حماس "تقاوم" من أجل حماس
نشر بتاريخ: 2024-11-04 الساعة: 12:33
باسم برهوم
قلة قليلة جدا ممن يعملون في السياسة وفي الإعلام لا يزالون يعتقدون أن حماس تقاوم من أجل تحقيق أهداف وطنية، أو حتى من أجل سكان قطاع غزة، بما في ذلك تحقيق هدف انسحاب جيش الاحتلال من القطاع، فهي، أي حماس قبل غيرها تدرك أنها لا تستطيع فرض هذا الهدف من خلال الميدان.
وقبل السياسيين والإعلاميين فإن أكثر من يعلم أن حماس تقاوم من أجل حماس، هم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية دموية ودمرت كل مقدرات حياته، وحماس لا تقدم لهم الحماية أو حتى لقمة العيش. فالفلسطينيون هناك يلاحظون بالملموس أن حماس ونتنياهو لهم مصلحة بإطالة أمد الحرب كل من زاوية مصالحه المباشرة، حماس تعتقد أنها بإطالة الحرب، قد يحدث أي تغير يضمن لها مقعدا في اليوم التالي للحرب، وتحتفظ بسيطرتها على القطاع.
والسؤال الحكم هو: من منا لا يريد إنهاء حرب الإبادة المتوحشة فورا ودون أي تأخير؟ الجواب الجميع يريد ذلك الجميع ويصر على وقف الحرب، ولكن هناك طرفان، الأول نتتياهو، فهذا المتهم بالفساد لا يريد وقف الحرب ليس من زاوية مصلحتة شخصية وحسب، وإنما من كون هدف اليمين المتطرف، ونتنياهو في مقدمتهم يعملون على منع وجود دولة فلسطينية، وأكثر من ذلك تدمير الكيانية السياسية الوطنية الفلسطينية الممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وبموازاة ذلك محاولة تهجير الفلسطينيين وضم الأرض.
أما بالنسبة لحماس، فهي تواصل "المقاومة" دون أي اعتبار لما يحل بالمواطنين في غزة، وهي بالأساس لا تعتبر الدولة الفلسطينية المستقلة هدفا لها.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن حماس تحاول حتى آخر طلقة، المحافظة على وجودها، والبقاء متحكمة في القطاع أو بضع أمتار منه إن أمكن. هي متمسكة بكل رمزيات حكمها على حساب دمار القطاع، فلا زال هناك "الناطق باسم الحكومة" حكومة من؟ أليس هذا تمسكا بالانقلاب والانقسام؟
حماس ترى أن كل شيء، يباد ويدمر من حولها، ولكن حكومتها من المهم أن تظهر وكأنها تعمل وتصدر الإعلانات والبيانات، هي سرقت كل مؤسسات السلطة الوطنية وسيطرت عليها بقوة الانقلاب، سيطرت على الوزارات، الصحة ومستشفياتها، والتعليم ومدارسها، الداخلية والدفاع الوطني والشرطة، سلطة المياه، الأشغال العامة، كل المؤسسات.
حماس الإخوانية لا تعمل إلا في كونها بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، هي ظاهرة انشقاقية منذ تأسيسها، ولا تعتبر نفسها جزءا من الوطنية الفلسطينية، هي جزء من الأمة ولا تعترف بالدولة الوطنية، لذلك لا أهمية لدمار جزء ضئيل من جغرافيا الأمة، أو أن يباد مليون أو ثلاثة من مليار ونصف المليار مسلم.
هي، أي حماس، تقول إنها فرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، هي تتصرف كفرع من حالة كبيرة، فخسارة جزء أمر محزن ولكن ليس بالأمر الجلل. اما بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن حرب الإبادة الصهيونية وتدمير غزة هو كارثة ونكبة وطنية حقيقية، هو تهديد وجودي وخطر يمنع تحقيق هدف الحرية والاستقلال، بالنسبة للشعب الفلسطيني هي حرب إبادة له وليس كونه جزءا من شيء، وهنا يدرك المواطن الفلسطيني أينما وجد بأنه جزء من الـ 14 مليون فلسطيني، وأنه ينتمي لأرض مساحتها 27 ألف كيلو متر مربع يطلق عليها منذ أربعة آلاف سنة اسم فلسطين، وستبقى بالنسبة له فلسطين.
من المهم ونحن نحلل كيف تتعامل حماس مع الحرب، ومع المواطنين في قطاع غزة، وحتى مع القضية الفلسطينية برمتها، أن نعلم أيديولوجيا حماس كحركة إخوانية، جزء من جماعة تأسست أولا في مصر في نهاية عشرينيات القرن الماضي، أن نعلم كيف تفكر وأن كانت القضية الفلسطينية قضيتها أم هي قضية للاستخدام لتحقيق أهداف هي من وجهة نظرها أكثر أهمية للأمة. من اكتشف كل ذلك أكثر من أي طرف آخر والتجربة المرة الدموية، الشعب الفلسطيني في القطاع، الذي يباد ولا يرى حماس تكترث له إنما تكترث لحكمها واستمراره.
دوعنا نتابع سلسلة الحوارات الوطنية منذ انقلاب حماس في صيف العام 2007، ونسأل: ما هو العنصر الجوهري، أو الخط الأحمر الوحيد بالنسبة لحماس؟ هو الحفاظ والتمسك بسيطرتها وحكمها لقطاع غزة، حتى لو أدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية فلسطينية. ولمن يتابع سيلاحظ أن كل اقتراحات حماس كانت تنطلق من مقولة غزة لحماس والضفة نتشارك بها مع الآخرين.
حماس تقاوم من أجل حماس وكل مشروعها في خدمة الجماعة.. اسألوا أطفال غزة وبيت لاهيا وبيت حانون، ودير البلح والمواصي وخان يونس ورفح، ومخيم جباليا ومخيم الشاطئ، وأطفال عبسان الصغرى والكبرى. اسألوا كل المواطنين في القطاع هم وحدهم يدركون الحقيقة.
mat