لعبة الحواس بين العتمة والنور ..قراءة في رواية "رجال العتمة" للشاعرة والروائية المغربية حليمة الإسماعيلي
نشر بتاريخ: 2018-06-26 الساعة: 09:44رام الله- الحياة الجديدة- المصطفى فرحات- سئل الروائي الفرنسي آلان روب ـ غرييه من كبار الروائيين الفرنسيين، وبعد أن خاض كل ضروب السجالات حول ذاتية الكتابة وموضوعيتها فقال: "أنا أعتقد أنني أصلا، لم أكتب إلا عن ذاتي في كل كتاباتي..".
على امتداد 234 صفحة من الحجم المتوسط تسافر بنا الشاعرة والروائية المغربية حليمة الإسماعيلي في روايتها "رجال العتمة" لنتعرف على مسار حياة أبطالها المختلفين جنسا وسنا وثقافة وانتماءً اجتماعيا وطبقيا... لكنهم يشتركون جميعا في وضعهم النفسي الذي تسكنه العتمة. فبطلة الرواية الشابة إيمان ابنة مدينة جرادة التي انتقلت إلى مدينة مراكش لتدرِّس الرسم وتمارسه كهواية تعاني من الهلوسات التي منذ وفاة والدها. وأحمد رفيق النضال في مدينتها الأم الذي مارس الكتابة في زنزانته و خارجها؛ يهاجر إلى فرنسا بعد خروجه من المعتقل ويتزوج وينجب ولدا قبل أن يطلق زوجته.
وفي لجة الضياع تتعرف إيمان على شاب فلسطيني رسام وحاصل على دكتوراه في علم النفس لتضع فيه الأمل لتجاوز محنتها، يتقاسمان زمن عشق رائع ليرحل إلى غزة لرؤية والدته، تندلع حرب غزة، تترقب إيمان عودته لتفاجأ بأنه متزوج وأب لطفل.. كما تعرفت على الشاب الشاعر نجيب الفاقد لبصره ابن الجارة الذي يتابع دراسته بمصر.. في بيت متواضع بمراكش تعيش البطلة بمعية أختها ووالدتها.
الأزمة النفسية التي تعانيها إيمان لم تنسها التفاعل مع الأزمات السياسية التي يعيشها الوطن والوطن العربي: حرب غزة، دمار العراق، خراب ما يسمى بالربيع العربي.. لتجد نفسها وسط أزمة مزدوجة عمقت جراحها وكثفت عتمة حياتها.
لقد شكلت العتمة البؤرة التي تتجمع حولها خيوط السرد ومنها تنطلق مساراته لترحل بنا الساردة في حكاية يتقاطع فيها عالمان: فضاء الواقع بمرجعياته المختلفة والذي يقدم لنا القليل من الفرح والكثير من الألم. وفضاء الحلم بآفاقه اللامحدودة، وما يغرينا به من استهامات توهمنا بالأمل والتفاؤل لتبقى إيمان متأرجحة بين هذين الفضاءين وتجد نفسها في دائرة يتقاطع فيها الأبيض بالأسود. إنها تناضل وهي المسلحة تسليحا داخليا هشا قوامه الإيمان والوعي بقضاياها الوجودية والإنسانية أن تجد لها دعما من الخارج يقوي إصرارها على المواجهة وتجاوز أعطاب الذات أملا في الانتصار، لكنها، وفي أحرج أوقات الأزمة تجد نفسها محاطة بأناس يعانون أزماتهم الخاصة، تلفهم العتمة ويسعى كل واحد منهم أن يلتمس بصيص ضوء يقوده إلى منطقة الضوء.
تكشف الرواية عن إيمان ـ الشخصية المحورية ـ كبطلة إشكالية، فرغم كل محاولاتها لكي تتجاوز معاناتها الوجودية فهي تزيد الأمور تعقيدا لتعترف في حوار داخلي موجه لزياد عن هزيمتها: "أنا ابنة العتمة التي لم تصدق ومضة نور وضعتها في دربي" (الرواية: ص 190).
