سوق (المباركية) في الكويت.. معلم تراثي مفعم بعبق التاريخ
نشر بتاريخ: 2019-02-03 الساعة: 09:32الكويت- وفا- رغم تطور الأسواق في الكويت وامتدادها العمراني وتصميماتها الحديثة، فإن سوق (المباركية) الواقع في منطقة (القبلة) في قلب العاصمة له طابعه الخاص وأصبح مقصدا أساسيا للمواطنين والوافدين والسياح باختلاف الشرائح العمرية أو المجتمعية ومن شتى الجنسيات.
ويعد هذا السوق التراثي الشعبي الأشهر والأقدم في الكويت، فقد كان ولا يزال يحافظ على مكانته التراثية والشعبية والسياحية والتجارية إذ يأتيه الزوار والمستهلكون وغيرهم من كل حدب وصوب حتى أصبح أحد معالم الكويت الشهيرة.
وتاريخيا نشأ هذا السوق قبل أكثر من 120 عاما بجهود التجار الكويتيين الذين كانوا يجلبون بضائعهم من العراق وإفريقيا والهند أثناء السفر إلى تلك البلدان بحرا.
وكان سوق (المباركية) قديما عبارة عن أكشاك وسمي باسمه هذا نسبة إلى حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح -المعروف بمبارك الكبير- لأنه أول من بنى (كشكا) في المباركية عام 1897 بعد سنة من توليه الحكم واعتبر الكشك ديوانا لإدارة الشؤون العامة والاستماع إلى آراء ومشكلات الناس ثم أصبح أول محكمة في الكويت وكانت تحيط بذلك الكشك مجموعة من الأسواق.
وحاليا يمتاز هذا السوق ومحلاته بالطابع التراثي الكويتي القديم، لكنه في الوقت نفسه يسعى إلى استقطاب جيل الشباب عبر مزج الطابع التراثي بالحديث، إذ انتشرت في الآونة الأخيرة المقاهي والمطاعم الجديدة التي تقدم الأطباق العصرية، كما خصص السوق مساحات لإقامة المعارض الشبابية التي تواكب الجيل الحالي ليصبح حاضنا للمشاريع الشبابية.
ويتماشى سوق المباركية مع جميع الفصول والفضل في ذلك يعود إلى الجانب المعماري المتميز بالأسقف الخشبية التي تغطيه وممراته للوقاية من الحرارة صيفا والبرد شتاء.
ونرى في فصل الصيف انتشار أجهزة التبريد الداخلية والخارجية في هذا السوق كي يستطيع الزائر التمتع بالجلوس في المطاعم والمقاهي ذات المقاعد الخارجية.
أما في الشتاء فنرى أجهزة التدفئة في حين تضع بعض المطاعم والمقاهي سترة أو قطعة من القماش على مقاعد المطعم حتى يرتديها الزائر في حال شعوره بالبرد أثناء تناوله الطعام.
وبالطبع يلبي سوق (المباركية) احتياجات الأسرة كافة خصوصا مع تنوع محلاته التجارية ما بين الملابس وأخرى لاحتياجات المنزل ولوازم البر والسفر ومحلات الصرافة وأخرى للعطارة والتحف إلى جانب المطاعم والمقاهي المتنوعة علاوة على سوق لبيع الأسماك والخضراوات والفاكهة والتمور والعسل والمخللات والحلويات وغيرها.
وبالنسبة للرجال يعتبر سوق (المباركية) الوجهة الأولى لشراء احتياجاتهم من الملابس كأقمشة الدشاديش والغتر والعقل والبشوت والأحذية كذلك الكماليات مثل المسابيح والمحافظ والأقلام الرجالية وما إلى ذلك.
أما النساء فتتنوع المحلات الخاصة بهن مثل الملابس والعباءات ومستحضرات التجميل والأحذية والحقائب والخامات النسائية ومحلات الذهب والأكسسوارات وجميع الاحتياجات الأخرى.
ولم يغفل سوق (المباركية) عن الأطفال بل تتخلله محلات لألبسة الأطفال وأخرى للألعاب كما خصص مساحات واسعة للملاهي المجانية وضعت ليلعبوا فيها بكل أمان.
في موازاة ذلك تنتشر محلات العطور في السوق ويضم تقريبا جميع المحلات المعروفة الخاصة ببيع العطور على اختلاف أنواعها وتعد الأفضل لجلب البخور ودهن العود والعطورات العربية.
وعلاوة على ذلك فإن لسوق المباركية نصيبا كبيرا من احتفالات الكويت الوطنية أو حتى المشاركة، فيما تحييه الكويت من مناسبات للأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي أو مناسبات أخرى.
فعلى وجه خاص يتشح السوق في احتفالات الأعياد الوطنية بالزينة، وأعلام الكويت، وتصدح في أروقته الأغاني الوطنية، إلى جانب البضائع الخاصة باحتفالات هذه المناسبة، وإقامة مسابقات ومعارض وتقديم الجوائز.
وفي هذا الصدد، قال المدير العام لبلدية الكويت المهندس أحمد المنفوحي في تصريح لـ"كونا" إن منطقة أسواق المباركية التراثية تحظى بمكانة خاصة في نفوس أهل الكويت والمقيمين فيها وكذلك زوارها من جميع الجنسيات إذ تعد من أشهر معالم البلاد.
