الكونفدرالية .. ومعارك العقول الذكية
نشر بتاريخ: 2018-09-04 الساعة: 08:03موفق مطر لا تنتصر الارادات الا بالأقوياء الأصحاء، ولاينتصر الأقوياء الأصحاء إلا بالشجاعة، لكن ليس بمقدور الشجاعة الانتصار بدون عقلانية وحكمة ؟! فالعقل المدبر يوظف كل ماسبق بصبر وثبات وعمل متقن، وهو الذي يستخلص العبر ويمتلك القدرة العقلية على التعامل مع اي مشكلة أو حدث مستجد، مايعني ايجاد الحلول المناسبة ونظم سبل المعالجة فورا رغم تعقيدات المشكلة التي قد تكون بحجم قضية.
يعرف الذكاء على أنه التعامل مع الظروف والوقائع وفق متطلبات التأقلم مع المحيط، وتطويع الموجود والممكن وتوظيفه للوصول إلى ابداع حل لمشكلة ما بالتفكير او النشاط الحركي البدني، أما المشكلة فهي التحدي المانع بين الإنسان وطموحاته وتصوراته ومتطلبات حياته، لذا فان الاغريق اعتبروا البارع فيما يفعله والعقلاني في تفكيره ذكيا.
لايطلق وصف القائد على شخص إن لم تتوفر المجسمات العملية والنظرية الدالة على أفكاره، وتوجهاته، وخططه، وقدرته على ابداع الحلول الضامنة لاستمرار حيوات من منحوه الثقة، وسلموه الزمام لقيادة الجمهور الى الأمان والاستقرار والتقدم والازدهار والسلام، وفي حالتنا الفلسطينية مثلا نضيف على ماتقدم الحرية والاستقلال.
يفكر القائد دائما بابداع حلول جديدة غير مسبوقة، أوربما طرحت في ظروف لم تكن ملائمة، فيتم بعثها ، وتصويبها لتتناسب مع الواقع، والقائد الناجح لايفكر ابداً بإعدام وافناء الخيارات أيا كان موقعها على درجات سلم الأولويات للشعب.
لماذا الكونفدرالية الآن؟! اي الاتحاد بين دولة فلسطين والمملكة الاردنية الهاشمية ولماذا احياء هذا الخيار الذي طرح في العام 1984 اثناء الحوارات والاجتماعات مع الأشقاء الاردنيين ووافق عليه القائد ياسر عرفات ابو عمار ، وتحمل الرمي بالنوايا السيئة الى أن اقنع رفاق خندق وكفاح ونضال بالفارق بين الكونفدرالية والفيدرالية، ولعلي شاهد على الاجتماع المزدحم بكوادر وقيادات منظمة التحرير وحركة فتح في منطقة حمام الشط في ضواحي العاصمة تونس، وهو يشرح للمتعجلين في اصدار احكامهم على خططه لتنفيذ وعده بالذهاب الى فلسطين بعد الخروج من بيروت، فهو لم ينس اجابته على سؤال اثناء مغادرته ميناء بيروت بعد معركة خالدة مشرفة في تاريخ الأمة استمرت حوالي ثلاثة شهور في العام 1982 ، حينها ساله الصحفي :" الى اين يا ابوعمار "فأجاب حرفيا : "الى فلسطين" ، فان نسي البعض فان القائد لاينسى ، ويفكر ويعمل على فتح اي طريق ممكن الى فلسطين الحرة ، فلسطين الدولة، حتى لو ظن البعض بانسداد كل الدروب اليها.
أما الآن وبعد ابداع الرئيس محمود عباس ابو مازن السياسي، بتثبيت دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على الخارطة السياسية العالمية، وتجذير مكانتها القانونية، عبر اعتراف اممي بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 حسب القرار الدولي 19/67 حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها السابع والستين في 29 نوفمبر 2012 بالموافقة على منح فلسطين صفة دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة.وماتبعها من انجازات في الانضمام لمنظمات اممية دولية ، عملت دولة الاحتلال اسرائيل بكل قوتها بمساندة النفوذ الأميركي لمنع استرداد فلسطين مكانتها الطبيعية في هذه المنظمات.
الآن تواجه القضية الفلسطينية خطر مؤامرة ثلاثية : ( دولة الاحتلال العنصري الاستعماري اسرائيل – وادارة الرئيس الأميركي المستكبر دونالد ترامب – والقيادة الدولية لجماعة الاخوان المسلمين ) ومخاطر تداعيات الفوضى الخلاقة في دول عربية ادت بفعل (المؤامرة المثلثة الأضلاع ) الى اختلال واضح في مركزية القضية الفلسطينية للشعوب العربية وحكوماتها ، فيما على الجانب الآخر والموازي تنفذ دولة الاحتلال مخططاتها لتهويد القدس ومقدساتها ، رغم مكانتها كأهم رمز عربي وديني وانساني .
تضر الخطابات الشعبوية الآن ، لكن تعبئة الجماهير وتنظيمها وحشدها ، وتوضيح مهام كل فرد وكل شريحة ينفع ، وتهدم الشخصية العبثية العدمية ، مابنته الشخصية العقلانية ، وتهدد بتخريب ما انجزه المفكرون والمناضلون السياسيون والمثقفون ، وما رسخه رجال الاقتصاد والاجتماع ، ولايفيد في هذه اللحظة التاريخية الا الارتقاء الى سدة الأمانة ، واحترام العقل الفردي والجامع للجماهير ، تقديم المعرفة على حقيقتها ، أما المزيفة فإنها سترتد حتما الى صدر الكذابين !.. وعليه فان
الاتحاد الكونفدرالي هو : - اتحاد تعاهدي وقتي وبمصالح مشتركة بين دولتين أو أكثر.. لكل دولة سيادتها ودستورها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية الخاصة وعلمها وعملتها وعاصمتها وتمثيلها الخارجي ، وهذا بالنسبة لنا قابل للتنفيذ عندما يتجسد استقلالنا الوطني بدولة ذات سيادة وعاصمتها القدس ، دولة تمتلك مقومات السيادة ورموزها .ويعني لنا ايضا ان الطريق نحو الكونفدرالية يمر عبر الدولة الفلسطينية المستقلة ، وغير ذلك فهو مجرد حديث مع طواحين الهواء .
ما يجب ان يعلمه الجمهور الفلسطيني ان معركتنا مع المشروع الاستعماري الاحلالي العنصري الصهيوني ليست معركة ارادات وحقوق وحسب ، بل معركة عقول وذكاء ايضا ، ويجب ألا ننسى ان قتلة اسحاق رابين ما اقدموا على جريمتهم لولا ادراكهم لرجحان كفة ميزان الذكاء لصالحنا ..فقرروا وضع الحد حتى ولو كان ثمن ذلك مخالفة قوانين وشرائع مجتمعهم، أي ان يكون القاتل يهودي والمقتول يهودي ايضا .
amm