كلما تمعنا في المصير الذي حددته الساردة للبطلة ازدادت صعوبة تبين إن كانت العتمة هي التي تلاحق إيمان أم أن هذه الأخيرة هي التي تتربص بالعتمة. إنها تحيا في عين إعصارها فهي موجودة في كل مكان: فالوطن معتم، وجرادة "زنزانة غارقة في العتمة." (الرواية: ص 10). والأزقة معتمة، وغرفتها معتمة. تقول مخاطبة زياد: "ساعات طويلة في عتمة غرفتي كل ليلة هل سأبقى جبانة إلى الأبد يا زياد؟" (الرواية: ص 64).
ولقاؤها الأول معه كان في قاعة معتمة.
ليس الواقع المحسوس والملموس وحده من استنفذ نوره فأمسى معتما فعطل حواس إيمان لتستعين بحدسها وهي تمضي نحو مصيرها بحثا عن بقعة ضوء، بل تحضر العتمة أيضا في الواقع الافتراضي الذي أمّلت فيه أن يعوضها عما عجبه الواقع. تقول وهي تترقب إشارة حياة من زياد المسافر إلى غزة وصادف الحرب: "ما الذي يضيره أن تحدث معجزة الآن وتصلني منه رسالة؟ أو يشتعل الضوء الأخضر بدل هذه العتمة الداجية التي تكفن زاوية الدردشة عنده ؟" (الرواية: ص 189).
قد يكون الإبداع ترياقا لمن تسمموا بالعتمة، معادلا موضوعيا ليتخففوا من معاناتها إلا أن إيمان فشلت في الحصول على هذا المعادلة وبقيت معاصرة بالعتمة. فاللوحة التي أعجبت بها في مرسم زياد هي لوحة العتمة. "أعجبتني لوحتك "العتمة" رغم مرارة المعنى فيها" (الرواية: ص 86). وعندما تسأل زياد عن صورة الخوف الذي يجتاحها ويشلها عن الفعل الإيجابي فهي تتخيله على هيئة العتمة: "لو أني أستطيع رسم الخوف، فكيف سيبدو؟ صفحة معتمة أم صفحة ضبابية!" (الرواية: 80)
لم تكتف إيمان بمعاناة عتمتها الخاصة، بل أضافت إليها عتمات الآخرين وتهيأ لها أن جميع الناس يعيشون وضعها النفسي وعليها أن تتعاطف وتتقاسم مأساتهم. تقول بنبرة استنكارية ـ احتجاجية على اللامباليين :"ومن يؤلمه أن يلتمع بالنور والحرية في الوقت الذي ينظر غيره مقيدا في العتمة" (الرواية: ص 206). ومن سوء حظ إيمان أن تلتقي مع رجال يعيشون حياة العتمة وجربوها بشكل أو بآخر وهم:
1. أحمد: ابن مدينة جرادة المناضل والذي اعتقل وقضى "خمس سنوات في العتمة وصمت يطن الآذان" (الرواية: ص 31). هذا ما كتبه لإيمان في إحدى الرسائل المتبادلة بينهما على الحاسوب الذي كان سببا في إعادة الحياة إلى علاقتهما، وهو جواب على رسالة لإيمان تذكره فيها بزيارتها له في المعتقل: "هل تذكر حين زرتك يوما في زنزانتك المعتمة؟" (الرواية: ص8).
بعدما انفصل أحمد عن زوجته لم يجد غير الكتابة وسيلة للتخلص من معاناته، اكتشف نفسه كاتبا بالصدفة لذا لا يدري في أي جنس أدبي يكتب. ويصف ما يكتبه بأنه "مجرد هذيان شاب ذبلت أحلامه في العتمة" (الرواية: ص 32). وظهور إيمان في حياته من جديد منحه بصيص أمل للخروج من العتمة لذا قرر مغادرة باريس إلى مراكش ليلتقي إيمان الذي تناضل من أجل الخروج من عتمتها. وهو الذي لا يتوقف عن "البحث في أكوام الصحف عن خبر سعيد، عن أمل، عن بصيص ضوء" (الرواية: ص 11).
2. زياد: ربما هي صدفة أو قدر محتوم أن تبدأ العلاقة بين إيمان وزياد في فضاء معتم لتكون اللحظة بداية تجاذب لمشاعر ومواقف ورؤى غائمة. فكل منهما يبحث في الآخر عن مساحة ضوء يستحيل القبض عليها. فزياد، الذي رأت فيه إيمان المخلّص يحتاج هو نفسه إلى مخلّص رآه في إيمان. وعند هذه النقطة من تقاطع العلاقة بينهما تتشوش الصورة ويتعطل الحل.
