غازي الخليلي في سيرته الثانية: شهادة نقدية لمسار الثورة لعقدين قبل أوسلو
نشر بتاريخ: 2019-01-20 الساعة: 09:22رام الله - الأيام- تمّ في متحف محمود درويش، الثلاثاء الماضي، إطلاق ومناقشة الكتاب الثاني من السيرة الذاتية "سيرة وطن سيرة حياة"، للباحث والكاتب السياسي غازي الخليلي، بمشاركة واسعة من المهتمين ومسؤولين فلسطينيين.
وقدّم ساجي سلامة عرضاً لأبرز ما تضمنته السيرة من سرد سلس وإنساني لحياة الكاتب الشخصية خلال تلك الفترة، وسرد لبعض أسئلته ومواقفه النقدية من الأحداث والتطورات التي عاشتها الثورة الفلسطينية في منعطفات تاريخية مهمة، بدءاً من بدايات انبعاث الوطنية الفلسطينية أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى اندلاع الانتفاضة الوطنية الكبرى والمجيدة على الأرض الفلسطينية أواخر العام 1987، وما ولّدته من تداعيات وصولاً إلى اتفاق أوسلو وعودة الكاتب الخليلي إلى أرض الوطن في 1994.
وتناول الكاتب والصحافي مهند عبد الحميد في مناقشته عرض الجوانب الإنسانية في التجربة الكتابية في السيرة الثانية وفي السيرتين السابقتين للكاتب الخليلي "شهادات على جدران زنزانة" و"من أوراق العمر"، مشيراً إلى تناوله المبكر والمعمق لموضوع المرأة الفلسطينية في كتابه "المرأة الفلسطينية والثورة"، الصادر عن مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت عام 1977. كما أشار في عرضه بعض التساؤلات التي طرحها الكاتب الخليلي في سيرته الثانية، خاصة إشكاليات الموقف من قرار التقسيم عام 1947 وما تلاه من أحداث مأساوية مزقت الوحدة الكيانية والمجتمعية للشعب الفلسطيني، وأدت إلى طمس وتبديد هويته الوطنية وتشريد القسم الأعظم منه.
وأوضح الخليلي، في ردّه على التساؤلات المثارة: سيرتي الثانية "سيرة وطن.. سيرة حياة" هي استكمال لما تناولته في سيرتي الأولى، وقد حاولت في هذه السيرة أن أسرد بصدق وموضوعية ما عشته وما شاهدته من خلال موقعي ككاتب أو موقعي القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لعدة سنوات، الوقائع والأحداث التي عاشتها الثورة الفلسطينية خلال مرحلة مهمة من تاريخ وحياة الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية المعاصرة التي امتدت على أكثر من عقدين من السنين، متوقفاً أمام المحطات والمنعطفات المهمة من حياة الثورة في تلك المرحلة، والتي يمكن إجمالها بالمحطات الرئيسة التالية:
• مرحلة انطلاقة الثورة الفلسطينية بعد حرب حزيران عام 1967 وأحداث أيلول الدامية في الأردن عام 1970، وهي مرحلة، للأسف، لم تُدرس وتُقيَّم بعد بموضوعية وبروح نقدية جادة، وهي ما كانت محل تساؤل في سيرتي.
• مرحلة البرنامج المرحلي الذي تم إقراره في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني عام 1974 والاعتراف العربي والعالمي باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وما أثاره البرنامج المرحلي في حينه من حوارات ساخنة ومن اختلافات بين فصائل المقاومة الفلسطينية تم تجاوزها بعد عدة سنوات بالإجماع الفلسطيني بمختلف مكوناته وفصائله على برنامج "العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف" عام 1979. وهي مرحلة أيضاً بحاجة إلى مزيد من الدراسة الجادة والموضوعية.
• مرحلة لبنان واضطرار الثورة الفلسطينية، دفاعاً عن وجودها وقرارها الوطني المستقل، إلى الدخول في صراعات سياسية وعسكرية، مع أطراف لبنانية وأطراف عربية متواطئة، أدت في النهاية إلى قيام إسرائيل بأوسع حرب عدوانية على لبنان والمقاومة الفلسطينية في الخامس من حزيران عام 1982، وما تلا ذلك من موافقة القيادة الفلسطينية على مغادرة المقاتلين الفلسطينيين لبنان وتشتتهم في منافي جديدة بعيداً عن تخوم الوطن، وانتقال المقر المركزي للقيادة الفلسطينية إلى تونس، حيث مقر الجامعة العربية الجديد، بعد عقد الرئيس المصري أنور السادات اتفاق صلح وسلام منفرد مع إسرائيل "اتفاقية كامب ديفيد" عام 1978.
• مرحلة الانقسام الفلسطيني في حركة "فتح" والثورة الفلسطينية (1983-1987) وقدرة القيادة الفلسطينية بمكوناتها الرئيسة على التغلب على خلافاتها وتغليبها للمصلحة الوطنية العليا في استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وعقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي "الدورة الثامنة عشرة" بالجزائر في نيسان عام 1987، كان الكتاب والصحافيون الفلسطينيون من المبادرين الأوائل للدفع نحو استعادة الوحدة الوطنية بعقد مؤتمرهم التوحيدي في شهر شباط عام 1987. وهذه المرحلة من المراحل المهمة في تاريخ وحياة الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية، ينبغي دراستها بعمق وبرؤية موضوعية واستخلاص عبرها ودروسها وتعميمها، للاستفادة من دروسها في مواجهة حالة الانقسام التي نعيشها حالياً.
• مرحلة انتقال مركز الثقل النضالي والمقاوم إلى الداخل الفلسطيني بعد الخروج من لبنان واندلاع الانتفاضة الوطنية الكبرى داخل فلسطين في 8 /12 /1987، وما ولّدته من تداعيات قادت إلى طرح برنامج السلام الفلسطيني وإعلان وثيقة الاستقلال والدولة في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في شهر تشرين الثاني عام 1988، ثم ما تلا ذلك من أحداث أدت إلى اتفاق أوسلو في 13 /9 /1993.
وختم الخليلي مداخلته في الرد على العديد من التساؤلات المثارة، بقوله: هذه المراحل والمحطات المهمة من تاريخ شعبنا والثورة الفلسطينية هي ما حاولت أن أرويها، كشاهد ومشارك، أحياناً، في بعض أحداثها ووقائعها، ليس كتاريخ ومؤرخ، ولكن كشاهد لتكون في متناول الأجيال القادمة، تدرسها وتتعمق في معطياتها وتستفيد منها، إن أمكن، وهي تواصل نضالها من أجل حرية واستقلال الشعب الفلسطيني.
ويضيف الخليلي: للأسف حتى الآن، لا تزال دراستنا لتاريخنا النضالي تفتقر إلى مراجعة نقدية جريئة وشاملة، ولا تزال رؤيتنا لهذا التاريخ الحافل بالكثير من التضحيات، تتسم برؤية عاطفية تُغلّب سطوة العوامل الخارجية على الأحداث، وتتجنب الوقوف بالنقد والتحليل أمام العامل الذاتي، وكانت إثارتي لموضوع إشكالات الموقف من قرار التقسيم عام 1947 أو ما تلاه من أحداث، مجرد محاولة أولية لنبش هذه المسألة والدعوة لتجميع شذرات تاريخ شعبنا النضالي وإعادة دراسته بشمولية وعمق وجرأة.
amm