"حي الدهشة" لمها حسن .. استعادة لحلب ما قبل الحرب في رواية تسكنها روايات
نشر بتاريخ: 2018-07-24 الساعة: 09:08رام الله- الايام- تستهل الروائية السورية مها حسن روايتها الجديدة "حي الدهشة"، الصادرة حديثاً عن "سرد" (دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع)، بفصل تحت عنوان "كفر حمرا-ريف حلب- عام 2005"، تحكي من خلاله لنا حكاية حب بين سميرة وابن عمها عبد الغني، وهي العلاقة التي تكللت بالزواج ونجم عنها مولود ذكر وحيد أسمياه حسين.
وعبد الغني سائق على خط "حلب – بيروت"، ووفقاً لطبيعة عمله، فإنه يغيب لفترات متقطعة عن البيت.. هذا الغياب دفع الشك ليتسلل إلى داخله تجاه زوجته بل ويتمدد، ودون مبررات، ما أوجعها حد البكاء والإجهاش فيه سراً أو أمام حسين، الذي كان يشاطر والدته أوجاعها.
تختفي حكاية سميرة وعبد الغني لتستعيدها مها حسن، قبل أن تختم حي دهشتها ودهشتنا بمائة صفحة، وبالتحديد في الصفحة 133، عبر الفصل المعنون بـ "كفر حمرا-ريف حلب- عام 2009"، حيث يموت عبد الغني بعد موت سميرة بثلاث سنوات، ويبقى الطفل حسين مع عائلة عمته، بل وينتقل ليعيش معهم في حي "الهلك"، الذي أشارت إلى أن اسمه قادم من زعم للحلبيين، أي أهل حلب، بأن تراب "الهلك" سمي بهذا الاسم "لأنه تراب من هلك في طوفان نوح، بدليل أن جنوب أرض الهلك توجد مقبرة اسمها جبل العظام، يتخلل حجارة جبلها كثير من العظام .. والآن غدت أرض تراب الهلك حياً كبيراً يصل إليه الماء والنور والباص".
وتدور أحداث الرواية في هذا الحي الشعبي بين العامين 2010 و 2011، حيث تبدو الروائية متأثرة بحيوات وتفاصيل الحارة وأهلها، وما يدور خلف الجدران فيها، فتظهر بطلة الرواية الدكتورة هند، طبيبة النسائية والتوليد، والتي تكون قد تعلقت بالحارة وسكانها أثناء زيارة لها مع مربيتها وخادمتها زلوخ، فتقرر بعد حين فتح عيادة لها في "الهلك"، حي خادمتها، على عكس رغبة أسرتها البرجوازية.
ورويداً رويداً تبدأ علاقاتها تتصاعد بأهل الحارة وسكانها، فتحبهم وتساعدهم، وفِي كثير من الأحيان تعالجهم دون أي مقابل مادي.. تتعرف هند على الحداد شريف وأمه وأخواته وزوجته مديحة، وتقع في حبه دون قرار منها او ترتيب، هي العاشقة لإنجاب طفل، ويا حبذا لو كان ابناً لشريف.
في "حي الدهشة" تسرد لنا مها حسن الكثير من التفاصيل اليومية في الحارة قبل الحرب، حيث علاقات الحب والصداقة والكره والمكائد، حتى يشعر القارئ وكأنه يتابع حلقات من عمل تلفزيوني سوري بكامل تفاصيله، وهذا تأتى لكون الروائية أبدعت في رسم ملامح شخوصها، لدرجة ان القارئ يرسم هذه الشخصيات في خياله: بحركتهم وأفعالهم وتفاصيلهم وحتى "ألوانهم".
تعيش هند في الحارة مبتعدة عن والديها المشغولين عنها بالأساس، فأمها مولعة في تربية الخيل والرياضة، ووالدها صارم المشاعر منشغل عنها بكثير من التفاصيل.
