"صوت المقاومة": أسطوانة لريم بنا ما بعد الرحيل
نشر بتاريخ: 2018-05-07 الساعة: 11:27رام الله-وكالات- كان مفاجئًا ومثيرًا أن تصدر أسطوانة جديدة للفنانة الفلسطينية ريم بنا بعنوان "صوت المقاومة" بعد أربعين يومًا على رحيلها، تتضمن مقطوعات سجلتها بصوتها في أوسلو (النرويج)، بينما كانت على كرسي متحرك، في الشهر الأول من هذا العام، هي التي كانت أخبرتني قبل عام تقريبًا أنها تسير في مشروع فني يدمج صوتها إلقاء وبموسيقى إلكترونية، وهو ما كان بالفعل، فخرج جديد ريم بنا موجعًا بحجم ألمها خلال صراعها مع المرض، فالكلمات في غالبيتها كتبتها خلال فقدانها لصوتها قبل أن تسترجعه في عام 2016 بعد عملية جراحية في برلين، حيث قامت مجموعة "حاجز 303" باستلام الكلمات ونسخ عن الفحوصات وكل ما يتعلق برحلة بنا مع المرض، لتحولها موسيقى إلكترونية شاركهم في تقديمها موسيقيون نرويجيون أشهرهم بوغ ويسيلتوفت، لتخرج خمس عشرة مقطوعة من إنتاج شركة "سي سي في" لصاحبها منتج غالبية أسطوانات ريم بنا وصديقها أريك هليستاد.
الشاعرة زهيرة صباغ، والدة ريم بنا، كشفت في حفل الإطلاق برام الله عن أن بنا توجهت في كانون الثاني (يناير) 2018 إلى أوسلو على كرسي متحرك برفقة ابنها الذي كان مساعدها في هذه الرحلة لتسجيل الأسطوانة، لافتة إلى أن أشعار الأسطوانة كتبت عقب أن أصيب وتر في حنجرتها بعطب فاختفى صوتها.
واستذكرت زهيرة: في ذلك الوقت كانت تقول لي إن ثمة رنينًا في رأسها الذي يضج بأفكار لمشاريع فنية، ولا بد من أن تخرج إلى العلن، وكنت أشجعها على أن تستعيد صوتها، وفعلًا حدث ذلك في ألمانيا، واستعادت صوتها قبل عامين، لكنها لم تنجح في استعادة قدرتها على الغناء، بسبب نكسات صحية متتالية.
وواصلت صباغ الحكاية: خلال فترة شلل الوتر الصوتي كانت تكتب نصوصًا عن وجعها، والألم الذي يعتصرها لفقدانها صوتها، حتى أنني لم أكن قادرة على قراءتها كلها من فرط الوجع، وهذه الكتابات لفتت انتباه مجموعة "حاجز 303" في كندا، وطالبتها بإرسال كل صور الفحوصات المصورة لها كأشعة وغيرها إضافة إلى نصوصها، فحولت النصوص والفحوصات إلى موسيقى إلكترونية، وكانت الأسطوانة، التي اشتملت أيضًا على ثلاث أغنيات لحنتها ريم وغنتها بصوتها، بينما بقية الأغنيات عبارة عن إلقاء يلامس الغناء.
قالت ريم
وكان من الملفت عرض ذلك التسجيل الصوتي مع ريم بنا من أوسلو عقب تسجيل الأسطوانة في كانون الثاني (يناير) الماضي، وتحدثت فيه عن الأسطوانة، حيث قالت: ذات مرة أخبرني طبيب عن شلل في أحد الأوتار الصوتية، وأنني لم أعد قادرة على الغناء، وبالفعل بات صوتي خافتًا للغاية، ولا يسمعني أحد، وكانت صدمة صعبة، انهرت أكثر بكثير من وقت ما عرفت بإصابتي بمرض السرطان، لأنني شعرت بأن حياتي كلها تتوقف.. كان ذلك في عام 2015، لكني استعدته بعد عام، وبحثت عن طريقة لأكمل مشواري، وكان ذلك بمساعدة المنتج الصديق أريك هليستاد، فدخلنا في مشروع جديد دون غناء، لكنه يدمج ما بين كتاباتي، والموسيقى التي تحاكيها لمجموعة "حاجز 303"، وفيه الكثير من التحدي والمقاومة بأشكالها المختلفة، وفيه قوة أيضًا.
