"كفر ناحوم" لنادين لبكي .. فيلم "يقطّع الأعصاب"!
نشر بتاريخ: 2019-02-25 الساعة: 09:02رام الله- الايام- "كفر ناحوم"، لن يكون فيلماً عابراً في تاريخ السينما العربية أو العالمية، سواء أفاز بـ"أوسكار أفضل فيلم أجنبي"، أم لم يفز .. صحيح أن المنافسة قوية بوجود أفلام من قبيل "روما" و"حرب باردة"، وغيرهما، لكن ما قدمته المخرجة اللبنانية نادين لبكي، على مدار ساعتين، بالتأكيد، يحفر عميقاً في وعي ولاوعي المشاهد، يخرج منه "إنسانيته" التي ترتدي طاقية الإخفاء بوقع "مفرمة" الواقع المعيش، إن كان ثمة تعريف لـ"الإنسانية".
صحيح، أن الفيلم، ليس فريداً من نوعه لجهة تسليط الضوء على معاناة المسحوقين، وهم كثر، وليس الأول الذي ينتمي لما يعرف بـ"أفلام القاع" (Underground Movies)، أو "أفلام المضطهدين"، لكنه زلزل مجتمعاً كانت حكايات القاع هذه، إلى حد ما مغيبة فيه، أمام موجة استرجاع حكايات "الحرب الأهلية اللبنانية"، والعلاقات القديمة والملتبسة حد الاشتباك ما بين "الطوائف" و"الأحزاب"، ومنها ما نال العلاقة بين اللبناني والفلسطيني، أو اللبناني و"السوري" بصفته، كما وصفه، بعض المخرجين "محتلاً"، وذلك عبر ملاحقة يوميات الطفل السوري "زين"، والخادمة الأثيوبية "رحيل" ورضيعها "جوناس".
ولم تأبه لبكي لتعليقات بعض النقاد الغربيين، بأن في الفيلم، الفائز بجائزة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي الدولي بدورته الأخيرة، اتكاء على "التلاعب بالمشاعر"، و"إباحية الفقر"، فالفيلم الواقعي، بطبيعة الحال، والذي يتخذ من التسجيل انطلاقاً لبناء درامي لجهة فيلم روائي كما في حال "كفر ناحوم"، لا يحتاج إلى إعمال الخيال، بقدر ما ينقل الواقع بصورة فنية، وهو ما دفع البعض عربياً لانتقاده، لجهة ما تضمنه من ألفاظ وصفها البعض بـ"الخارجة"، مع أنها جزء من سياق "العالم السفلي" في لبنان، بل ومن سياقات الحياة اليومية في غالبية دول الشرق الأوسط، وتجاوزها في هذا الإطار، يبعد الفيلم عن واقعيته، وهي واقعية سحرية هنا، ويدخلنا في إطار "الرقابة الداخلية"، أو ما بات يسمى "السينما النظيفة"، وكأن هناك "سينما قذرة" على مستوى الألفاظ والمشاهد، وليس على مستوى المضمون، ومدى ارتهانه بالسياسي بشكل فج لجهة تأييد نظام الحكم هنا أو هناك، أو لجهة معارضة.
ما قدمته لبكي باختصار حقيقي جداً، وقد يتخيل البعض أن هذا الواقع مغلف بخدع سحرية لفرط وجعه، لكن الواقع أشد ألماً وأكثر فنتازيا من أي عمل إبداعي يسعى لمحاكاته .. لعل البعض لم يصدّق أن هذا يحدث بالفعل في لبنان المغيّبة، في إسقاط على ما يحدث في أماكن أخرى بالعالم، أو أن هناك من لا يريد أن يصدق، رغم إدراكه حقيقة ما نقلته لبكي في "كفر ناحوم"، الاسم المستوحى من موقع التصوير.
الفيلم يخاطب القلب، ولا يلغي دور العقل. فنادين لبكي هنا تسعى لأن تحدث تغييراً ما في بلدها، وكثيراً ما أحدثت أعمال فنية وخاصة سينمائية شيئاً من التغيير، لكن الأمر لن يكون سهلاً، فالأوضاع مركبة هناك بما يزيد على تعقيد حكايات "زين" و"رحيل" و"جوناس"، الذي يجسد دوره "بولواطيف تريولي"، الرضيع ابن السنة، والذي، وبكل ثقة، يمكن اعتباره من أعظم الأطفال الرضع في تاريخ السينما العالمية، إن لم يكن أعظمهم، وهو ما لا يقلل من إبداع "زين" الذي جسده زين الرافعي، في فيلم اجتماعي واقعي "يقطّع الأعصاب".
amm