تعري الساردة عالم زياد بتمحيص شخصيته متتبعة أبعادها الاجتماعية والنفسية والمعرفية والفنية.. فعندما تسأله عن أصدقائه يجيبها: "أصدقائي ودعتهم وتركتهم في العتمة." (الرواية: ص 89). لقد صرح دون أن يفصح، إلا أن إبداعه يشي بأنه من الرجال الذين يعيشون في العتمة. فأجمل لوحاته سماها ب "العتمة". والمعرض الذي أقامه بمدينة الرباط كان تحت عنوان "العتمة". وعندما ينصح إيمان بما يتوجب عليه فعله لتجاوز محنتها يذكر العتمة : "ارسمي.. ارسمي.. ابحثي عن كل الأحاسيس المختبئة في عتمة روحك وارسميها أو ارسمي بها" (الرواية: ص 86/87).
بعد قصة حب رائعة شكلت نقطة نور في عتمتهما يأتي النبأ اليقين بعد سفر زياد إلى فلسطين لتكتشف إيمان أنه متزوج وله ابن فتنكمش دائرة الضوء المتوهجة ثم تخبو تاركة المجال من جديد للعتمة.
3. نجيب: يحضر نجيب في الرواية في إطار علاقته بالبطلة بصفته الرجل الثالث الذي يعيش في عالم العتمة إلا أنه يشكل إضاءة حقيقية لهذا العالم التي تحيا فيه وبقية الرجال الآخرين. فنجيب الفاقد للبصر لم ييأس ولم يحبط ولم ينهزم ولم يستسلم للعتمة التي يحيا فيها بالفعل ذلك أنه لم يبحث عن النور في المكان الخطأ/الخارج، بل في عالمه الجواني.. فالنور الذي نبحث عنه خارج ذواتنا قد يكون خادعا، بل مجرد وهم نطارده على أمل أن يتجلى، سراب نلاحقه دون إمكانية القبض عليه. عرف نجيب طريقه وسار فيه دون تردد، لقد وجد السرّ المشاع الذي خفي عن الآخرين المبصرين، رآه بقلبه وروحه واختزلهما في مقولتين: "العلم نور" .
يقول مخاطبا إيمان: "الحب قنديل في جوف العتمة" (الرواية: ص 208).
فبالعلم استطاع أن يتابع دراسته بعيدا عن وطنه ويعد أطروحته، وبالحب هو شاعر يرسم بالكلمات مشاعره ورؤاه، وبفضله ارتبط بهِبة.. لقد أدركت إيمان أخيرا السرّ ولم يفت الأوان بعد لتجاوز محنتها عندما حضرت خطبة نجيب لهِبة علقت قائلة: "رغم نزيفي السري غمرني شعور قوي بالسرور والحبور وأنا أنظر إلى نجيب. آنست في وجهه نورا طارئا وكأنه منبعث من عمق عتمته يجسد مقولة جلال الدين الرومي: "ما ضرك لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلها في وجهك ما دام النور في قلبك متوهجا" (الرواية: ص 208 ).
الأمكنة التي احتضنت هذه الوقائع ليست مجرد جغرافيا فحسب بل فضاء يحتضن الشخصية بكل أبعادها الإجتماعية والنفسية. ولسنا هنا باستقصاء كل الأمكنة الواردة في الرواية بل سنقتصر على البعض منها لنبرز تلك الأبعاد.
1. مدينة جرادة: هي مدينة الكبرياء والأحلام والآمال الهاربة والثورة والنضال من أجل الكرامة والكفاح من أجل لقمة العيش وقد ارتبطت بوالدها الذي مات داخل مناجمها وكان الحدث سبب الأزمة النفسية التي تعاني منها إيمان.
2. مدينة مراكش: مدينة العمل وكسب قوت العيش، وهي أيضا مدينة الغرابة والفرح الخجول ومسقط الروح والتأمل والتسامح، تحتضن كل الأديان والأجناس والأعراق.. مدينة الابتسامة والنكتة. عانقتها إيمان بحب، رغم معاناتها النفسية فقد وجدت في فضاءاتها ما يواسي ويمنح الأمل.