وأضاف المنفوحي أن السوق التراثية ومحلاتها التي تتنفس عبق الماضي تمزج في تصميماتها الرائعة ما بين التراث بأصالته والمعاصرة بحداثتها إثر عمليات التطوير التي أجريت خلال السنوات الماضية ما جعلها مقصدا سياحيا.
وأوضح أن (بلدية الكويت) باعتبارها الجهة المسؤولة عن تطوير هذه المنطقة حازت جائزة مجلس التعاون الخليجي للعمل البلدي في دورتها الثانية نوفمبر الماضي محققة المركز الأول عن مشروع (أسواق المباركية) من الأمانة العامة لمجلس التعاون.
من جانبه، قال رئيس فريق تطوير أسواق الكويت العاصمة المهندس حسن الكندري في تصريح مماثل ل(كونا) إن (بلدية الكويت) كلفت منذ تأسيسها في 13 أبريل عام 1930 بالعديد من المهام الخاصة بالأسواق العامة ومنها (المباركية) لا سيما حراستها ومراقبتها والحفاظ على نظافتها.
وأضاف الكندري أن سوق المباركية الذي يحتفظ بطابع هندسي جميل ومميز من حيث طبيعة المحلات والدكاكين وأسقفها من الخشب (الجندل) و(الباسجيل) بأشكال هندسية متناسقة شهد عمليات تطوير بناء على دراسات متخصصة.
وأوضح أن عمليات تطوير السوق المغطى بالكامل والذي لا يتأثر بتقلبات الطقس شملت ساحة الصفاة وإنشاء مشروع سوق الخضار واللحم والسمك فضلا عن تجديد سوق الزل (السجاد) والبشوت (العباءات).
وأفاد بأن عملية التطوير التي قامت بها بلدية الكويت ممثلة في جهازها الفني من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى شملت وضع مظلات خشبية ذات طابع تراثي قديم فضلا عن تصميم وإنشاء ممرات خاصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
وذكر أن (بلدية الكويت) اهتمت بالطابع الجمالي والهندسي للسوق إذ وضعت لوحات إرشادية بمسميات الأسواق القديمة في المنطقة إضافة إلى الزراعات التجميلية وتوفير جميع الخدمات التي يحتاجها رواده.
وأشار الكندري إلى أن عمليات التطوير التي شملت أيضا توفير أنظمة تبريد للسوق ساهمت في زيادة أعداد زواره.
من جهته، قال مراقب المباني التاريخية في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس عبدالله البيشي إن (المجلس) يعد الجهة المعنية بتطبيق المرسوم الأميري المعني بالحفاظ على الآثار والتراث المعماري في البلاد.
وأضاف البيشي أنه تم العمل على الحفاظ على منطقة أسواق المباركية لأصالة المكان وكذلك الحفاظ على الممرات القديمة (السكيك) وتعريف الجمهور بمسمياتها.
بدوره، قال الباحث في التراث الكويتي حسين القطان ل(كونا) إن أسواق المباركية أو سوق المباركية كما هو متعارف عليه سمي نسبة إلى حاكم الكويت الراحل الشيخ مبارك الصباح ويعد من أهم معالم البلاد التراثية.
وأضاف القطان أن (المباركية) الذي يحاكي في تصميمه الأسواق الكويتية القديمة تتفرع منه أسواق السمك واللحم والحلوى والبشوت والجملة والتجزئة في منطقة واحدة ويأتي في نهايتها سوق الغربللي الذي يحتضن كشك (الشيخ مبارك).
ولفت إلى أن دكاكين السوق المتقابلة فهي مرتفعة عن سطح الأرض حيث كان الباعة يعرضون بضاعتهم وهم جلوس ولكي يتمكن من خلاله المستهلك من الشراء بسهولة.
من جانبه، قال مهدي البحراني وهو صاحب أحد المحلات التجارية في المنطقة ل(كونا) إن أسواق المباركية تعد قبلة لزوار الكويت ما يجعلها تشهد حركة متميزة تسهم في تنشيط حركة السياحة بالبلاد.
وأضاف البحراني أن (المباركية) تعد من أفضل الأسواق في المنطقة إذ تتميز بتنوع بضائعها وتمركزها في منطقة واحدة ما يوفر الوقت على المستهلك الذي يشتري حاجته من هذه الأسواق دون عناء التنقل من مكان إلى آخر.
وقال الزائر أحمد بهزاد من مملكة البحرين ل(كونا) إنه يحرص على المجئ إلى منطقة أسواق المباركية التراثية عند كل زيارة يقوم بها إلى الكويت لا سيما أنها تعد من أبرز وأشهر معالم البلاد.
وأضاف بهزاد أن جنبات المنطقة التي تحتضن العديد من المحلات والمقاهي الشعبية والاستراحات والمطاعم التي تقدم المأكولات والمشروبات الشعبية اللذيذة تجسد تاريخ الكويت العريق.
بدوره، أعرب الزائر سلمان الفجري من سلطنة عمان في تصريح مماثل ل(كونا) عن بالغ إعجابه بهذه المنطقة التي تشكل أسواقها التراثية تحفة معمارية شعبية ترمز إلى حياة أهل الكويت في الماضي.
وقال الفجري إنه يشعر في كل زيارة يقوم بها إلى السوق وكأنه يعانق التراث الكويتي مضيفا أنه يشكل أيضا نقطة للالتقاء بمختلف الجنسيات والفئات العمرية ويمتاز بتنوع البضائع المعروضة وانخفاض الأسعار.
amm