الشهيد عز الدين القلق.. دبلوماسي الثورة الفلسطينية في أوروبا
نشر بتاريخ: 2019-08-07 الساعة: 12:23رام الله-اعلام فتح- سألت المذيعة عز الدين القلق: الساحة التي تعمل فيها الآن – فرنسا-، والتي استشهد فيها محمود الهمشري وبعده باسل قبيسي، ومحمد بودية، ثم محمود صالح، ومع احتمالات اغتيالك في أي لحظة في الظروف الحالية في أوروبا، ما هو تفكيرك أو شعورك حول الموضوع؟".. تسأله فيبتسم..
ولد عز الدين القلق في مدينة حيفا عام 1936، في المدينة التي هجر منها بينما كان طفلاً لا يتذكر منها سوى بعض الشوارع، وساحة الطنطورة، لكنه لم ينس أبداً جمال شواطئها، والتي وصفها بأنها أجمل ما شاهده في حياته.
انتقلت عائلته بعد النكبة إلى مخيم للاجئين في سوريا، والتحق بجامعة دمشق حيث درس الكيمياء، وانضم هناك للحزب الشيوعي والتي اعتقل على أثرها عدة سنوات.
في إحدى مقابلاته التلفزيونية تحدث عن جزء بسيط عن حياته في سوريا حيث قال: "عائلتي كانت من الأوائل التي وصلت إلى دمشق، وكنت أيامها أحب الذهاب إلى دور السينما، خاصة مشاهدة أفلام "الكابوي" التي ظهرت في تلك الفترة".
ترجم الشهيد عام 1961 قصصاً عن الأدب الأميركي وللكاتب الصيني "لو سينا"، وبعدها بعامين انتقل إلى السعودية حيث عمل مدرساً للكيمياء والفيزياء حتى عام 1964 حيث انتقل إلى فرنسا، وهناك سطّر أسلوباً جديداً من النضال الفلسطيني.
حصل القلق على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من جامعة "بواتيه " عام 1967، لكن ذلك لم يمنعه من حمل قضية وطنه التي عاشت في قلبه وعاش أحداثها بكل حواسه ودقائق عمره، فأخذ يشرحها للمحيطين به بشكل علمي ومنطقي مدروس، وكان يقيم لهذا الهدف الندوات، ويتنقّل بين المدن الفرنسية المختلفة؛ ما لفت أنظار الصهاينة إليه؛ فرأوا فيه خصماً فلسطينياً عنيداً، فحاولوا اغتياله عدة مرات، وذلك قبل أن يتسلم مهامه كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، خلفاً للشهيد محمود الهمشري.
تقول والدته عنه: "لم يكن يهاب الموت يوماً، أرسلوا له مرة طرداً فيه ألغام، وحاولوا اغتياله عدة مرات لكنهم لم ينجحوا، ذلك لم يجعله يتخلى عن نضاله أبداً، قرر ان يستمر حتى النهاية".
بعد انتخابه عام 1969 رئيساً لاتحاد طلبة فلسطين، تعاون وقتها مع ممثل فتح الشهيد محمود الهمشري من أجل تدعيم النضال الفلسطيني على الساحة الفرنسية، التي تمثل أشدّ الساحات الأوروبية ضراوة وقسوة وأكثرها خطورة؛ نظرًا لوضع فرنسا من جهة؛ وثقل الحركة الصهيونية فيها من جهة أخرى.
اغتيل رفيق دربه محمود الهمشري في شباط فبراير عام 1973، يومها وقف عز الدين على قبره وقال: "إن ثورتنا تكسب يوماً بعد يوم دعماً جديداً، كلما يزداد عدد الذين يلتحقون بها، وينمو الوعي، وبصفته الابن البار للشعب الفلسطيني، قام وبحزم بتأدية الدور الملقى على عاتقه، كان على تواصل مع قوى التقدم والديمقراطية في أنحاء العالم، إنه ابن الفلاحين المتواضع، وضحية قناعته العميقة، والإيمان بقضية شعبه، الواثق بانتصاره، انتسب بمجد لصفوف المناضلين، الذين سقطوا في غمرة الصراع الطويل ضد الإمبريالية والعنصرية" .
بعد اغتيال الهمشري، وبتزكية من الطلاب والعمال العرب، في فرنسا، الذين ناضل عز الدين بين صفوفهم، وتمتع بثقتهم، اختير خلفاً له؛ فكان بذلك، أوّل ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية يتم اختياره من قبل الفئة المذكورة، قبل اختياره وتسميته رسمياً من قبل المنظمة نفسها.
"الثورة والشعب الفلسطيني يمران اليوم بأصعب المراحل التي مروا بها، لكن شعبنا كما الثورة اكتسب خبرات عظيمة من التجارب السابقة ومن النضالات المريرة، وهو قادر مع الشعوب العربية على خلق عالم جديد ليس فقط للفلسطينيين إنما للعرب أجمع، يكون فيه للإنسان احترام أكبر"، يقول الشهيد عز الدين القلق.
