الموت يغيّب المناضل عمر حارون "أبو الرائد"
نشر بتاريخ: 2019-08-05 الساعة: 11:27رام الله-وفا-ودّعت محافظة طولكرم، اليوم الاثنين، "مايسترو" المسيرات المناضل الوطني عمر عبد الرحيم حارون (أبو الرائد)، عن عمر يناهز السبعين.
ترك "أبو الرائد" حبا في قلب كل من عاصره في طولكرم وباقي محافظات الوطن، قاد المسيرات المناهضة للاحتلال على مر السنوات الطوال دون خوف أو ملل أو كلل، فأينما وجدت فعالية وطنية تجده حاضرا، يتصدر بصوته كافة الأصوات في المسيرات والاعتصامات، يندفع بهتافاته البسيطة النابعة من حس وطني صادق، ينتقيها دون جهد، ويرددها عن ظهر قلب، معبرا عن الحدث.
تميز بصوته الجهوري رغم البحة الملازمة له، وتقاطيع وجهه ونظراته الحادة، وحماسه النابع من قلبه، والذي يوحي بمقدار الجهد الصادق الذي يعتمر داخل هذا الرجل، فتراه خلال مسيرة أو اعتصام أو وقفة لأي حدث وطني، يوظف كل طاقاته لإشعال جذوة الغضب في نفوس المشاركين، فيرددون من ورائه هتافاته البسيطة بكل شجاعة وقوة.
ويستذكر عدد من الشباب ممن عاصروه خلال مسيرة حياته، نشاطاته النضالية أيام الانتفاضتين الأولى والثانية، التي لم تكن مقتصرة على الهتافات في المسيرات فقط، بل كانت له مشاركة واسعة في المواجهات مع الاحتلال، فكان يتجول بين الشبان الذين يستمدون من وجوده العزيمة والشجاعة في رشق جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة، التي كان يخفيها في عربة الحلوى والمكسرات التي كان يمتلكها على ميدان جمال عبد الناصر وسط طولكرم، لاستخدامها في المواجهات التي كانت تحدث دون تخطيط.
ومع مرور السنوات والأحداث، بقي "أبو الرائد" متميزاً في حضوره النضالي لدى جماهير طولكرم، صغيرا وكبيرا، يرددون من ورائه الهتافات والتكبيرات، فلا تكاد تمر مسيرة طلابية أو نسوية أو جماهيرية أو اعتصام إلا له صوت فيها، فلا معنى لفعالية دون صوت أبو الرائد، هكذا يقول الجميع.
وكل يوم ثلاثاء، حيث الاعتصام الأسبوعي التضامني مع الأسرى أمام مكتب الصليب الأحمر الذي عرفت به طولكرم منذ 20 عاماً، و"أبو الرائد"، يتصدر صفوف المعتصمين صيفا وشتاء، بكوفيته المتدلية على كتفيه، ملصقاً صورة صغيرة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين على قميصه والذي يكن له محبة خاصة، كونه ينتمي لجبهة التحرير العربية منذ عقود، إضافة إلى محبته الخاصة للرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات وللرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، تارة يحمل صور أحد الأسرى، وتارة العلم الفلسطيني مرددا ما يتسنى له من الهتافات.
ويتنقل أبو الرائد وخلال هذه الفعاليات من هتاف إلى آخر، مستمراً في ترديد الهتاف (تكبير) فيعلو صوت المشاركين من حوله (الله أكبر)، فيمرر وبطريقته المعهودة التي ألفها الجميع سلسلة من الهتافات منها (يا جماهيرنا الشعبية حيو أسرى الحرية، علو الراية علوها للأسرى ارفعوها، وعلو الراية بالعالي للأسير الغالي).
ولا ينسى في كل اعتصام تضامني مع الأسرى، أن يلفت وسائل الإعلام لكلمة منه موجهاً تحيته للأسرى، مؤكداً أن تحريرهم سيأتي قريباً فالأسير هو قلب ينبض فخرا لشعبه ويجب على الجميع التضامن معه حتى يتم تحريره من الأسر.
ويصفه ممثلو فصائل العمل الوطني بأنه أحد أعمدة النضال الشعبي الرافض للاحتلال والاعتقال والحصار.
وكان "أبو الرائد" يعتبر الوحدة الوطنية الخط الأحمر التي يجب بذل كافة الجهود لتحقيقها، فيردد "يا أسير الحرية بدنا دولة وهوية، كلنا فدائيين لا نهاب المنية، بوحدتنا الوطنية نبني دولتنا الفلسطينية من المية للمية".
بدأ عمله النضالي منذ أن كان طفلا في العاشرة من العمر، فلم يكن يثنيه شيء عن نضاله ضد المحتل، فكان يشارك في كافة التظاهرات والاحتجاجات بدافع حب وطنه فلسطين التي يعتبرها الأم والأساس والقدوة.
فبعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967 ومن ضمنها مدينته طولكرم ومسقط رأسه، اعتقل أبو الرائد لأول مرة عام 1968 وأمضي في زنازين التحقيق عدة شهور تباعا، وبعد إطلاق سراحه واصل نضاله بوتيرة مرتفعة، واستمر خلال أعوام السبعينات والثمانينات، فتعرض للاعتقال عدة مرات في الأعوام 1987، 1988، 1989، 1991، بتهم التحريض، فقبع في سجون النقب والفارعة ومركز تحقيق طولكرم، وكان يحكم عليه في حينها بالاعتقال الإداري.
تعرض أبو الرائد للإصابة في قدمه منذ 38 عاماً، ما تسبب في حدوث تجلط فيها، عدا عن الأمراض التي انتابته والعمليات التي أجراها، وتحذيرات الأطباء له بعدم إرهاق صحته أكثر لأن في ذلك خطر على حياته، كل ذلك لم يمنعه من مواصلة نشاطاته النضالية ضد المحتل، واضعاً نصب عينيه الشهادة في سبيل الله ومن أجل فلسطين، إلى أن أنهك المرض جسده في الآونة الأخيرة جعله طريح الفراش في المستشفيات ليُغيّبه الموت فجر اليوم.
khl