3. مدينة الصويرة: المدينة المتشحة بالزرقة، مدينة الإبداع والفن والجمال والرومانسية والحب. بحرها يشحن القلب ويلهب العواطف وجعل الحب ممكنا. اكتشفت إيمان في هذه المدينة أنوثتها في كمال بهائها وروعتها ولم تتردد في الاحتفاء بها.
4. غزة: تتأسس العلاقة بين الساردة وغزة وفق تطور أحداث الرواية. اعتبارا بأن غزة موطن زياد فقد كان هذا العامل كافيا لتحب هذا الوطن بل تعلن انتسابها إليه، ويتعمق هذا الإحساس بعد سفر زياد إلى غزة وانقطعت أخباره بسبب الحرب التي شنها العدو الصهيوني عليها. تقول متعاطفة مع محنة غزة: "ها أنا فجأة أنتسب إلى شجرة عائلتك لأصير فلسطينية الهوى والهوية فأحس أني غريبة في وطني الآمن" (الرواية: ص 196).
إيمان لا تعرف غزة إلا من خلال الصورة التي تقدمه وسائل الإعلام وهي ترصد الأحداث المأساوية التي تعيشها غزة، إنها تتفاعل مع هذه الأحداث بقلبها وهي ترسم صورة قاتمة للأوضاع. وبعقلها وهي تحلل لتفهم وتستوعب ما يجري.. لماذا يسكت المجتمع الدولي عما يحدث؟ وتزداد الصورة قتامة من خلال شهادة ومشاهدة زياد الذي يوجد في قلب المعركة وهو يصف لها ما يقع بالتفاصيل.
غزة لا تحتضن عشق إيمان الأسمى فحسب، بل إنها تحمل كل معاني التضحية والنضال والمقاومة من أجل التحرر. إنها الأرض التي لن يتمكن العدو الصهيوني من اقتلاع جذور أهلها المتشبثين بالأرض والمستعدين للتضحية مهما بلغ حجم هذه التضحية.
يقول زياد في رسالة لإيمان: "لم نعد نخاف الموت، أصبحنا نتعايش مع الموت" ( ص 216).
والمتأمل للصورة التي تنعكس في مرايا الرواية سنجدها قاتمة: الجثث المتفحمة في كل مكان، موت عائلات بأكملها، الدفن الجماعي السريع، قصف المقابر، الجوع، المرض، الحصار، الدموع.... غزة تدافع عن وجودها بما تملكه من إمكانيات أهمها : إرادة البقاء. جاء في الرواية "غزة الآن وحيد، بدمها، ببحرها، ببرها، بعتمتها" (الرواية: ص 198). هذا الوضع قتل في إيمان كل معاني الفرح.
لم يُكتب لحبها أن يكتمل، لقد باح لها زياد بالسر الذي أخفاه بعناية ولمدة طويلة، ورغم وجع الحقيقة، فإن غزة وزياد وإيمان شكلا واحدا، لذا فهي تتساءل باندهاش وانكسار: "هل تصدق غزة كم أحببتك يا زياد ؟.." (الرواية: ص 232).
لا يمكن فصل الزمان على المكان لذا سنحاول رصد جانبا من اشتغال الزمن داخل الرواية، وعلى هذا الأساس أمكن تقسيم الزمن إلى نوعين:
الأول: الزمن الخارجي أو الزمن العام: وهي الفترة الزمنية التي استغرقتها أحداث الرواية ككل. فعندما نتتبع مقاطعها ونرسم خريطة نتتبع من خلالها رحلة البطلة إيمان في الحكي اعتمادا على التقطيع المفصلي الذي اعتمدته الساردة نحصل على الشكل التالي:
• قبل دخول العام الجديد: (من المقطع 1 إلى المقطع 3)
• دخول العام الجديد: (من المقطع 4 إلى المقطع 14)
• العطلة: (من المقطع 15 إلى المقطع34)
• العودة إلى العمل: (المقطع 35 إلى المقطع 40)
• السفر إلى الصويرة: (من المقطع 41 إلى المقطع 50)
• العودة إلى مراكش: (من المقطع 51 إلى آخر الرواية)
ما يستنتج من خلال هذا التقسيم إضافة إلى إشارات زمنية أخرى لها دلالاتها في سياق التجربة الروائية (شهر رمضان، عيد الفطر، أيلول...) أن أحداث الرواية لم تستغرق وقتا طويلا، قد تقدر بنصف العام أو أقل بقليل. وهذا يدل على حضور عنصر التكثيف بالنظر إلى حجم الرواية.