باشر الشهيد مهامه الدبلوماسية، إضافة إلى متابعة مسيرته النضاليّة في ظروف سياسية صعبة، وبدأ ينسج علاقات مع الأحزاب والقوى السياسية الفرنسية والأوروبية، خاصة التقديمة والديمقراطية، الأمر الذي أكسبه صداقات كثيرة، واشتهر بأنه من ألمع عقول الدبلوماسية البارزة في الثورة الفلسطينية.
تمكن بفضل إتقانه للغتين الفرنسية والإنجليزية من جهة أخرى، أن يخاطب عقول الفرنسيين بل وقلوبهم أيضاً؛ حتى عُرف "برجل التلفزيون الفلسطيني"؛ ولم يكن ذلك بالأمر السهل في محيط تضج فيه الدعاية والإعلام الصهيونيان بالنشاط.
شارك عز الدين في العديد من المؤتمرات في أوروبا وإفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي كان أهمها "مؤتمر اتحاد البرلمانيين الدولي في مدريد"؛ حيث قابل خلاله ملك إسبانيا "خوان كارلوس"، وأجرى معه حواراً تمخض عن السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية بافتتاح مكتب لها في مدريد بشكل رسمي، وقبل ذلك كان الرئيس الفرنسي ديستان قد وافق على افتتاح مكتب ارتباط وإعلام للمنظمة بشكل رسمي.
عمل عز الدين القلق على إظهار التراث الفلسطيني والوجه الحضاري للشعب الفلسطيني، الذي حاولت إسرائيل طمس هويته؛ فأمضى ما كان يستطيع اختلاسه من الوقت في البحث عن البطاقات البريدية، التي كانت ترسل منذ مطلع القرن من فلسطين، والتي تحمل اسم "فلسطين" العربية، وتصوّر تراث شعبها، حيث صدرت في كتاب.
وُجِد بحوزته أكبر مجموعة من الملصقات الفلسطينية مع مسودة بخط يده، قام بإعدادها قبل رحيله؛ وعملت دار نشر "سيكومور" في باريس على إصدارها، بعنوان "الملصقات الفلسطينية، مجموعة الشهيد عز الدين القلق".
أسس الشهيد قسما خاصا بالسينما الفلسطينية في مكتب المنظمة في باريس؛ إذ كانت له اهتمامات جدّية في هذا الحقل؛ لاعتقاده بأنّ السينما هي إحدى الأدوات الفعالة لخدمة قضيته وكل القضايا العادلة. وفي هذا الصدد وصفته مجلة "كابيه" السينمائية الفرنسية عام 1978م بأنّه يتمتع بكثير من الفطنة والموهبة التي أنْسته قليلا من الوحدة التي فرضت عليه بسبب عمله؛ واستقطب حوله مجموعة من الشبان السينمائيين الفرنسيين التقدميين، الذين أخرجوا فيلماً وثائقيا عنه بعد استشهاده بقليل، والذي يحمل اسمه.
وعمل عز الدين القلق في المجال الإذاعي لفترة من الزمن في إذاعة "مونتي كارلو"، وكان مسؤولًا عن ترجمة وإعداد النشرة الإخبارية، وذلك قبل تسلمه مهام ممثل المنظمة في باريس.
صعد إلى المنصة في باريس بعد أحداث يوم الأرض في 30 آذار 1976، وقال: إن المحرك لهذه التظاهرات هو موقف القروين والفلاحيين وهم سبب هذه الحركة الشعبية القوية وهذه الاحتجاجات والمظاهرات، إن كانوا طلابا من حيفا أو مزارعين من الجليل، أو تجاراً من نابلس، أو مدنيين من القدس، او بدوا من النقب، فالشعب الفلسطيني يرفض العبودية، إنه يوم انبعاثه من جديد.. نريد العودة إلى بلدنا.. نريد إنهاء الاحتلال .. نريد إيقاف مصادرة الأراضي العربية".
باغتياله في الثالث من آب عام 1978 على أيدي العملاء، خسرت منظمة التحرير الفلسطينية مناضلاً عنيداً ودبلوماسياً لامعاً، وفناناً، ورفض حمل السلاح رغم التهديدات المتواصلة بحقه، كما خسر الشعب الفلسطيني شخصية اجتماعية آمنت بدور المرأة في الكفاح إلى جانب الرجل لخدمة المجتمع، وكان عز الدين أول مسؤول يدعم تسلم فتاة فلسطينية رئاسة اتحاد الطلبة الفلسطينيين في فرنسا.
ترى ماذا تعني فلسطين بالنسبة لك سألته المذيعة، ويجيب: "فلسطين هي مخزن ذكريات، فلسطين هي طفولتي في حيفا، والكيان العائلي وتراث الأهل، ولكن فلسطين ليست حيزاً جغرافياً، هي رمز للنضال الذي لم ينجز بعد، وهي النور الذي يولد في كل واحد منا".
anw