الرئيسة/  ثقافة

الأبنوسة الشقراء

نشر بتاريخ: 2017-12-27 الساعة: 10:09

رام الله- الحياة الجديدة- في كل يوم وفي الطريق إلى رام الله أمر عبر قرية النبي صالح ذهابآ وإيابا تلك القرية الجاثمة على تلة مرتفعة شمال غرب رام الله يداعبها الهواء الجبلي بين أشجار الزيتون المنتشرة، ولأن الإحتلال أقام بوابة وبرج فهو يتحكم في دخولنا وخروجنا متى وكيفما شاء منذ الإنتفاضة الثانية ونحن على هذا المنوال.

قبل ما يربوا على عشر سنوات قرر أهالي النبي صالح تحويل بلدتهم إلى نقطة مواجهه مع الاحتلال والإستيطان بسبب سياسات الاحتلال ومصادرته لأراضي القرية لصالح مستعمرة ( حلميش ) المقامة على أراضي القرية.

منذ ذلك الحين لم يعد الهواء الجبلي العليل يداعب أشجار الزيتون والوجوه وحده فقد غطى على المشهد دخان أبيض يقذفة جنود الإحتلال بقنابل مسيلة للدموع ناهيك عن رش المياه العادمة ذات الروائح الكريهة.

وفي الطرف الأخر المواجه للجنود ثمة فتية ينتشرون ويلوحون بمقاليعهم وحجارتهم فذلك هو السلاح الثقيل اللذي يملكون.

في أبريل 2012 كنت قد التقيت الأخ ناجي التميمي ضمن برنامج إذاعي بالتعاون مع مركز الديوان للثقافة والتراث، وقتها كان الحوار يدور عن أشكال النضال بعد عسكرة الإنتفاضة الثانية وعن معنى التضامن الدولي في المقاومة الشعبية لمناهضة الجدار والإستيطان.

وفي الطريق إلى رام الله لم يعد أبناء النبي صالح وحدهم في أزقتها، بل هناك أوروبيون وأستراليون وأميركان المتضامنون باتوا جزء من المشهد الإعتيادي لحظة المرور بالقرية.

عهد تلك الأبنوسة الفلسطينية الشقراء ترعرعت في هكذا زمان لفحها هواء الجبال وكذا قنابل غاز الإحتلال فباتت ثقافة مقارعة المحتل سلوك يومي تعاشره في تفاصيل حياة أسرتها وقريتها.

ليس الدخان الأبيض المنبعث من قنابل الغاز وحده ما غير من الصورة النمطية للقرية بل حالة الإشتباك اليومية مع جنود الإحتلال.

ثمة جيل نما بين حقول الزيتون وبيده حجارة لم يستأذن طريقه من أحد يعرف هذا الجيل جيدآ متى وكيف يصوغ معادلته في معاشرة الفعل النضالي وبات له أسلوبه الخاص وقواعده كذلك.

قبل ما يزيد عن ثلاث أعوام تصاعدت الهبة الشعبية في الأراضي الفلسطينية، يومها صعد هذا الجيل إلى السطح ويصدف حينها أن التقي بعهد التميمي مع أخيها محمد وفرح كانت مقلة في الكلام تحدق متفرسة بكل ما حولها.

وقد أذهب بالرأي مع الكاتب الأردني عبد الهادي راجي المجالي إذ يقول

( عهد التميمي..لم تقاوم بيدها الحانية , بل باللهجة الفلسطينية قاتلت أيضا فقد كانت تقول للجندي:- (انكلع من هون)..هي من جيل جديد الأصل أن تختفي تلك اللهجة لديه )

طالما إعتقد اليهود في سفر يوشع إذا ما نفخوا بالأبواق سيهدمون أسوار أريحا واليوم ثمة جيل كنعاني الجذور في التلال وساحل البحر يعرف أن إرادته ستفتح أبواب القدس، وتلك

تماما مثل المقدسية ملاك الخطيب والتي شرفني لقائها كذلك الأمر، تلك الطفلة التي غدت أصغر أسيرة على الكرة الأرضية ولقت من التضامن الدولي نصيبها.

عهد أبنوسة بصلابة عودها وعمق جذورها في الأرض لها جدائل الكنعانيات وضفائرهن، وليس لنا عليها حق المديح ولا التعاطف ولا حتى التضامن لعهد ما لعهد تعرفه وتدركه قبل ان تتحول لأيقونة للنضال، لعهد لا تنفع الكلمات ولا معلقات الغزل أو المديح أو نص جديد في الخطابة، فلعهد نصيحة والدها ( إبتسمي وإفردي شعرك فأنت بطلة وحاملة الراية )، نعم فثمة حكمة تقول ؛_ فليسموا الياسمين بما شاؤوا من الأسماء فإن ذلك لن يفقده شيئ من عطره.

amm
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024