ثانيا: الزمن الداخلي أو زمن الحكي: يلاحظ أن التقطيع الزمن السردي تجلى بمستوياته الثلاثة:
1. الزمن التتابعي: وفيه تنتظم الأحداث بشكل متسلسل ومنطقي يرتبط اللاحق بالسابق هو الذي شكل الحجر الأساس في الرواية.
2. الزمن الاستباقي: حيث تعمد الساردة إلى استشراف أحداث المستقبل عبر إشارات لغوية دالة مثل (نصف ساعة يطل العام الجديد... ص 17)
3. الزمن الاسترجاعي: فيه يتم استحضار أحداث الماضي عبر تقنية الفلاش باك مثل (هل تذكر يوم سألتني عن أحلامي... ص 23).
الشكل ليس محايدا لأنه يدخل في ترتيب فوضى الواقع والعلاقات بين الشخوص/القوى الفاعلة، وتوجيه الرؤية للعالم. لذا اشتغلت الكاتبة على الشكل/البناء الروائي معتمدة تقنيات الحكي المتنوعة التي أتقنت توظيفها بكفاءة منها:
1. اللغة: فهي تحبل بالشعرية التي تسمح بترجمة رؤى غائمة تفيض بالأحاسيس المنفلتة في سعي الساردة للقبض على الغامض والمعتم في ذات الكاتبة وشخصيات الرواية. إنها لغة الاستعارات والمجازات والتعابير الصوفية المشبعة بالإيحاءات والرموز والإشارات والإحالات. فالألفاظ والجمل تتدافع فيما بينها وهي تتوقد حنينا لعالم روحي محفوف بالأسرار.
2. تقنية الرسائل: تلتقي رواية "رجال العتمة" مع "الرواية الرسائلية" التي ازدهرت في أوروبا قبل القرن الثامن عشر في رواية الأحداث عبر سلسلة من الرسائل المتبادلة بين الشخصيات رغم أن هذه الرسائل تتم عبر وسائط إلكترونية حديثة وتفقد إلى ما يميز الرسائل التقليدية. والرسائل شكلت دائما جزء من بناء الشبكات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وهو ما تجلى واضحا في الرواية.
3. تقنيات متتنوعة: ولأن الهدف من هذه القراءة هو إلقاء الضوء على جوانب من الرواية فإننا سنشير إلى بعض التقنيات الأخرى الحاضرة في بنائها دون الخوض في تفاصيلها، ومنها الحوار بنوعية الداخلي والخارجي، والوصف وتعدد الأصوات الكاشفة عن العالم، وطغيان صوت الذات الساردة الذي يتماهى بصوت البطلة إيمان...
علي سبيل التركيب
"رجال في العتمة" رواية تحتفي بالنزعة الإنسانية التي تتوخى كسب تعاطف المتلقي مع الشخصيات لتفهم أفعالها ومساراتها ومقاسمتها مصيرها. ولقد نجحت الكاتبة في كسب رهانها. فالعتمة التي نخشاها لا وجود لها بل الإنسان هو من يوجدها، هو من يمنحها شكلا وحجما ومدى ويحشوها بالمعنى واللامعنى.. العتمة تتشكل في أدغال النفس والروح تتوغل بعيدا في المشاعر والرؤى، وبعد أن تتضخم تطل برأسها نحو الخارج لتعمينا عن جذورها ومنبتها ليصعب اقتلاعها. كما أن النور الحقيقي لا يوجد خارج ذواتنا، إنه في أعماق أعماقنا، وحدهم المحظوظون، من يملكون البصيرة يتمكنون من رؤيته والتعرف عليه والاهتداء به في حياة مترعة بالأمل والحب والسلام النفسي.. إنها لعبة العتمة والنور التي تلعبها حواسنا في غفلة منا..
amm