الرئيسة/  ثقافة

خليل النعيمي .. عن فلسطين ومحمود درويش والكتابة وأشياء أخرى!

نشر بتاريخ: 2018-03-21 الساعة: 13:27

رام الله- الايام- في الثالث عشر من آذار الجاري، في ذكرى ميلاد الشاعر الرمز محمود درويش، كان الروائي السوري خليل النعيمي من بين الحاصلين على الجائزة التي تحمل اسمه، وفي المتحف الذي يحمل اسمه بمدينة رام الله. 
والنعيمي، وهو كاتب وروائي سوري وُلد في بادية الشام، عاش طفولته وصباه مترحلاً مع قبيلته في سهوب البادية السورية. 
درس الطب والفلسفة في دمشق، وفي باريس تخصص في الجراحة، ودرس الفلسفة المقارنة. 
يقيم في باريس منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، حيث يعمل طبيباً، وهو أيضاً عضو الجمعية الجراحية الفرنسية.
وجاء في بيان لجنة الجائزة: النعيمي مغرم بالمكان وسرد تفاصيله من خلال مجموعة من الأعمال السردية الروائية المهمة منها "الخلعاء" و"الرجل الذي يأكل نفسه" و"تفريغ الكائن" و"مديح الهرب" و"دمشق 77"، وله أيضاً مؤلفات في أدب الرحلة مثل "مخيلة الأمكنة" و"كتاب الهند"، وآخر رواياته هي رواية "قصاص الأثر"، وأنه منذ بداياته في سبعينيات القرن الماضي تذهلك رواياته المكتوبة بطعم الأرض وطعم الحياة في الشام بين التقلبات السياسية والاجتماعية المختلفة، كما أن النعيمي مجدد كبير في الشكل الأدبي منذ روايته القصيرة "الخلعاء" التي هي جملة واحدة، وطَموح في موضوعاته، تعطيه رحلاته في العالم إمكانية الإمساك بالمكان، فضلاً عن مقالاته الصحافية التي لا تتخلى عن الدفاع عن الحرية للشعب العربي والإنسان العربي، ولهذه الرحلة الجميلة العميقة في الفن والحياة رأت اللجنة أن تعطيه جائزة محمود درويش.

حلم يتحقق
وخاطب النعيمي جمهور المتحف، عقب تسلمه الجائزة: لم أكن أتصور أنني سأكون بينكم ذات يوم، وها أنا ذا أقف الآن فوق أرض فلسطين وأنتم تحيطون بي .. لقد علمنا التاريخ أن ما لا يتصوره الكائن هو الذي يتحقق غالباً، وهو ما يجعل وجودنا القاسي مليئاً بالأمل، وما هو الأمل إن لم يكن تحقيق ما لم نكن نجرؤ حتى على تخيله .. أخيراً أنا بين أهلي، بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الحرمان .. أن أكون محروماً من سورية أو فلسطين أي فرق .. فلسطين هي اليوم البلد الوحيد في العالم الذي لا يزال يكابد احتلالاً استيطانياً يقوم على تفريغ المكان من تاريخه، وعلى إزاحة كائناته واستبدالها، وهو ما يعد جريمة إنسانية بحق.
وأضاف النعيمي: هذا احتلال متوحش لم يعد له شبيه على سطح الكرة الأرضية، ولا يعرف له التاريخ المعاصر مثيلاً، لكن مقاومة الفلسطينيين الشجاعة والمستمرة، وبرغم كل الظروف المناهضة لها، ستحقق ذات يوم ما لا نجرؤ الآن على تصوره، خاصة في هذا الوضع المأساوي المرعب، وضع العالم العربي لا فلسطين وحدها، حيث الدمار والتفتت يكتسح بلدان من أخشى أن يصيروا هنود الشرق، أقصد العرب المستضعفين مع أنهم يملكون أكبر طاقة على سطح البسيطة وأجمل بقعة فيها.
وتساءل: في مثل هذه الظروف، ما هو دور الأدب وحدوده وما هي جدواه؟ .. للأدب كما أعتقد، بخاصة في مثل هذه الحال، دور كبير في خلق وعي مقاوم للاستسلام، وفي تغيير مصائر الكائنات وتجديد آمالها، فالأدب الذي يحمل التصور الشخصي للمبدع تجاه العالم ليس حيادياً حتى في أشد حالاته خصوصية، إنه موقف وسلوك، وهو من هذا المنظور لا يعني المبدع وحده، وإنما الوسط الذي يبدع فيه قبل أي شيء، وأفضل مثال لدينا في هذا الشأن ما أبدعه محمود درويش شعراً ونثراً.
وأكد النعيمي: محمود درويش خير ملهم لنا في هذه الحقبة السوداء من تاريخنا، هو الذي حقق تطوراً جذرياً في حياته وفي إبداعه، جسّده أولاً بسفره المخطط له بوعي كما أتصور، وما تلاه من تحولات في لغته وفي تصوره للوجود وللعالم، وفيما بعد في الأماكن التي عاش فيها شرقاً وغرباً، تمخض ذلك التطور عن إنجاز أدبي عملاق ذي قيمة فنية عالية، وفيما يعنيني أحب التطور الذي يغيّر مصير الكائن، مهما كان قاسياً، وبالخصوص إذا استطاع أن يحرره من وضع لم يعد يلائمه، وأن يخلصه من التردد، وأتصور أن هذا كان حال محمود درويش.
وأشار الروائي السوري إلى أن "العالم العربي اليوم بحاجة أساسية إلى لغة حية متطورة تحميه من الفناء"، مشدداً على أن "اللغة العربية هي مستقبل العالم العربي بشرط أن نعتني بها ونثريها، فالشعوب لا تدافع عن نفسها بالسلاح فقط، وإنما بالإبداع الحر أيضاً"، مؤكداً أنه بات "على الأدب العربي، الذي هو ضمير الشعوب بالمعنى المعرفي، أن يدافع عن ماهيته وفضائه بأسلوبه الخاص، وليس ذلك سهلاً، ولكن لا بد منها".
وختم النعيمي: وقع خطواتي القليلة فوق أرض فلسطين هو صدى حياتي كلها .. أيشرح لكم ذلك مدى الرهبة التي أحسّ بها، وأنا أتكلم أمامكم أنتم أهل الأرض وحرّاسها؟ .. كل ما قلته لكم يحرجني لأنه جزء مني، لكنني أحسّ أن عليّ أن أقوله، وأن أقوله بهذا الشكل ... الصمت ليس حلاً لأنه سكون، والسكون لا أثر له في التاريخ، وهو ما يعيدنا إلى الحركة، والحركة حكاية، والحكاية تاريخ وإبداع، وهكذا نصل مرّة أخرى إلى الأدب الفعال كما هو حال أدب محمود درويش، الذي يمكن أن يدفعنا إلى إعادة النظر في كل شيء.

