مناورات «حماس»: الثمن باهظ جداً
نشر بتاريخ: 2025-06-04 الساعة: 06:29
الكاتب: أشرف العجرمي
بعد عشرين شهراً من هجوم السابع من أكتوبر وحرب الإبادة الجماعية في غزة، لم تستوعب قيادات «حماس» بعد ما الذي سيترتب على هذه الحرب. ولا تزال للأسف تناور على بقائها في حكم غزة، على اعتقاد بأن قواعد اللعبة التي كانت قبل السابع من أكتوبر يمكن أن تعود من جديد بطريقة أو بأخرى. ولهذا فهي تحاول كسب الوقت ما أمكن لجعل العالم يسلم بالوضع القائم ويضغط على إسرائيل لتقبل بوقف إطلاق نار دائم في ظل وجود «حماس».
في الواقع، ما حصل في السابع من أكتوبر خلق واقعاً إسرائيلياً غير مسبوق، فقد وحد المجتمع الإسرائيلي اليهودي على أمر واحد بالرغم من كل التناقضات والخلافات القائمة وهو عدم السماح ببقاء «حماس» في غزة بأي شكل يمكنها أن تشكل تهديداً لإسرائيل. وهذا يعني كما عبر عن ذلك بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة، تحرير «الرهائن» وإنهاء سلطة «حماس» ونزع سلاحها. والإسرائيليون يختلفون حول الأولوية وليس التفاصيل. بعضهم يقول، إن الأولوية هي للإفراج عن المحتجزين حتى لو بثمن وقف الحرب. وهم لا يمانعون استمرار استهداف «حماس» وحتى شن حرب جديدة على غزة. ولا أحد مستعد لقبول حكم «حماس» في غزة من جديد.
ولو أن «حماس» وافقت على هذه المطالب منذ الشهور الأولى للحرب لكانت معاناة الشعب في غزة توقفت، ولكانت أرواح الناس قد حفظت، وكان يمكن تجاوز عملية التدمير الشاملة لقطاع غزة المستمرة منذ ما يقارب العشرين شهراً. والمصيبة أن «حماس» ستصل لنفس النتيجة بعد أن يصل عدد الشهداء إلى المائة ألف شهيد وعدد الجرحى إلى مئتي ألف ولا يبقى منزل أو بناء واقفاً في كل قطاع غزة. فكل يوم يمر دون وقف إطلاق نار يعني سقوط حوالى مائة شهيد. ربما لا يكون عدد الشهداء الذين يسقطون مهماً عند قيادة «حماس» التي تتحدث عنهم كأرقام يمكن إنتاجها أو تفريخها من جديد. ولكن لكل إنسان من هؤلاء حياة هي ملء الدنيا. وكل حياة وروح تزهق خسارة فادحة لا تعوض. وإذا كانت أي جهة تدعي المقاومة لا تبالي بالمواطنين خسارتهم ومعاناتهم فبئس مقاومة كهذه. لأنه في نهاية المطاف أي مقاومة أو كفاح وطني من المفروض أن يسعى لحماية الناس وحقوقهم وتوفير حياة كريمة لهم، وليس التعامل مع المواطنين كوقود لخدمة أهداف هذا التنظيم أو ذاك بدون ربط ذلك بالأهداف الوطنية التي يجمع عليها الشعب.
على ماذا تفاوض «حماس» الآن؟ هل تفاوض على تحرير القدس والضفة مثلاً بحيث إننا أضحينا قاب قوسين أو أدنى للوصول إلى هذا الهدف وما على المواطنين سوى أن يصبروا بضعة أيام أو شهور؟ في الحقيقة، «حماس» تفاوض على «حماس» وليس أي شيء آخر. فجل المفاوضات على وقف الحرب وإبقاء «حماس» في غزة لكي تعود وتسيطر على القطاع بعد انسحاب جيش الاحتلال منها. وسلاح «حماس» الذي تستميت للحفاظ عليه موجه للداخل فقط، فالحركة لا يمكنها أن تشكل تهديداً جدياً لإسرائيل في المدى المنظور. وحتى عندما وافقت «حماس» على تسليم السلطة للجنة تكنوقراط مستقلة رفضت تسليم سلاحها. بمعنى أن «حماس» ستحتفظ بقدرتها على إعادة السيطرة على القطاع فيما لو لم يعجبها الوضع بعد فترة. مع أن اللجنة في الواقع لا يمكنها أن تقوم بدورها دون أن يستتب الأمن ويكون خاضعاً لسلطة شرعية معترف بها.
«حماس» ليس فقط خسرت كل العالم، بل والأهم خسرت تأييد الشعب الفلسطيني في غزة على وجه الخصوص الذي بات لا يطيق وجودها ويتعامل معها باعتبارها سبباً أساسياً في مأساته ومعاناته، في وقت لم تبدِ الحركة أي اكتراث لمصير الناس. ولهذا السبب لن تتحمل غزة سلطة «حماس» مرة ثانية. فمنذ اليوم الذي انقلبت فيه «حماس» على السلطة الشرعية وقطاع غزة يخضع لحصار ظالم وشديد حوّل حياة الناس إلى معاناة يومية دفعت آلاف الشبان لمغادرة القطاع، حيث إن جزءا كبيرا منهم غادر بصورة غير شرعية وبعضهم تعرض للغرق في البحر. وبالتالي لا يتذكر المواطنون يوماً جيداً لحكم «حماس» الذي كان اغتصاباً وبالقوة. فكيف سيتحملونها الآن بعد هذه الكارثة التي فاقت النكبة في فداحتها وحجم المعاناة والألم والخسارة التي لحقت بنا بل وبالمنطقة بأسرها. الشعب الفلسطيني بحاجة لسلطة منتخبة تعبر عن طموحه وآماله. وحتى تأتي الانتخابات لا بد من عودة السلطة الوطنية إلى غزة وتوحيد الوطن. وكل يوم يمضي دون أن تتوقف هذه الحرب يعني نزيفاً مستمراً وثمناً باهظاً، فمتى ترتقي «حماس» لمستوى المسؤولية الوطنية وتحس بمعاناة الشعب الذي هو ضحية لغباء وحسابات خاطئة؟
mat