المسؤولية الجزائية للشخصية المعنوية
نشر بتاريخ: 2022-02-11 الساعة: 19:36إعداد : أ . محمد أبو علي
أستاذ العلوم الجنائية و القانون الجنائي
المسؤولية الجزائية للشخصية المعنوية :_
في البداية تتحقق العقوبة عند توافر النتيجة الجرمية الواقعة بسبب فعل مادي قام به الفاعل ( الجاني ) أدى بدوره إلى تحقق نتيجة ما تشكل جرما يعاقب عليه وفقا للتشريعات الوطنية .
فمثلا عندما يقوم شخص بضرب آخر مرديه قتيلا يعاقب بالعقوبة المقررة وفقا للقانون أو إذا هم رجل بفتاة مغتصبها فيعود عليه ما عاد بالسابق . فتقع عليه مسؤولية تحمل نتيجة الضرر الواقع و نتيجة فعله الذي بدوره أدى إلى جريمة حالت إلى ركنها الشرعي الذي يجرم الفعل بعقوبة مقررة . و هذا ما يعرف بالمسؤولية الجزائية
فماذا لو كان الفاعل ( الجاني ) شخصية معنوية و ليس شخص طبيعي فالثاني يمكن أن توقع عليه عقوبات مقررة مثل الحبس أو السجن بحيث لا يمكن أن تقع على الشخص المعنوي .
عندما يرتكب شخص معنوي (شركة أو جهة معينة) جريمة كاملة الأركان و تحقق أثرها في وقوع الضرر على جهة أخرى أو على المصلحة العامة ...الخ , فلا يتصور هنا و من الاستحالة أن تكون الشخصية المعنوية هي بطبيعتها ( كمبنى) من قامت بالفعل الجرمي الذي أدى إلى تحقق النتيجة الجرمية و الضرر الواقع إنما تم هذا الفعل من شخص طبيعي يعمل و متنفذ باسم الشخصية المعنوية هو من قام بهذا الفعل . و انطلاقا من عناصر الركن المادي للجريمة المبدوءة بالفعل و هو المسبب الرئيسي لوقوع الجريمة بصورتها البسيطة فالفاعل هنا ( الجاني ) الذي قام بالفعل هو الشخص الطبيعي ( الموظف أو صاحب الشركة ...الخ ).
و في تعريف الفاعل الذي نص عليه قانون العقوبات في المادة 75 " فاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها "
فمن النص السابق نرى أن الفاعل ( الجاني) هو من قام بإخراج عناصر و أركان الجريمة الجريمة إلى الواقع و التي بدورها أدت إلى إلحاق الضرر بالطرف الآخر ( المجني عليه ) و لكن في الجزء الثاني من التعريف عندما قال المشرع " أو ساهم مباشرة في تنفيذها " بالعودة لشرح الشخصية المعنوية فهي هنا المباشر في تنفيذ الجريمة بصفتها حاملة لاسم الموظف الجاني الذي أقدم بالفعل .
و نستنتج مما سبق أن العقوبات هنا مشتركة ما بين الطرفين وفقا للتكييف الجرمي للواقعة التي حصلت , فمثلا إذا قام شخص بتوقيع عقود مزورة مع شركات أخرى و قام بقبض المال مقابل منفعة للشركة الأخرى لم تتحقق مستخدما توقيع الشركة مثلا و كان مفوض بذلك بنية النصب مثلا فيعاقب الشخص الطبيعي بالعقوبة المقررة له وفقا للقانون في ألأصل أن لا تعاقب الشخصية المعنوية ( الشركة التي يعمل بها ) نتيجة ما اقترفه موظفها لان الشخصية المعنوية هنا حسن النية في التعامل و لكن اشترط قانون الشركات رقم 6 سنة 2008 في المادة 17 " يعتبر كل شريك وكيلا عن الشركة ,,,كما و تلتزم ,,,بكل عمل يؤديه أثناء توليه لأعمالها , إلا إذا كان هذا الشريك غير مخول في عقد الشركة أو أي وثيقة لاحقة لها "
كما فصل قانون العقوبات في المادة 74 "
1"-لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة.
2 -إن الهيئات المعنوية مسؤولة جزائياً عن أعمال مديريها وأعضاء إدارتها وممثليها وعمالها
عندما يأتون هذه الأعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها بصفتها شخصاً معنوياً.
3 –لا يحكم على الأشخاص المعنويين إلا بالغرامة والمصادرة.
إذا كان القانون ينص على عقوبة أصلية غير الغرامة استعيض بالغرامة عن العقوبة المذكورة
وأنزلت بالأشخاص المعنويين في الحدود المعينة في المواد من 22 إلى 24. "
نستنتج من النص أعلاه أن الشخصية المعنوية مسؤولة عن أعمال مدريها و ممثليها ,,, الخ و هي من يقع على عاتقها المسؤولية الجزائية عن أفعال كل منهم و لكن ما نراه من الفقرة الثالثة من ذات المادة " لا يحكم على الأشخاص المعنويين إلا بالغرامة والمصادرة " فلا يمكن بالفعل إيقاع أي من العقوبات الأخرى سوى تلك العقوبتين المقررتين أعلاه " الغرامة و المصاردة " لتصبح هنا شريكة و ساهمت في تنفيذ الجريمة بصفتها المنفذ لوقوع الجريمة .
