"علي:حكاية رجل مستقيم" لحسين ياسين .. فلسطين عبر سيرة متخيلة لرجل من الأرشيف
نشر بتاريخ: 2018-01-30 الساعة: 12:13يستهل الروائي الفلسطيني حسين ياسين، روايته الجديدة "علي: حكاية رجل مستقيم"، الصادرة عن "الرعاة للدراسات والنشر" في رام الله، وتنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2018 بوصولها إلى القائمة الطويلة، بمشهد صعود الشخصية المحورية للرواية (علي) إلى الباخرة، وإبحارها باتجاه إسبانيا على عدة محطات، للمحاربة في صفوف مناهضي الدكتاتور فرانكو هناك، في ثلاثينيات القرن الماضي .. "أصعد على سلم السفينة، في طريقي إلى إسبانيا. لم تلوّح لي أيدي جموع المودعين، ولا شهقة الأحبة، ولا لهفة الأهل! .. أتطوع للحرب الأممية في إسبانيا، فلا يظنن أحد أنني أفعل ذلك هرباً من النضال القاسي الذي يخوضه شعبي الآن. إسبانيا، اليوم، مكان ندق فيه أوتاد خيمتنا في بحثنا عن مستقبل أفضل، وهي ملتقى أحرار العالم. هنا تجمّع خيرة أبناء الإنسانية المناضلة ضد: الفاشية، والنازية، وموبقات الرأسمالية".
وعلى ظهر السفينة، حيث من المقرر أن يستمر السفر لأسابيع، يستعيد علي طفولته، وصباه، وشبابه، بين حيفا وعكا ويافا والقدس التي عمل فيها خبّازاً، وأحب سنيّ حياته فيها، بعد أن رحل عن قريته، هو الطفل الشقي للغاية، حتى أن أهالي القرية المتخيلة "باب الثنايا"، وحيواناتها كانت تشتكي تصرفاته، هو الذي كان يرعى خراف خاله، الذي تكفل بتربيته بعد مقتل والده وتزويج أمه مقابل أرضها وابنها، دون أن يتجاهل حبيبته وردة فترة صباه، وهي ابنة الشهيد يوسف، الذي يكتشف بطولاته حين يسجن إثر سرقته لحصان قائد عسكري بريطاني كان في زيارة لمختار القرية، فتبدأ تتولد لديه دوافع نضالية ما في "عهد الولدنة"، حيث نضج الولد بعد ليلة في السجن مع المناضلين، فخرج المارد الثائر من داخله ... يقف على سطح السفينة، و"عسل الذكريات يسيل".
أعجب سعدي وقيادة الحزب الشيوعي بمقارعته للاحتلال الإنكليزي، وببنيته الجسدية، فطلبوا منه الانتقال إلى القدس، ليعمل خبازاً في الظاهر، ويقوم بأعمال نضالية كتوزيع المناشير وغيرها سرّاً، ومع الوقت بدأ يشارك في اجتماعات الحزب السرية أيضاً، ولكنه لم يكن ليدرك ويهضم فكرة تواجد يهود داخل الحزب الشيوعي، على اعتبار أن اليهود "أعداؤنا"، خاصة أن غالبية الاجتماعات ليست بالعربية، وكانت "سمحا" هي من تقوم بالترجمة للغة علي ومنظميه، إلا أن الهدف المشترك للعرب واليهود كان حينها "طرد المستعمر الإنكليزي، وبناء المجتمع الاشتراكي".
واصل علي رحلته مع الحزب، الذي عانى من انشقاق كبير في صفوفه بين العرب واليهود، إثر ثورة البراق، والتي اندلعت بينما كان يدرس في موسكو بترشيح من الحزب، إلا أنه لم يكمل دراسته هناك بينما الأحداث تتصاعد وتتأجج والدماء تسيل بغزارة في القدس، فعاد يحمل روحه على كفه في رحلة عودة صعبة شعارها "تهريب تلو الآخر".
"حديث الناس ثورة البراق وضحايا بلا عدد. سجون تغص بالثوار. قطيعة تامة بين عرب ويهود. عداء شديد بين العرب واليهود. المدينة مقسمة بين العرب واليهود. سيد البلاد، عدو البلاد! .. يحكم قبضته القاسية على البلاد".
التقى بزميلة في توزيع المناشير "سمحا" ذات الأصول اليمنية، والتي هربت مع والدتها على ظهر جمل سار في الصحراء لأسابيع حتى وصل صحراء النقب، بعد مقتل والدها، هي التي انضمت لصفوف الشيوعيين، والتي يوحي الروائي بأنها يهودية يمنية لكونها كانت تترجم من العبرية إلى العربية، فكانت هي دليله لما فاته من أحداث وتطورات داخل الحزب وخارجه، هي التي قالت: ما حدث يوم الرابع والعشرين من شهر آب كان مفاجأة كبيرة للحزب. لم نحسب لها حساباً، ولم نستعد لمواجهتها. بالنسبة للرفاق العرب، كان "هبة البراق المباركة".
