عن البوكر العربية والحضور الفلسطيني الكبير
نشر بتاريخ: 2018-02-26 الساعة: 11:21رام الله-وفا-انعكس حضور فلسطين القوي في المراحل النهائية لجائزة البوكر العربية للرواية، التي تمنحها سنويا مؤسسة جائزة البوكر العالمية في لندن، على المشهد الثقافي الفلسطيني برمته، ودفع العديد من الأقلام والصحف والمواقع والحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، للتفاعل والإشادة، واضافة ملاحظات نقدية.
رغم أن هذه الجائزة، تُشعل في كل عام حروبا ونزاعات ثقافية في الأقطار العربية، بين المتابعين والمهتمين والمثقفين، وبين من يجدها صرحا ثقافيا ضخما، وبين من يرونها تُهمش روايات خُلقت لتنافس وتنتصر، وكذلك بين من يجدها في قمة الشفافية والمهنية، ومن يُشككون ويأكدون عدم نزاهتها في الاختيار وفي سوء ذائقة المحكمين، وتتلقى في كل عام حصة لا بأس بها من النقد والتجاهل، إلا أنها تظل الجائزة العربية الكبرى، ومنبرا يطمح الجميع للوصول إليه.
هذا العام كان لفلسطين حصة كبيرة في المشاركة، بعد أن وصلت أربع روايات (من أصل 16) إلى القائمة الطويلة، وروايتان (من 6) إلى القائمة القصيرة، بانتظار اعلان اسم الرواية الفائزة في 24 نيسان المقبل في أبو ظبي بالإمارات.
الروائي والكاتب ربعي المدهون، قال من المدهش وصول أربع روايات لفلسطينيين إلى القائمة الطويلة للبوكر العام الحالي، ومن ثمّ وصعود اثنتان إلى القائمة القصيرة، هما "حرب الكلب الثانية" لإبراهيم نصر الله، و"وارث الشواهد" لوليد الشرفا.
وأضاف: في هذا قليل من المفاجأة وكثير من الفرح، حيث بدأت مؤشرات تقدم الرواية الفلسطينية واحتلالها مواقع متميزة في سياق النتاج العربي - إذا اعتمدنا الجائزة نفسها معيارا –، ففي عام 2008، وصلت رواية "زمن الخيول البيضاء" لنصر الله إلى القائمة القصيرة للجائزة، تلاه صعود روايتي "السيدة من تل أبيب" إلى القائمة نفسها عام 2010، ثم رواية عاطف أبو سيف "حياة معلقة" عام 2015.
وتابع: جاء عام 2016 ليشكل علامة فارقة في تاريخ الرواية الفلسطينية استحق أن يطلق عليه فلسطينيا وعربيا: "عام الرواية الفلسطينية"، إذ وصلت الى القائمة الطويلة للبوكر ثلاث روايات، صعد منها روايتان إلى القائمة القصيرة هما "مديح لنساء العائلة" لمحمود شقير، وروايتي "مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة"، التي كانت أول رواية فلسطينية تنال جائزة البوكر العربية (يضاف إلى هذا فوز كل من ابراهيم نصر الله بروايته "أرواح كليمنجارو"، ويحيى يخلف بـ"راكب الريح" بجائزة كتارا). ولهذا كله دلالة مهمة، تتمثل في تجاوز الرواية الفلسطينية والروائيين الفلسطينيين، الركود النوعي، الذي أعقبت سبعينات القرن الماضي، واستمر إلى بداية القرن، وخروج الروائيين عن النمط الذي ساد السبعينات-إذا استثنينا أعمال جبرا وكنفاني وحبيبي- إلى آفاق أرحب بتسليط الضوء على البعد الانساني للقضية الفلسطينية، وتقديمها بطريقة جديدة مختلفة واكبت مسار الحداثة في العالم وما بعد الحداثة.
