"سيناريو" سليم البيك .. التباس الهوية واللجوء والعودة!
نشر بتاريخ: 2019-02-27 الساعة: 13:18رام الله- الايام- في جديده "سيناريو"، الصادرة حديثاً عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان، يتتبع الروائي الفلسطيني سليم البيك، رحلة الشاب "كريم" والتباساته المتعددة لجهة الهوية، أو الجغرافيا، أو حتى العلاقات العاطفية، فكاتب السيناريو العاجز عن الخروج بما يدفع به بعيداً عن سيناريوهاته السابقة حبيسة أدراجها، يبدأ في خط يوميات ليومين أو ثلاثة أيام في باريس منفاه الجديد، بعد أن كان مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين في سورية "موطنه"، وفي الوقت ذاته هو منفى جده القادم من حيفا.
الزمان يتبدل كما الجغرافيا وحتى فكرة العودة، ففي المخيم كانت بوصلة العودة تؤشر إلى حيفا، وليس سواها، وفي باريس، بات مؤشر البوصلة يتنقل ما بين حيفا الجد، وحيفا الحفيد، أي مخيم حمص، الذي كان حيفاه، حيث كل ركن يصرخ باسم فلسطين، وكل حجر ينبض تماهياً مع قضيتها.
"المنفى لدى فلسطينيي سورية هو منفى سوري، وهو استمرار لمنفى فلسطيني. ورث هؤلاء اللجوء عن أجدادهم، تعايشوا معه وألفوه، وصار المخيم وطناً، صار فلسطينهم، قل أن تحل عليهم نكبة أخرى ليصنعوا لجوءهم الخاص. كانوا جزءاً أصيلاً من اللجوء الفلسطيني، وهم الآن جزء أصيل من اللجوء السوري. لذلك اكتسب المخيم معنى فلسطين ومكانتها فيهم، وبقيت هي رغماً غير مكاني ولا مادي، خيالات ممتدة من حكايات الجد إلى الكتب والتلفزيونات والإنترنت. يصرّ الكثير من الفلسطينيين أهالي هذه المخيمات، اليوم، على العودة من أوروبا إلى المخيم، ويصرّون كذلك على أن الإقامة فيه، وإن نالت كل الشروط لتكون دائمة، إقامة مؤقتة، فالتبس المخيم بفلسطين، والمنفى بالإقامة، والمؤقت بالدائم، والاغتراب بالانتماء".
وفي رحلة البحث عن سيناريو، يلتقي "كريم" الذي يدرس السينما، بـ"شارلوت" الفرنسية التي تدرس الأدب، ليتبادلا أطراف الصمت، ومن ثم قليلاً من الحديث، فكثيره، وسريره .. هذه الفرنسية لا تعرف فلسطين، لكنها تعرف محمود درويش، وتبدو متأكدة بأن إدوارد سعيد أميركي، لكنه يصعقها بكونه فلسطينياً بالأساس.
ومن خلال علاقته بـ"شارلوت"، يتعرف إلى صديقتها "ميلاني"، التي عبرها يلتقي بريما الراقصة الفلسطينية القادمة من حيفا إلى باريس، والتي تدور بينهما اشتباكات لفظية ومشادات بسبب اختلاف الرؤية والتعاطي العاطفي تجاه حيفا، بل واللهجة أيضاً، فهي ترى حيفا بعين من يعيشها اليوم، وتنقم على كل شيء فيها، بعد أن فرّت من واقع سياسي واجتماعي وجدته لا يطاق، بينما يراها كريم بعين الحالم إلى العودة، إلى حيث كان يعيش جده، وبرومانسية لا تتواءم وريما، التي لطالما عايرته بأن لا يوجد حيفاوياً يقول "هلأ"، مع أنه كان يحاول على الدوام استعارة حيفا في لهجته عبر "إسّا"، و"مجبور"، و"غاد"، و"صبابا"، وغيرها من المصطلحات التي بدت غير تلقائية، من باب تعزيز انتمائه للمكان في مواجهة اتهامات ريما بأنه ليس "حيفاوياً أصيلاً"، ما يدخل القارئ في جدل موجع، لاسيما القارئ الفلسطيني.
"لا يريد أهلي سوى العودة إل المخيم، ولا أريد أنا سوى العودة إلى المخيم، الآن على الأقل. أمّا حيفا التي يعرفها جدّي، فهي أبعد اليوم مما كانت عليه طوال السبعين عاماً من احتلالها.. ريما التي لا تعرف غير حيفا التي ولدت وكبرت فيها، تستطيع العودة إليها متى أرادت. أهلها هناك، بيت أبيها هناك، بيت جدها، لها أقرباء وجيران وأصدقاء حيفاويون هناك. لهم بلد يلتجئون إليه، يشعرون فيه بأنهم في مكانهم، المكان الذي يمكنهم العودة إليه متى ملّوا من غيره، متى تعبوا من غيره، متى فقدوا الإحساس بالاطمئنان في غيره، المكان الذي يعطيهم هويتهم المستقرة المطمئنة".
حالة الشتات هذه التي يعيشها كريم، وربما صاحب الرواية، انعكست أيضاً على علاقاته النسوية، فكانت في مجملها ضبابية وغير واضحة المعالم، وكأنه تائه ما بين هذه وتلك، كما هو تائه ما بين باريس، وحيفا، والمخيم.
ولعل سؤال الهوية الذي أرق الروائي عبر شخصية السيناريست، والتباسها، كما التباس اللجوء، حشر النص كما القارئ في هذه الدائرة، وإن كان بإمكانه التوسع أكثر، بالخروج منها والبقاء في قطرها، كأن يتطرق للحديث في يوميات "كريم" التي هي ربما ذاتها، أو تقترب كثيراً من يوميات سليم، عن التفاصيل المعيشية اليومية للاجئ الفلسطيني السوري في باريس، وكيف يعيش التباساته هذه في تفاصيل الأربع وعشرين ساعة، والأيام السبعة، فلم تكن الرواية بانورامية، مع أنه كان بإمكانه أن يجعل منها رواية قادرة على التجول ما بين أروقة الروح لهذا اللاجئ المرّكب وعلاقاته التي لربما تكون أكثر التباساً بمحيطه الباريسي.
amm