في اليوم التالي
وفي اليوم التالي لتوزيع الجائزة، تحدث النعيمي في أمسية استضافه فيها المتحف حول العديد من الأمور، من بينها الكتابة التي قاله إنها "تثير إحساس الكائن بالمحيط الذي يعيشه، وغالباً الكتابة الجيدة تاريخياً هي تلك التي تلاحق واقع العيش اليومي، والتي تحاول أن تذهب إلى ما هو أبعد من المرئي .. صحيح أن الكاتب قد يكتب ذاته أو ما يعيشه، لكننا نصنع من الخامة نفسها ثوباً مغايراً بتغيير القماش والقصة وما إلى ذلك، ولولا ذلك لوقع الكاتب فيما يمكن تسميته بالدرجة صفر في الكتابة، وهنا تأتي أهمية الإبداع بالابتعاد عما هو أبعد من ماهية الأعمال التي نقوم بها كل يوم".
وقال النعيمي في موضع آخر: نحن عندما نكبر ونتطور ونتعلم نختزل كثيراً من الذكريات، وكثيراً من المعارف، وكثيراً من الأحاسيس، وهنا تأتي الكتابة كنوع من الحفر المعرفي في أعماق التاريخ الشخصي، والمشكلة تبقى في الكيفية التي ينجز فيها المبدع روائياً أو شاعراً أو فناناً ما يشعر به، وكيف يعالج هذا الإنتاج، ولماذا يشده هذا الإحساس بالذات وليس إحساساً آخر، ويقترب من هذه النقطة دون غيرها، وهذه مسائل تتعلق في تفكيك مفهوم الكتابة، لكن بكل الأحوال، الإبداع لا يمكن أن يقوم على السذاجة، ولا على البساطة، وليس مرهوناً بالصدق أو الإخلاص، فالكتابة هي نوع من التشويه الجميل لما نعرف ولما عشناه، ولكن هذا لا يعني التزييف أيضاً .. البحث عن المصدر الأول أساسي، لكن حين تبدع عليك أن تبحث عن كل المصوغات والمعارف التي أقمت عليها وجودك.
وتحدث النعيمي في الأمسية التي أدارها محمد السمهوري، عن أدب الرحلات، والجوائز، والربط ما بين دقة الكتابة والجراحة، والأوضاع السياسية في سورية، وغيرها من المحاور.

amm
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024