السياسية والعقبات الدستورية على مشاركة النواب العرب والقوائم والأحزاب العربية في الانتخابات".
وركزت زهر في مداخلتها كما في دراستها داخل الكتاب على التفرقة وخلق مسارات فوقية إثنية قومية بأمور تتعلق بتوزيع الأموال بين اليهود والعرب، لافتةً إلى اعتماد الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي كشرط لتحقيق هذا النوع من التمييز، فمعيار الخدمة العسكرية بات معياراً واضحاً للتمييز بين اليهود الملزمين بالخدمة في الجيش وبين الفلسطينيين داخل إسرائيل المُعفَوْن من هذه الخدمة لأسباب تاريخية وسياسية، فعلى أساس الخدمة في الجيش الإسرائيلي يصل التمييز إلى مساكن الطلبة في الجامعات، فالأولوية دائماً لمن يخدم في الجيش، وهو ما أقره لاحقاً الكنيست بقانون يفرض على الجامعات الإسرائيلية تقديم كل أنواع التسهيلات والهبات لكل من خدم في الجيش، وحتى في أقساط رياض الأطفال والمدارس، وكذلك ما يتعلق بتمييزات ضريبية، وأخرى في استملاك الأراضي، وفي المسكن، وغيرها من مجالات الحياة.
وتحدثت زهر عن تعريف "مناطق الأفضلية" الذي جاء كقرار من الحكومة الإسرائيلية في العام 1998، وهذه المناطق تحصل على موازنات بملايين الشواكل تضاف إلى الميزات التي يحصل عليها من يخدم في الجيش الإسرائيلي، وهذه الميزات جماعية وفردية في "مناطق الأفضلية"، التي اتضح أن من بين 553 بلدة صنفت كـ"مناطق أفضلية"، هناك أربع بلدات عربية منها ثلاث درزية يبدو أن سكانها ممن يخدمون في الجيش الإسرائيلي أيضاً، حيث إن خريطة هذه المناطق متعرجة بحيث تستثني البلدات العربية.
وقالت: نجحنا بعد جهود مضنية باستصدار قرار ضد هذا القرار الحكومي من محكمة العدل العليا الإسرائيلية العام 2006، لكن هذا القرار، وللأسف لم يطبق حتى عامنا هذا.
الأبارتهايد والمخيال السياسي
وتحدث د. رائف زريق عن إشكاليات المقاربة والمقارنة في هذا الإطار، متسائلاً بعيداً عن الجوانب القانونية والأخلاقية: لماذا تأخر الخيال السياسي الفلسطيني والعربي والإسرائيلي والدولي في استيعاب حالة فلسطين كحالة أبارتهايد، علماً أن الفصل ما بين العرب واليهود في فلسطين كان دائماً وأبداً منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الاستيطان اليهودي في فلسطين، حيث كان في فترة الانتداب شعبان يعيش كل منهما منفصلاً عن الآخر، في المدارس والمناهج ونقابات العمال والحافلات، وكل شي؟ .. وما بعد العام 1948، ومع الحكم العسكري، بات النظام القانوني يختلف أيضاً، وبالتالي الفصل كان منذ البداية، لكن المخيال السياسي تأخر عن توصيف فلسطين كحالة أبارتهايد.
وقال زريق: الأبارتهايد تاريخياً في جنوب أفريقيا نجح كحالة ملائمة لتلك الدولة، لكنه، وبعد نشوئه تحول إلى منظومة معيارية تبنتها الأمم المتحدة يمكن من خلالها توصيف نظام معين بالأبارتهايد، وإن كانت سيرورته تختلف عن سيرورة جنوب أفريقيا .. بالنسبة لإسرائيل، وفي كثير من الجوانب، فإن نظامها أسوأ من الأبارتهايد، وبعض الجوانب لا يصل هذا النظام إلى مستوى الأبارتهايد.
وتحدث زريق عن أمور لتوصيف نظام ما على أنه نظام أبارتهايد، لافتاً إلى أن الأبارتهايد هو "فصل داخل وحدة متخيلة، ومن يقع عليهم الإقصاء هم ضمن القاعدة ولكن يجري استثناؤهم، وهذا الاستثناء لا يمكن فهمه إلا بخيال يستطيع تخيل من يقع عليهم التمييز باعتبارهم جزءاً من القاعدة، وبالتالي كلمة الاستثناء تعني بالضرورة أن نتخيل ما هو مستثنى باعتباره تابعاً بالأصل لجزء من القاعدة، وبناء على قاعدة الاستعلاء والفوقية، ودون ذلك لا وجود للأبارتهايد".
