الرئيسة/  ثقافة

"تدفق" السويسري .. الراقصون يحوّلون خشبة المسرح بحراً وسماء!

نشر بتاريخ: 2019-04-11 الساعة: 00:35

رام الله- الايام- على الرغم من كونها لم تكن في بؤرة الحدث مع الراقصين في العرض السويسري الراقص "تدفق" (Flow)، إلا أنها كانت النجمة الأبرز، إنها آي جونغ جو عازفة "الجيومونغو"، تلك الآلة الموسيقية الكورية التي تتراوح ما بين وترية وإيقاعية.

وقدم المصممان ماركو كانتلوبو وكاتارزينا جدانيس، لفرقة "لينغا" (Linga)، عرضاً لافتاً في سادس أيام مهرجان رام الله للرقص المعاصر، وتنظمه سرية رام الله الأولى، بحيث احتضن المسرح البلدي بدار بلدية رام الله، العرض، مساء أول من أمس.

والكورية جو هي واحدة من اثنين يشكلان فريق "كيدا"، بحيث تعزف هي الموسيقى الحية على آلتها الكورية التراثية، بينما تولى الفرنسي ماتياس ديلبلانك مهمة إبداعية عبر حاسوبه النقال وما يحيط به من تقنيات لتقديم موسيقى إلكترونية كان لها حضور أيضاً.

ولا تقلل البطولة الموسيقية في العرض السويسري من أداء الراقصات والراقصين على مدار ساعة، ومن إبداع الإضاءة لجيرمين شفاب، والديكور لإيميلين ألينباخ وجنينفيف ماثيا، فالعوامل المساعدة بالعادة كان لها دورها الأكثر محورية في هذا العرض التي تميز بسلاسته ورشاقة راقصيه حد الشفافية.

لقد قدم راقصو فرقة "لينغا" السويسرية نهجاً جمالياً جاذباً.. لقد كان عرضاً آسراً، حيث انسابت أجساد الراقصات والراقصين كأسراب السردين تسبح على خشبة المسرح بعد أن أحالتها بحراً أو بحيرة أو نهراً أو بركة ماء كبيرة متخيلة، أو حلقت كأسراب من النوارس فيما وراء الجاذبية الأرضية لهذه الخشبة، وعلى عكسها، بعد أن أحالتها ذات الأجساد سماء تحت سقف انفتح على أفق لا حدود له إلى مزيد من التدفق داخل "التدفق" ذاته.

وعلى وقع ذبذبات "الجيومونغو" التي تغلغلت في أجساد الجمهور والراقصين، قدم السبعة الذين تفوقوا في الانسجام، لوحات هي أقرب لمقطوعات شعرية تأرجحت ما بين كلاسيكية مقفّاة وما بين حداثية نثرية غير متصلبة، فالتغيرات المفاجئة في الحركات، والتموج أو الحركات المتشجنة، وتغيير السرعات دون فقدان السيطرة، كان مبهراً، كمغامر يقطع كيلومترات ما بين ناطحتي سحاب على حبل رفيع.

كانت الأجساد المرنة تدفع المتابع إلى التساؤل إذا ما كانوا من لحم ودم مثلنا، وإذا ما كانت عظام الراقصات والراقصين صلبة لا سائلة أو غازية .. لقد كانوا يطفون على السطح بحرية، يعومون بأريحية على بطونهم تارة، وعلى ظهورهم تارة أخرى، متنقلين بسلاسة ما بين عتمة كاملة وكامنة في أعماق البحار وأعماقهم وأعماقنا ربما، وما بين عتمة أقل، فضوء خافت، وآخر أكثر سطوعاً، وإن كان لا يصل لدرجة التماس مع السطوع.

"الكوريغرافيا" هنا لم تكن عبثية، وفي ذات الوقت لم تكن متعصبة لجهة تدوين حركات الرقص بطريقة متصلبة، وإن كانت مدروسة، وهو ما سمح بتلك الانسيابية التي ميزت العرض، حيث بدا التكوين الجماعي للسباعي جسداً واحداً في أحيان عدة، مشكلين لوحة بانورامية بديعة بالتناغم مع الموسيقى الحيّة وتوأمتها الإلكترونية، في عرض سار عكس قوانين الرقص الكلاسيكية، فبدا كلاسيكياً من حيث الشكل الخارجي المغلف للعرض، وما بعد المعاصر على صعيد المحتوى، وما وراء حركات الجسد داخل الأجساد المجتمعة كثيراً حتى في تفرقها، ما عكس حالة وعي للقائمين عليه، والمشاركين فيه .. حالة وعي مرنة وعميقة كما هو العرض. 

amm
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024