بالنسبة للرفاق اليهود، كان "يوم بيغروم".. روايتان مختلفتان لحدث واحد! نهجان متضادان لحزب واحد! .. معظم الرفاق العرب انضموا إلى صفوف الثوار، دون قرار حزبي .. الرفاق اليهود قدموا سلاحهم، وأصبحوا جزءاً من قوة "الييشوف" العسكرية، أيضاً دون قرار حزبي.. أصبح الحزب حزبين ... وتعود الأمور إلى الغليان في 17 حزيران 1930 حيث يعدم عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي، من بين 27 كان حكم عليهم بالإعدام لمشاركتهم في الثورة من قبل البريطانيين، وخفضت أحكام 24 منهم، إلا الثلاثة هؤلاء، وكان علي ممن سجنوا في تلك الفترة لشهر، ثم خرج، ثم قضى فترة أخرى داخله، وهكذا.
سجناء الرأي كانوا يحتفظون بملابسهم المدنية، وكان علي أحدهم، وكان يحق لهم امتلاك الكتب، إلا أن السلطات البريطانية ألغت هذه الامتيازات، فأعلن الإضراب عن الطعام، وبعد أن رفض لباس السجناء الجنائيين مزق السجانون ملابسه الخارجية فنزع عن نفسه كامل ملابسه احتجاجاً، ورفض "الزي البني" .. بقي على هذه الحالة تسعة عشر يوماً، حتى كاد يفارق الحياة، وهنا عرض عليه البريطانيون مغادرة فلسطين إلى إسبانيا مقابل وقف الإضراب والتعري، فاستشار قادة الحزب الذين أيدوا الفكرة، بعد أن قضى كامل هذه المدة متربعاً على المصطبة في جو شديد البرودة حتى انتصر، وهنا حطت قدماه على الباخرة، المتجهة إلى إسبانيا، التي يحارب فيها بعد أن يصلها رفقة اليافع "فوزي النابلسي"، الذي تعرف إليه على ظهر السفينة، حتى يقتل ويدفن فيها.
وأثناء العودة ذاتها، مر بقرية "عين نجمة" المتخيلة، وتذكر أنه قيل له ذات مرة إن والدته تزوجت وتقيم فيها، فتعرف إلى والدته وعرفها بنفسه، وقضى معاها أياما قليلة، هي التي يشاع عنها في قرية بأنها "عاقر، لكنها تصر على تسمية نفسها بأم علي"، في حين يناديها أهل القرية بـ"أم علي فالصو" .. توجه بعد لقائه الحميم بوالدته إلى القدس.
حسين ياسين تحدث عن مشروعه الروائي الذي سماه "مسلسل الفقد الفلسطيني"، فكتب "ضحى" عن القرية الفلسطينية قرب التهجير، أما "علي" صاحب المركز البارز في الحزب الشيوعي في أوائل القرن العشرين، فأعالج من خلاله الوضع الفلسطيني خلال حقبة زمنية تراوحت ما بين هبة أو ثورة البراق العام 1929 وما بين مقتله في آذار 1938، وهي فترة "عصيبة جداً في تاريخنا الفلسطيني، كتب عنها كثيراً، لكني حصرت مشاركتي في العلاقة ما بين الحزب الشيوعي الفلسطيني عرباً ويهوداً، وعلاقة الاثنين مع الحركة الوطنية الفلسطينية، ومع الحركة الصهيونية .. العلاقة الرفاقية كيف تأثرت بين هاتين الحركتين، وهو موضوع لم يسبق التطرق إليه".
وشدد ياسين على أن كتاباته كلها، في المحصلة النهائية تصب باتجاه "القضية الفلسطينية، وخصوصاً ما يتعلق بالذاكرة والفقد"، وفي ردود الفعل على رواية "علي: حكاية رجل مستقيم" في أغلبها كانت مستهجنة من أنه في ثلاثينيات القرن الماضي كان هناك فلسطينيون حاربوا إلى جانب الجمهوريين في إسبانيا".
ووصف ياسين كلا من "علي" و"فوزي" ورفاقهما بالأبطال، وهم خمسة من العرب الفلسطينيين، وسبعة من الأرمن الفلسطينيين، أي اثني عشر فلسطينياً، إلى جانب سوري ولبناني وعراقي، لافتاً إلى أن العمل على الرواية استغرق خمس سنوات تجول خلالها بين عدة أرشيفات في كثير من الدول بينها إسبانيا وروسيا وغيرهما .. هؤلاء "الأبطال" قادتهم مبادئهم لأن يتركوا وطنهم فلسطين ليحاربوا على الجبهة العالية، فعلي يقول: "لم يهتز جسدي إلا للنضال .. أينما كان النضال كنت أنا".
amm