الرئيسة/  ثقافة

رسمي أبو علي .. رواية المالحة لا تموت

نشر بتاريخ: 2020-01-12 الساعة: 13:49

رام الله-وفا-لم ينسَ رسمي أبو علي قبل رحيله في الثامن من كانون الثاني/ يناير الجاري، أن يسرد حكايته الشخصية في بلدته "المالحة" المهجرة (أربعة كيلومترات جنوب غرب القدس)، التي هي حكاية الكل الفلسطيني المهجر عام 1948.

الكاتب والاعلامي والمناضل في صفوف الثورة الفلسطينية، رسمي حسن محمد علي، المعروف بالأوساط الثقافية برسمي أبو علي، ولد في المالحة يوم 13-12-1937، وهجر منها مع عائلته إلى منطقة دير الكريزمان في بيت جالا القريبة، متنقلا بين منافٍ ومدن عدة: بيت لحم، وعمان، وبيروت، وهو شقيق مصطفى أبو علي أحد مؤسسي السينما الفلسطينية وسينما الثورة.

ولأن الحكاية للكل الفلسطيني، ولأن الرواية لا تموت، ولأنها تحفظ للأجيال اللاحقة كيف اقتلع الفلسطيني من أرضه بالذبح والنهب والتهجير، سجل أبو علي روايته خلال برنامج التاريخ الشفوي للنكبة الفلسطينية "فلسطين في الذاكرة"، عام 2007، حاوره خلاله فواز سلامة.

اسطورة سمعها من امه وجدته، انه كانت في وسط البلد عين ماء، وكان هناك خلاف عليها بين عائلتين، عائلة نزحت عن المكان وأخرى بقيت، فجاء أحد أبناء العائلة النازحة وصب كيس ملح في رأس النبع فاتخذت المياه مسارا آخر، والان لم تعد هناك عين ماء في وسط البلد، كانت هناك عين اسمها عين يالو وتبعد 3 كيلومترات عن البلد.

كان عدد سكان المالحة 4000 نسمة، المالحة القديمة كانت عبارة عن تل ثم وادٍ ثم تل آخر عليه بعض البيوت، كانت هناك تلتان يفصل بينهما واد، وهو عبارة عن الشارع الرئيسي للمالحة.

ولد أبو علي في بيت طيني أسفل شارع يمر في وادٍ يفصل تلين أقيمت عليهما "المالحة"، وكانت مياه الأمطار تفيض على البيوت الواقعة أسفل الشارع ومن ضمنها بيت والده، ما جعله يخشى الشتاء طيلة حياته.

متذكرا شوارع المالحة، لم تكن معبدة، وفي معظمها مرصوفة بالحصى الصغير والناعم، ومنها الطريق إلى مقام أبو الشعر، أحد الأمكنة الدينية في المالحة.

يقول ابو علي: عاشت عائلتنا في وسط البلد قرب المسجد، ثم سكنّا في منطقة المراحيل، التلة الجديدة في البلدة، وكان امتداد القرية شرقا يصل إلى ضاحية القطمون في القدس وبيت صفافا، وجنوبا قرية شرفات، وغربا قرية عين كارم، واشتركنا مع أقارب في كرم عنب بمنطقة اسمها الزرقية، وكانت لدينا حاكورة مشمش ولوز وخوخ.

ويضيف: مختار القرية اسمه عبد الفتاح درويش، وتعود أصوله إلى الولجة، كانت لديه أراضٍ شاسعة، وكان الوحيد في المالحة الذي يملك مركبة، أذكر لونها كان أسود، فيما كان الأهالي يستخدمون الدراجات الهوائية "البسكاليت" والدواب (الحمير والخيول) للتنقل.

ويتابع: كنا مجتمعا زراعيا، بعيدا عن المدينة وأجواء التحضر، وفي أحد الأيام جاء إلى القرية شخص اسمه جابر سعادة، وأحضر معه (جرامافون) وجلب اسطوانات لمغنٍ اسمه سلام الاغواني، عندما سمعنا الصوت من الجبل وهو كان يسكن في منطقة الوادي، ذهبنا بسرعة البرق لرؤية الجهاز الذي يصدر صوتا وموسيقى، لم يكن في القرية مذياع، وكانت الاضاءة تتم عبر الكاز.

بدأ الناس يعرفون الراديو والكهرباء والمركبات، كنا بحاجة لبضع سنوات حتى تصيبنا هذه العدوى من المدينة، النكبة لم تمهلنا لاستكمال الحياة الطبيعية.