شريف الذي استلم "محددة" والده بعد وفاته، استعان بحسين الصبي القادم من حارة أخرى ويعيش مع عمته وأسرتها للعمل معه، ومع الوقت تتكون لديه هو الآخر مشاعر ما تجاه هند، التي يعمل على حمايتها من كل من يتعرض لها او يضايقها او يتعدى عليها، ما يثير غيرة زوجته مديحة حد الجنون، فتبدأ بالتحريض على هند، بل وتروج لشائعات مفادها بأن الطبيبة تقوم بعمليات إجهاض مشبوهة ورتق لغشاء البكارة وغيرها من الأعمال الطبية المخالفة للقوانين والعادات عامة، وطبائع أهل الحارة الشعبية خاصة.
اما هند والتي تضبط شريف في وضع مخل مع من كانت تغويه، وهي هنا سعاد ابنة عمة العامل حسين، فتهجر الحارة بعد صدمتها بأب ابنها المتخيل، والحبيب المنتظر.
يقتل شريف على اثر هذه الحادثة من خطيب سعاد بتحريض من حسين، الذي يكتشف القارئ انه هو من كان قتل والده، لاعتقاده بأن والدته سميرة ماتت قهراً بسبب شك والده عبد الغني فيها، فتعاطى معه على أنه قاتلها، لا سيما أنه تزوج بأخرى بعد وفاة زوجته.
كان الطفل حسين يحلم دائماً انه يقتل والده فيستيقظ ليجد ان والده يستمتع بحياته مع زوجته الجديدة، ما دفعه في مرة ان يحقق حلمه ويقتل والده انتقاما لوالدته.
تبدأ الحرب ويتفرق اهل الحارة، فيموت من يموت منهم، ويهاجر قسم آخر من بينهم الدكتورة هند عائدة الى مكان دراستها في لندن، مصطحبة معها ابنة شريف الشابة التي تنوي دراسة الطب متأثرة بها.
"درية"، ابنة شريف المولعة بالقراءة والكتابة، والتي كانت تسطر مذكراتها، تبدو في نهاية الرواية، وكأنها هي كاتبة "حي الدهشة"، فهي التي أرسلت المخطوط للناشر الذي طلب منها تعديل بعض الأحداث في الرواية، لترفض وترسله إلى دار نشر ثانية، فـ"حي الدهشة" هي الرواية التي كتبتها على وقع أصوات المدافع والقذائف، وهي التي ستكتب بعدها الكثير من الكتب.. "كانت تكتب حتى لا تشعر بالخوف، كانت تكتب عن ذلك الخوف، متمنية، إن ماتت تحت القصف، أن تنجو أوراقها، ليقرأ العالم شهادتها عن الأمل"، فـ"الدهشة كنز مختبئ في حلب، في حارتي هناك .. سنجلبه أنا وهند، عبر الكتابة والذكريات".
واللافت في رواية "حي الدهشة" التي صاغتها مها حسن بلغة سلسة وجميلة تتناسب وطبيعة سكان أهل حي "الهلك"، بعيداً عن أي فذلكات متعمدة، أن العديد من العناوين الفرعية لفصول الرواية حملت أسماء روايات عربية وعالمية شهيرة، من بينها "الفراشة" للأميركي هنري شايير، و"حفلة التيس" ليوسا البيروفي الحاصل على الجنسية الإسبانية، و"قصر الشوق" لنجيب محفوظ، و"العطر" للألماني باتريك زوسكيند، و"مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، و"الغثيان" لسارتر، وغيرها، في محاولة منها للموازنة ما بين العنوان وما يتضمنه الفصل الذي يحتضنه، وكأنها تحاكي هنا ما حدث ويحدث في سورية قبل الحرب وبعدها من بوابة روايات تختزنها في ذاكرتها وأسقطتها على رواية كتبتها هي مها حسن أو "درية"، إحدى شخصيات عملها الجديد، في تقنية مبتكرة تستعيد من خلالها الحياة السورية في غالبية فصول الرواية ما قبل مأساة البلاد، وخاصة حلب التي لطالما احتلت المساحة الأوحد في رواياتها الأخيرة، حيث تحاول إعادة "رسم حلب وأحيائها الشعبية القديمة، وطقوس عيشها، وبساطة ناسها، وأحلامهم الصغيرة، قبل أن تأتي الحرب فتدمر في طريقها كل هذا".
amm