وقال: لا شك في أنه في حال نظام الحكم في إسرائيل ثمة حالة من الفصل، وثمة حالة من الاستعلاء اليهودي، لكن العامل الأساسي الذي أخر المخيال السياسي من استيعاب إسرائيل كنظام أبارتهايد هو عامل الوحدة، بمعنى لم يتخيل لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون ولا العالم أن فلسطين هي وحدة واحدة متشابكة، وأن الفلسطينيين مستثنون من هذه الوحدة .. نحن الفلسطينيين لم نطالب أن نكون جزءاً من وحدة كهذه، فنحن نطالب بحق تقرير المصير والدولة المستقلة، فلا يستقيم الحديث والمطالبة بحل الدولتين مع الحديث عن نظام أبارتهايد، وهو ما يختلف عن الحديث عن الدولة الواحدة ذات الحقوق المتساوية لكل مواطنيها.
وأشار زريق إلى أن عوامل نجاح الوحدة بين البيض والسود في جنوب إفريقيا، وهو ما لم يحدث ولن يحدث ربما في فلسطين تتلخص في: الاقتصاد وعلاقات العمل حيث جاء البيض لاستغلال السود، وبالتالي المبنى التحتي الاقتصادي لجنوب أفريقيا كان يقوم على العمالة السوداء الرخيصة، وعليه كان ثمة اعتماد لاقتصاد البيض على السود، ما خلق نوعاً من الارتباط والتلاحم بين القامع والمقموع، وكذلك المسيحية التي في فترة ما أدلجت للفصل، وفي فترة لاحقة أدلجت لحالة اللافصل، وذلك لطابعها التبشيري المخالف للصهيونية بطابعها الإقصائي، وهي من خلقت نوعاً من "النحن المشترك الديني العابر للعرق"، وإضافة إلى عامل اللغة، حيث باتت الإنكليزية عامل توحيد ومناهضة للأبارتهايد في مواجهة الهولندية من جهة وتعدد اللغات الأفريقية غير الموّحدة لذوي البشرة السوداء، وهنا توحّد الجميع على الإنكليزية، أما في فلسطين فلا لغة مشتركة تشبه الإنكليزية في جنوب أفريقيا، وأخيراً ما يتعلق بالخيال السياسي فمنذ العام 1910 تعتبر جنوب أفريقيا وحدة سياسية واحدة، فحتى في أسوأ ظروف الأبارتهايد الأفارقة السود اعتبروا أنفسهم جزءاً من جنوب أفريقيا، وأرادوا تغيير وجهها، وتعاملوا معها كوحدة واحدة يجري التمييز داخلها، أما في فلسطين فلا يوجد وحدة سياسية واحدة، فنحن لا نزال نعتقد بإمكانية الفصل عبر حل الدولتين، وما دام هناك من يعتقد بأن حل الدولتين هو حل ممكن، وأن كل شعب يحقق مصيره في دولته المستقلة، وينفصل عن الآخر، فإن خيال الأبارتهايد لا ينشأ في هكذا ظروف.
إضاءات نظرية
وتهدف المقاربة التي يحتويها هذا الكتاب، وتضم مجموعة من الدراسات والمقالات التحليلية إلى كشف أوجه التشابه والاختلاف ما بين منظومة الحكم الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد الذي ساد في جنوب أفريقيا، ويسعى إلى الاستفادة من الإضاءات النظرية في جعل دراسات الاستعمار الاستيطاني لفهم أدوات السيطرة وسياسات القوة التي تستخدمها مجموعة عرقية أو إثنية أو قومية من أجل إخضاع مجموعات أخرى غصباً، بحيث تكشف المقاربات عن منظومة خطابية مركبة تعمل على شرعنة السيطرة والقمع والإخضاع الهرمي للسكان، وإنتاجها كحالة طبيعية مستدمجة بالحس العام المجتمعي للمحتل، مثلما تم تحويل مطلب إسرائيل دولة يهودية إلى مطلب عليه إجماع في إسرائيل بعد شرعنته بخطاب حقوقي يشارك في إنتاجه كبار المفكرين والمثقفين إلى جانب أجهزة إنتاج الأيديولوجيا في الدولة الإسرائيلية.
ورغم وجود كثير من نقاط الشبه، إلا أن المثير هو بالذات انضفار الشبه في أدوات جديدة تعيد تشكيل السيطرة والفصل كنموذج أكثر تعقيداً يتعدى المفهوم الكلاسيكي الجنوب أفريقي للفصل العنصري، ويستدمج فيه أدوات الاستعمار الاستيطاني والاحتلال العسكري معاً، لينتج منظومة سيطرة خلاسية تجمع بين عدّة مركبات لأنظمة قمعية، وتضفرها في تكنولوجيا حديثة للإخضاع.