ويقول: كانت المالحة تنقسم إلى عدة حمايل وحارتين: حارة البراجمة وحارة الفواقسة. وكان في وسط البلد مضافة، غرفة مستطيلة واسعة وفيها مساند بشكل بيضاوي، وعند المساء يجلس فيها الأهالي حسب المكانة الاجتماعية، والاطفال يجلسون على الباب اذا كانت مزدحمة خاصة بالشتاء، كانت اشبه بنادٍ لرجال القرية خاصة كبار السن، يلعبون السيجة ويدخنون.

ويضيف: تم انشاء النادي القروي (نادٍ رياضي وثقافي)، قبل أن نخرج بعامين 1946، قريب من مدرسة المالحة الثانوية. كان هناك أربعة شبان يدرسون في مدارس القدس أصبحوا مدرسين في مدرسة المالحة وأنشأوا النادي. وأذكر مباراة لنادي المالحة ضد نادي بيت صفافا، كنا نملك لاعبا موهوبا اسمه عطا، وكان النادي يقوم ببعض الأنشطة الثقافية كالمسرح.

وحول الحالة التعليمية بالمالحة، يقول أبو علي: جيل والدي كان كتاتيب الشيخ والكتاب يعلمونهم الحساب والقرآن، ثم أنشِئت مدرسة المالحة، واصبحت الثانوية، وبدأوا بالصف الأول الثانوي ولم تكتمل بسبب النكبة، وكان الطلبة يأتون من القرى المجاورة مثل بيت صفافا وشرفات لمدرستنا، وكان مديرها اسمه عبد الرؤوف حمزة، درست فيها أربع سنوات، ومن أساتذتي: محمود الأخرس، وموسى حواري، والأستاذ بركات وهو مدرس اللغة العربية.

ويضيف حول ذكرياته عن المدرسة: مبنى حديث في أطراف البلدة، زرعت حوله الورود، مكون من طابقين، ومساحته بحدود 300م *300م،  وكانت تنظم نشاطات رياضية ومسرحية، واشتركت في الصف الرابع، في مسرحية هاملت لشكسبير بإشراف استاذ اللغة عربية.

يتذكر أبو علي، أن في المالحة مسجدا ينسب لعمر بن الخطاب، قائلا: كان المسجد ملاصقا لبيت جدي، يقال إن عمر بن الخطاب عندما جاء الى القدس ليقدم الوثيقة العمرية مر من ذلك المكان وصلى هناك، يتسع لحوالي 400 رجل، كانت على بابه بئر، المسجد ما زال قائما تحول الى اسطبل واشياء أخرى. كم ضمت المالحة كنيسة وفي موقعها وجدت فسيفساء، وأذكر أن حوالي 10 أشخاص من بيت إلياس كانوا مسيحيين.

كان في المالحة مقامان دينيان، مقام أبو الشعر ومقام الزعبي. واحد منهما على طرف الشارع الرئيسي، مقام حجري بسيط، كانت بعض نساء القرية تشعل السراج بالزيت وتضعه فيه كتقرب لهذا الشخص المبروك الذي يسمى ابو الشعر.

وكان أهالي المالحة يشاركون في موسم النبي موسى، يحتشدون مع أهالي القرى المجاورة، ويمشون حاملين الرايات البيضاء والدفوف، سيرا على الأقدام إلى النبي موسى. وكانت الأعراس تمتاز بطول مدتها ويحضرها الجميع.

وكان في المالحة عدة دكاكين، اشهرها دكان ابو الدولة في قلب البلد، ولديه كل ما تحتاجه الناس، وبخاصة الكاز والرز والطحين. وكان في المالحة مقهى شعبي، لشخص اسمه محمود المنسي في قلب المالحة القدمية مقابل دكان ابو الدولة.

مؤلفاته:

- "قط مقصوص الشاربين اسمه ريس" (قصص)- «دار المصير الديمقراطي»، بيروت، 1980.

-"لا تشبه هذا النهر" (ديوان شعر)- «اتحاد الكتاب الفلسطينيين»، و«دار الحوار»، دمشق، 1984.

- "الطريق إلى بيت لحم" (رواية)- «دار الثقافة الجديدة»، القاهرة، 1990.

- "ذات مقهى" (ديوان شعر)- «رابطة الكتاب الأردنيين»، عمان، 1998.

- "أوراق عمان الخمسينات" (سيرة ذاتية)- «أمانة عمان الكبرى»، عمان، 1998.

- "ينزع المسامير ويترجل ضاحكاً" (قصص)- «دار الثقافة»، رام الله، 1999.

 

khl
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024