"بيت جَدّي".. انسجام الخط العربي مع خشب الزيتون
نشر بتاريخ: 2019-12-31 الساعة: 11:54سلفيت-وفا-في محافظة تُعد من أغنى محافظات الوطن بأشجار الزيتون، ويُعرف عنها بأنها محافظة الزيتون، حاول الشبان قاسم وحذيفة وبهيج ابراهيم، من بلدة بديا، غرب سلفيت، أن يستغلوا عروق الزيتون المقلمة، وتحويلها إلى تحف فنية، والكتابة عليها بالخط العربي.
انطلقت الفكرة في موسم الزيتون العام المنصرم، حين قرر الشبان الثلاثة أن يكون لهم مصدر دخل من حرفة يدوية، يضعون بها حرفيتهم وتجاربهم، في ورشة صغيرة، تقع في بيت قديم بُني قبل نحو 80 عاماً.
يحصل الفريق على الأخشاب من جامعي الحطب والمزارعين، أثناء تقليم الأشجار، يقول قاسم ابراهيم (27 عام) لـ "وفا": "يكثر في بديا زراعة هذه الشجرة المباركة التي أخذت حيزا في حياة الإنسان الفلسطيني حتى أصبحت رمزاً من رموز الدولة الفلسطينية، من هذا المنطلق كان حقاً علينا أن نفكر جيداً بالخشب الزائد بعد تقليم الأشجار بعيداً عن الحرق واستخدامه كوسيلة للتدفئة فقط، فاستوحينا الفكرة وبدأنا بتطويع الأخشاب وتحويلها إلى تحف فنية بأشكال مختلفة".
وأضاف إبراهيم، خشب الزيتون يتسم بالجمال، ويعتبر من الأخشاب المناسبة جداً للأعمال اليدوية، بدأنا بنحت أشكال بسيطة، ثم تعلمنا من تجاربنا أكثر، وكانت كل فكرة تولّد أفكارا مختلفة، بعد ذلك شكلنا فريق "بيت جدي"، جاء هذا الاسم من المكان الذي أقمنا فيه الورشة.
وعن مراحل الصناعة، قال: كل تحفة تمر في مرحلة التجفيف بعيداً عن الرطوبة، ثم يتم قصها بالشكل المناسب، ونحتها يدوياً، وبعد ذلك يتم حفها وصقلها، والكتابة عليها، ثم تدخل مرحلة الدهان.
ما يُميز فريق "بيت جدّي"، أنه يكتب على التحف الخشبية بالخط العربي يدوياً، بشكل واضح ومناسب دون ماكنة الخط، معربا عن أمله بأن نساهم في الحفاظ على أخشاب الزيتون، حتى بعد قطعها، إلى جانب الحفاظ على الخط العربي الأصيل.
صنع الفريق خلال عام عشرات التحف الخشبية التي أصبحت تأخذ أشكالا متعددة بأحجام مختلفة، كقطع الزينة للمنازل والمكاتب، والإضاءة، والتعليقات والمقالم الخشبية، بحسب طلب الزبائن.
عُرفت "بديا" كواحدة من أكثر البلدات الفلسطينية شهرة بإنتاج زيت الزيتون، وتعني كلمة "بديا" في اللغة "الآرامية القديمة"، "بدّ أو بدة" والتي تعني العَجَل الحجري الثقيل/على شكل أسطوانة دائرية، والذي تم استخدامه لطحن ثمار الزيتون لإنتاج الزيت.
وبحسب احصائيات مديرية زراعة سلفيت، فإن عدد أشجار الزيتون المزروعة في المحافظة وصلت 60243 شجرة ما بين مثمرة وغير مثمرة، ويصل عدد أشجار الزيتون إلى 5341 شجرة في بديا، حيث تعد البلدة الرابعة في زراعة الزيتون على مستوى المحافظة، بعد مدينة سلفيت، وقراوة بني حسان، ودير بلوط.
المحاضر في كلية الفنون بجامعة النجاح الوطنية، كمال زيدان قال : انطلاقا من فكرة أن الفن ابن البيئة، استطاع الفنان الفلسطيني تطويع خامات محلية في البيئة الفلسطينية، في سبيل انتاج فن خاص بالوطن.
وأضاف، بحكم شجرة الزيتون وشهرتها، تحديداً الزيتون الرومي القديم، الذي يعطي الخامات جماليات متناهية من خلال التعريقات والملامس الموجودة فيها، تم انتاج تحف فنية غاية في الجمال، ومن مميزات خشب الزيتون الذي تأهل ليكون خامة فنية، بأنه من السهل تشكيله ونحته، في الوقت نفسه قاسٍ ويتحمّل العامل الزمني.
وأوضح، يتم نحت مجسمات ثلاثية الأبعاد مثل التماثيل التي تكثر في بيت لحم، وتم استخدام خشب الزيتون للحصول على رقائق مسطحة تستخدم لتخطيط عبارات، وآيات قرآنية عليها، وفي بعض الأحيان يتم استخدام قصاصات خشب الزيتون ذات التعريقات في تأطير لوحات مختلفة الخامة، كأن تكون اللوحة من السيرامك باطار خشبي، وفي الآونة الأخيرة واءم الحرفي الفلسطيني بين العراقة التراثية التقليدية والآلات الحديثة مثل: الليزر والماكينات التي يتم التحكم بها رقمياً بإستخدام الكمبيوتر(CNC)، في الحصول على زخارف ذات طابع تراثي مستوحاة من التطريز الفلسطيني في تطعيم الأعمال التطبيعية ذات الاستخدام اليومي، كالأثاث المنزلي.
يذكر أن التحف والمنحوتات الخشبية تُعتبر هدايا رائجة في السوق الفلسطينية، وقيّمة لشخصيات اعتبارية داخل فلسطين وخارجها.
وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، تعتبر صناعة خشب الزيتون من أقدم الصناعات التقليدية في فلسطين حيث يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، وظهرت مع قدوم البعثات التبشيرية إلى الأراضي المقدسة، وبدأت بصناعة المسابح عندما حاول الرهبان الفرانسيسكان تشكيلها من بذور الزيتون، وتطورت هذه الصناعة إلى إنتاج أشكال دينية تسوّق إلى السياح المسيحيين في منطقة بيت لحم، وقبل عام 1967 كانت أغلب الأخشاب تستورد من سوريا والأردن، أما بعد الاحتلال فأصبحت مناطق رام الله ونابلس هي المورد الأساسي لهذه المادة.
khl