الرئيسة/  مقالات وتحليلات

غزة تفصلها خطوة بين النجاة أو التصفية النهائية

نشر بتاريخ: 2025-05-22 الساعة: 07:11

 

باسم برهوم


وصل الوضع في قطاع غزة إلى لحظة خطيرة جدا وحاسمة، وصل إلى مفترق طرق ضيق، إما أن تتوقف الحرب فورا خلال أيام ويبقى قليل من  الأمل في أن يبقى القطاع  وأهله. وأن يعاد بناؤه مع الوقت، أو أن يسمح لنتنياهو أن يواصل حربه الدموية التدمرية لأسابيع أخرى حتى يتم تصفية القطاع تماما سياسيا وديموغرافيا وعمرانيا، ويكون كل شيء قد دمر، ولا يكون من مفر سوى التهجير وبكثافة. هذا الاستنتاج لم يأت من فراغ، بل إن حرب الإبادة الجماعية في غزة بلغت ذروتها، جيش الاحتلال يتوحش ويسابق الزمن كي يصل بالقطاع إلى لحظة التصفية الشاملة، ونتنياهو يعلم أن الوقت المتبقي له، والمسموح به اقترب من النفاذ، لكنه، وكما هو ظاهر حتى الآن، انه يمتلك ربما عدة أسابيع، لذلك نلاحظ أنه هو وجيشه يتوحشون بطريقة مريعة.

من هنا تأتي أهمية إنهاء الحرب فورا دون أي تأخير، بل والآن، ومن الواضح أن الدول الأوروبية أصبحت تدرك الحقيقة المشار إليها. وبدأت تصعد من لهجتها وضغوطها على إسرائيل، وتصدر بيانات فردية وجماعيةلعل نتنياهو يرتدع. التحركات الأوروبية مهمة ولكن ما لم تنطق الإدارة الأميركية كلمتها وتطلب من إسرائيل التوقف فورا، فإن تل أبيب ستواصل حرب الإبادة بأبشع صورها، وقد تصل إلى أهدافها مع الأسف.

هناك أهمية قصوى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، على أن يشار بالاعتراف إلى إقليم هذه الدولة، الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية، وإذا تم ذلك فيصبح من الصعب على نتنياهو تصفية قطاع غزة سياسيا على الأقل. وأنه مهما فعل سيبقى القطاع جزءا من الدولة الفلسطينية بكامل جغرافيته وسكانه وموارده. ومع ذلك يبقى المفتاح لوقف حرب الإبادة بيد واشنطن وهو قرار أميركي حازم، وأن تشعر الولايات المتحدة أنها ستعزل نفسها دوليا مع نتنياهو إن هي واصلت الصمت عنه، او استمرت في إعطائه الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة.

إذا نجحت إسرائيل في تصفية الوضع في قطاع غزة، فهذا لن يقود للاستقرار وسكون ذلك وصفة مجنونة لموجات متعددة من العنف، فالكراهية التي ستخلفها، وهي حتى الآن خلفت منها الكثير، لن تنطفئ بسهولة، وإنما ستتحول إلى موجات تسونامي من العنف، لا في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم كذلك.

اليوم المجتمع الدولي، أو ماتبقى منه، يلمس إلى أين قادته سياسة ازدواجية المعايير، وهو يرى كيف تحولت إسرائيل إلى دولة متوحشة، لأنها تدرك أن الدول الكبرى ستواصل معاملتها وكأنها دولة فوق القانون، صحيح أن الدول الأوروبية تتصرف من عقدة ذنب عميقة تجاه اليهود، ولكن ما ذنب الشعب الفلسطيني. لقد تفهم الفلسطينيون طويلا قصة الذنب هذه، بالرغم أنهم لم يكونوا شركاء في الجرائم الغربية بحق اليهود، وصبروا لا كي ترتد أوروبا عن صحوة ضميرها تجاه اليهود، وإنما ليصحو ضميرهم تجاه الشعب الفلسطيني، الذي دفع ويدفع حتى الآن وعلى شكل إبادة جماعيةثمن فظائعهم في اليهود.

قد يكون الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية قد أخطأت في بعض مراحلها، وحماس ارتكبت حماقة في السابع من أكتوبر من العام 2023، بل ارتكبت جريمة بشعة، ولكن هل يبرر كل ذلك وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي المرعبة في غزة طوال 19 شهرا، هل من المسموح استعادة، واستعارة الأساطير القديمة بكل ما فيها من دموية لتبرير الانتقام؟

على العالم أن يوقف الحرب اليوم الآن، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، لأنه لو ترك هؤلاء المجرمين بدون محاسبة، ستنتقل حروب الإبادة من مكان إلى آخر وستكتوي منها كافة الشعوب بلا استثناء. وعلى حماس أن تدرك لمرة واحدة أنها تتحمل مسؤولية في كل ما جرى ويجري، وأن عليها الانسحاب من المشهد إلى أن تعيد تقييم تجربتها وتعتبر من أخطائها.

لا يصح، وليس من المقبول أن نسمع مثل تصريحات القيادي في حماس أبو زهري البشعة، لأنها تبرر لعصابة نتنياهو الاستمرار في حرب الإبادة، فلا يجوز أن يخرج فلسطيني ليستخف في الدم الفلسطيني، فإذا استخففنا نحن بدمنا فلماذا نطالب الآخرين بوقف حرب الإبادة؟ قليل من الخجل يا أبو زهري، اختفِ واخف وجهك عنوسائل الإعلام إلى الأبد.
 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025