"أعطني سبباً للعيش" .. البريطانية كلير كنينغهام تنتصر على الموت واليأس بعكازين!
نشر بتاريخ: 2018-04-23 الساعة: 09:56رام الله- الايام- امرأة صغيرة الحجم لكنها تترك انطباعات قوية..
الفنانة الاستعراضية البريطانية كلير كنينغهام، تبدأ من زاوية معتمة من مسرح قصر رام الله الثقافي، أعدت خصيصاً لعرضها "اعطني سبباً للعيش"، عملا طبيعيا وخاصا وحميمياً، مع عكازين بقيا يرافقانها طوال خمسين دقيقة.
تستخدم كنينغهام، التي تعتبر من أشهر الفنانات ذوات الإعاقة في العالم، عكازيها كمقيدين تارة وممدين تارة أخرى للوحة الاستعراضية التي تقدمها، ما يخلق جسداً يتطور عبر التلاعب بهذه الدعامات، إن جاز التعبير، فمع هزة تعبر عن مكافحة في الزاوية تنطلق مدشنة عرضها، قبل أن تضرب نفسها على الجدار كفراشة ترتطم في نافذة .. تنأى بنفسها عن النظر باتجاه الجمهور .. تحبس نفسها في الظلام لبعض الوقت، أو جله، وتتعاطى مع العكازين كجناحين تارة، وأغلال تارة أخرى، فتبدو سجينة تتعذب، بعد أن كانت فراشة ترنو إلى الطيران ولو لبضع سنتيمترات إلى أعلى.
يستند هذا العمل على سلسلة من المهام الجسدية التي تعكس قوة بدنية وأخرى روحانية، فالفنانة كنينغهام تقدم لنا رؤية صادقة في تعاطيها الذاتي مع إعاقتها، دون تزييف أو خجل، هي التي تتعامل مع إعاقتها بطريقة آسرة، تعبر عنها في تلك اللحظة التي تطوي فيها نفسها فوق مقابض العكازات، وتقوم ببعض "الشقلبات" هناك، إلى قفز يتنقل ما بين اليدين والقدمين مراراً وتكراراً، بل إنها في أحد المشاهد تحاول دفع نفسها من الأرض لكنها تنزلق، وتسقط بعد سحبها الاتجاه الخاطئ من عكازتيها، حتى إن بعض الحضور كان يهم بمساعدتها، وهنا تكمن قوة العمل في قرار كنينغهام بالاستمرار في أداء هذه المهام إلى أن لا تستطيع القيام بها لفترة من الوقت، فكان السقوط على أكثر من مستوى، لكنها تتفوق على عجزها ونفسها وتقوم من جديد في حركة ليست استعراضية، بقدر ما هي واقعية تعايشها في يومياتها مع الإعاقة.
ويمكن القول، إن التكرار والتحقيق العميق في المفاهيم البسيطة، والذي نجحت فيه كنينغهام ببراعة، خلق إطاراً زمنياً موسعاً منحها وإيانا، وقتاً ومساحة إضافيين للرحلة والتفكير والتأمل بل والتقاط الأنفاس أيضاً.
وكان في تخففها من ملابسها الخارجية أكثر من رسالة، فهي من جهة تتحدث عن الصعوبات التي واجهها ذوو الإعاقة في بريطانيا جراء تخفيضات الإعانات الطبية، بشكل أو بآخر، ومن جهة أخرى تعبر عن جانب حيوي في حياة النساء من ذوات الإعاقة، فهن أيضاً لم يتنازلن عن أنوثة قد تكون طاغية، ورغبات دفينة ربما.
وعندما رمت بظهرها إلى الجدار وهي تحاول بمساعدة عكازيها أو دونهما تسلقه بشكل عكسي، ووجهها للجمهور هذه المرة، بل وبدأت بالغناء بصوت متذبذب لكنه واضح وجميل، فإنها تعبر عن موضوع البقاء على قيد الحياة، ورمي اليأس من الجسد جانباً رغم الكرب الذي تعيشه.
العرض الثالث في مهرجان رام الله للرقص المعاصر 2018، وتنظمه سرية رام الله الأولى، "اعطني سبباً للعيش"، عمل راقص مدمر ومحبط ومؤلم، وفي الوقت نفسه حالم ومفعم بالأمل ومليء بالفرح .. إنه عبارة عن رحلة نضالية لفنانة ملهمة على خشبة المسرح، فالمعركة ضد الموت تتحول هنا إلى نصر، ولو كان هشاً كجسدها.
amm