أريك هليستاد، المنتج القادم خصيصًا من النرويج لحضور حفل الإطلاق، كشف عن أن انطلاقة المشروع بدأت من مقر معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى برام الله، حيث تم التسجيل الأولى في ستوديوهات المعهد، مشيرًا إلى أن ريم سبق أن عملت مع "حاجز 303"، وهم موسيقيون تونسيون مقيمون في كندا ويحملون جنسيتها، في أسطوانة "ملفات إقرث"، حيث شاركت في الإنتاج لصالح الفنانين جواهر شوفاني، ووردة وجهاد سبيت، لكنها المرة الأولى التي تضع فيه صوتها على موسيقاهم الإلكترونية المغايرة وذات النكهة الخاصة بهم، كما هو صوت ريم وأغنياتها وكلماتها.
وشدد هليستاد على أهمية الحفاظ على إرث ريم الذي هو ليس فقط إرثًا فلسطينيًا بل عالميا، فهي بصوتها لم تقاوم احتلال بلدها، بل كانت تقاوم الظلم أينما وجد.. وأضاف: صوت ريم هو صوت الحرية والحق، ونحن في الشركة نعتبر هذه الأسطوانة بمثابة تحية لريم الفنانة والإنسانة، هي التي أثرت في كل من تعامل معها إيجابًا، وبثت فيه الكثير من شغفها وحبها للحياة، لافتًا إلى أنه كان من المقرر أن يطلقه من أوسلو في نيسان (أبريل) الماضي.
سهيل خوري، مدير معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، أشار إلى أنه من الغريب إطلاق أسطوانة لفنان أو فنانة دون حضور صاحبها.. "لربما من النادر أن يحدث مثل هذا الأمر، كما حدث مع ريم.. عادة ما يشتمل حفل إطلاق أسطوانة جديدة على كثير من الفرح، لكننا نستذكر ريم، ونحزن على فراقها في هذا الحفل الخاص".
وذكر خوري أنه وزوجته رانيا الياس، مديرة مؤسسة يبوس في القدس، وخلال زيارة ريم في المستشفى قبل رحيلها بأسبوع، كانت متفائلة كعادتها وتم الاتفاق بينهم على إطلاق الاسطوانة في الصيف، وتقديم حفل خاص لها في مهرجان القدس الذي تنظمه "يبوس" بشهر آب (أغسطس)!
أسطوانة الوجع والحكمة
في "لغة الصمت" تعبّر ريم عن وجعها بعد أن فقدت صوتها لفترة من الوقت، حيث غالبية كلمات مقطوعات الأسطوانة الجديدة كتبتها ريم في تلك الفترة.. تقول فيها "يوم صارت لغتي الصمت سقطت الأغاني كلها، لكني لم أفقد موجًا بنبض في الوتر أسمعه كل ليلة ينتفض في عنقي إيقاعًا كالنشيد"، وفي "موسيقاتلة"، وعنوانها مزيج ما بين "موسيقى وقاتلة"، تصدح ريم بما أمكنها "كلما كان يرتق جرحي كانت تتفتق جراح كثيرة".
وفي أخرى تعرف نفسها "أنا ابنة الصحراء .. عباءتي السماء، ومن ضفائري ينسج البدو خيام الشتاء"، بينما تصف نفسها في مقطوعة "وردة في المعركة" بأنها "عروس يفيض عسلها من أطراف قدمها المشنشلة برنين الخلخال"، وبأن "الأرض غارت من مشيتها، حين كانت تتجلى وتهتف في الساحات"، لتنتصر على الوجع بالكمات ثم بصراخ خفيف "... وسك الغناء.. كانت وحدها كوردة في المعركة.. لم تبكِ ولم تتوجع.. تورّدت في وجنتيها ابتسامة، فقد كانت تخبئ في ضفائرها ألف ثورة".
كما أن الأسطوانة لا تخلو من الحكمة والرؤية الخاصة بريم بنا كما في "انعتاق"، حيث تلقي في صوت يتراقص في مساحة ما بين الشعر والغناء: "وتتضاءل رحلة السعي المتواصل للعلو.. بالسقوط.. عندها فقط نتذكر أن الأرض كانت تحملك، فكيف لم تحس بها قدماك؟؟".
وفي "ريم تغني نفسها": "جئت إلى هذه الدنيا عنوة.. لا البلاد احتضنتني ولا أحد.. أنتمي إلى قلب طاف في الهوى وإلى الحرية في ثلاثة حروف هي اسمي.. حلمي لا يساوم، وغزالتي في الريح سارحة"، أما في "لا أبالي"، وكأني بها تصف نفسها في المقطع الأخير، فتقول "لا أبالي.. كوطن ينكسر أو ينتصر.. ستظل هامتي تعلو في النشيد كمثل حتمية الشمس الطالعة.. وأظل في كل هذا الرفض.. مقاومة".