الروائي أكرم مسلم، قال: في البداية يجب ان نلتفت لزخم الإنتاج الروائي، إذ لا يمر شهر ولا يلفتنا عنوان جديد فلسطينيا، وهذا جزء من حالة عربية، ربما نجد أسباب ذلك في تركيز الجوائز المجدية على الرواية أكثر من الشعر، وهذا أيضا جزء من "انتصار" الرواية على غيرها عالميا، وربما نجد السبب في تفكك السردية الجماعية والبحث عن خلاص ما في الرواية الأدبية الشخصية، وربما نقول إن زخم الرواية تعبير عن تغيير ما في بنية المجتمع العربي.
وأضاف: بناء على ما سبق، فلسطين في قلب هذا الإنتاج وهذا التغيير، ومن الطبيعي أن تكون لها "حصتها" من المشهد ومن جوائزه، عبر أصوات مكرّسة وأخرى جديدة ومثيرة للاهتمام تبحث عن صوتها وتراكم خصوصيتها. حضور فلسطين تميز هذا العام، ومرّت أعوام كانت فيها فلسطين غائبة أو شبه غائبة، حضور فلسطين الجدير فنيّا كحكاية صاحبة قضية إنسانية مهم ومفرح بكل تأكيد.
وتابع: رغم ذلك لدي محاذير، الاول: أن الجوائز عموما "ظروفها"، تعطي إشارات، وتضيء على تجارب، لكنها مثل كل شيء، تمتلك أكثر من حدّ، فالسكين التي تقطع الفاكهة لا توفر الإصبع إذا انزلق تحتها. المهم- ككتاب وكمتلقين- دعونا نستنشق العطر، دون أن نتجرعه.
وثانيا، حضور فلسطين في الثقافة العربية عميق وبنيوي وغير طارئ، يجب أن ننتبه دائما إلى عدم الإسراف في فلسطنة فوزنا، فالعمل الفلسطيني الفائز هو امتداد للمنتج العربي، واضافة له، يتنفس من رئته، ويتحقق في بيئته.
الروائي والصحفي أنور حامد، رأى أن وصول روائيين فلسطينيين إلى القائمة القصيرة للبوكر هو استمرار للحضور الفلسطيني المميز المستمر منذ سنوات في الجوائز الأدبية العربية، وهو مؤشر لقوة حضور السرد الفلسطيني في المشهد العربي.
وقال: طبعا هناك جدل دائم حول قائمة البوكر بعد إعلانها كل مرة، على مستوى القراء والصحافة الثقافية ووسائل التواصل الاجتماعي: روايات تستحق وروايات لا تستحق، ولماذا فازت هذه ولم تفز تلك؟. وهل هذه الروايات أفضل الروايات العربية؟.
وأضاف: الحقيقة ليست هناك مشروعية نقدية لأسئلة كهذه، فمن أساسيات القضية أن ليس هناك مقياس مدرج لقياس أي الروايات أفضل بقليل أو أقل جودة بقليل. من جهة أخرى "اللي بالقدر بتطلعه المغرفة" كما يقولون. قد يكون هناك كاتب في جنوب مصر أو غرب تونس كتب رواية رائعة ولم يقدمها ناشره للجائزة، وهي قد تكون أفضل من كل الروايات الفائزة بأي جائزة، لكنها لم تتنافس على تلك الجوائز.
كذلك، ضمن الروايات المتنافسة: هناك مستوى تصعب المفاضلة فوقه. تابعت قوائم البوكر منذ انطلاقها، في بعض السنوات كانت هناك رواية متميزة بشكل واضح عن البقية، ولم يحدث هذا في كل السنوات. في سنوات أخرى كانت روايات القائمة متقاربة في المستوى، وبالتالي اختيار إحداها دون الأخرى سيخضع لذائقة فردية تختلف من عضو لجنة لآخر ومن لجنة لأخرى، فما بالك من قارئ إلى آخر على مستوى العالم العربي.
khl