و بالنظر للمادة 26 من قانون الشركات رقم6 سنة 2008 بعنوان واجبات المفوض نجد بقولها
1"_على الشخص المفوض بإدارة الشركة العادية العامة ,,, أن يقوم بالعمل لصالحها بكل أمانة و إخلاص و أن يحافظ على حقوقها و يراعي مصالحها ,,,
_2 يتحمل المفوض بإدارة الشركة العادية العامة مسؤولية ضمان أي ضرر يلحق بالشركاء سواء باستغلال إسمها أو علامتها لتجاترية أو شهرتها ,,,,,"
نجد أن الشركة هي حسنة النية دائما في التعامل إلا إذا كان تأسيسها في الأصل من أجل الكسب غير المشروع
أما بالنسبة للآراء الفقهية في موضوع المسؤولية الجزائية فهي :
أولا : الاتجاه المعارض للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
و هم أصحاب الاتجاه الكلاسيكي , اللذين يرفضون أن تتحمل الشخصية المعنوية مسؤولية جزائية نتيجة فعل موظفيها مدعمين موقفهم بالمبررات الآتية :_
1_في مجال التجريم : فالشخصية الطبيعية هي المتمتعة بالشخصية القانونية، و الإرادة التي تكون له الأهلية لإكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات
و تتمثل مبررات رفض الاتجاه المعارض لمساءلة الشخص المعنوي في مجال التجريم ما يلي :
أ-طبيعة الشخص المعنوي : و التي تقوم على أساس أن الشخص المعنوي هو افتراض قانوني و ليس حقيقي و واقعي و ليس له أي وجود مادي
ب-عدم توفر الإرادة والإدراك الأشخاص المعنوية : يقوم هذا المبرر على أساس أن الشخصية المعنوية لا تتوفر فيها الإرادة و الإدراك فهي في نهاية المطاف جماد
ج-مبدأ التخصص يحول دون مساءلة الشخص المعنوي جنائيا : الذي يعني أن الشخص المعنوي يستمد وجوده من الغاية التي انشأ من أجلها و أنه لا يكون له أي وجود دون وجود الغاية الرئيسية من وجوده
2 – في مجال العقاب : لأن إيقاع العقوبة على الشخص المعنوي يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة و يتنافى مع وظيفة العقوبة في الردع و الإصلاح
و تتمثل مبررات رفض الاتجاه المعارض لمساءلة الشخص المعنوي في مجال العقاب بالآتي :
أ-طبيعة العقوبات الجنائية : يرى المعارضين لمبدأ المسؤولية الجزائية للشخصية المعنوية : أن أغلب العقوبات التي يتضمنها المشرع الجزائي كالعقوبات السالبة للحرية (الحبس و السجن) تدل على عدم ذهاب إرادة المشرع إلى مسآئلة الأشخاص المعنويين، لأن هذه العقوبات قد وصفت للبشر ولا يمكن إيقاعها على الشخصية المعنوية
ب- عدم جدوى العقوبة بالنسبة للشخص المعنوي: وذلك لكون تحقيق العقوبة لا يحقق الردع و لا يصلحه فأن انتفت الشخصية المعنوية فأن الفرد يستطيع أنشاء غيره تحت اسم آخر
ج- التعارض مع مبدأ شخصية العقوبة:لأن العقوبة في الأصل تمس بكل شخص حقيقي له مصالح في الشخص المعنوي دون تمييز وقد يكون هذا الشخص بريء من الجريمة التي وقعت، الأمر الذي يؤكد أن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي هي خروجا عن الأصل.
ثانيا: الاتجاه المؤيد للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
اللذين يتجهون إلى المطالبة بإيقاع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنويين و قالت أن حجج المعارضين حجج واهية وتفتقد للدقة والموضوعية كما واجهت القائلين بجواز مساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا، عدة صعوبات أهمها الإسناد بوجهيه المادي والمعنوي فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من النظريات:
- الرد على حجج المعارضين: يرى القائلون بهذا الاتجاه أن المعارضين للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي قد أسندوا رفضهم و حجتهم على أساس فهمهم الخاطئ لطبيعة الشخصة المعنوية و هذا الأمر الذي يتحتم إعادة النظر فيما قيل
مدعمين موقفهم هذا بمجموعة من الحجج :
أ-طبيعة الشخص المعنوي لا تتناقض مع تقرير مسؤولية الجنائية:
و هذا الاتجاه يرى أن الشخصية المعنوية ليست افتراض بل لها ما يمثلها قانونا و أن للشخصية المعنوية ذاتي مستقلة و هي موجودة في الحقيقة و لها إرادة و ذمة مالية مستقلة
ب-تمتع الشخص المعنوي بإرادة مستقلة:
و دليل ذلك أن الإرادة المستقلة للشخصية المعنوية هي مجموعة إرادات الأشخاص الطبيعيين المكونين له
ج-مبدأ التخصص لا يحول دون مساءلة الشخص المعنوي:
يرى أنصار هذا الاتجاه أنه على الرغم من كون ارتكاب الجرائم يخرج عن الأهداف المسطرة للشخص المعنوي لا يشكل مبررا لعدم مساءلته حيث أن مبدأ التخصص لا يخرج عن كونه قاعدة إدارية.
د-وجود عقوبات ملائمة للشخص المعنوي:
بحيث يمكن أن يكون عقوبات مخصصة للشخصية المعنوية غير لعقوبات السالبة للحرية كالغرامة أو المصادرة أو الغلق
ر- لا علاقة بغاية العقوبة بالقدرة على ارتكاب الجريمة:
لأن الهدف الأساسي للعقوبة هو الردع و الوقاية وليس فقط التهذيب و الإصلاح
- عدم تعارض مسؤولية الشخص المعنوي مع مبدأ شخصية العقوبة:
لأن العقوبة تقع مباشرة على الشخص المعنوي، حيث إذا مست بأحد من أعضاءه من الأشخاص الطبيعيين وذلك عن طريق غير مباشر بحكم الضرورة كما في الحالة التي يتعدى أثر العقوبة إلى أفراد أسرة الجاني فإذا ثم حبسه ففي هذا حرمان من مورد رزقهم.
m.a