الرئيسة/  تقارير

القدس...مؤشر "البوصلة" الفلسطينية نحو الحرية والاستقلال

نشر بتاريخ: 2021-06-05 الساعة: 15:08

القدس - مراسل وفا- أعادت الأحداث التي تشهدها مدينة القدس المحتلة، منذ شهر نيسان الماضي، أنظار العالم أجمع إلى هذه البقعة التي لا تتجاوز مساحتها 126 كيلو مترا مربعا، والتي تشكّل جوهر القضية الفلسطينية، وعنوان صمود شعبنا الفلسطيني في وجه الاحتلال.

القدس هي مؤشر "البوصلة" الفلسطينية نحو الحرية والاستقلال، التي لم ولن يرضى الفلسطينيون التنازل عن حقهم في كل شبر فيها على مرّ سنوات الاحتلال، الذي حاول وما يزال يحاول طمس هويتها العربية الفلسطينية، الإسلامية والمسيحية، بشتى الطرق والوسائل، فمن مخططات لتهجير أهلها الأصيلون الأصليون وإحلال المستوطنين مكانهم، إلى الجرائم والاعتداءات التي تطال البشر والحجر، وصولا إلى انتهاك حرمة الأماكن المقدسة، والاعتداء على المصلين في أماكن العبادة، كلها تحطمت على صخرة صمود شعبنا في عاصمتهم المحتلة.

وتأتي أسطورة الصمود المتواصل في حي "الشيخ جرّاح" وبلدة سلوان، أمام مخططات الاحتلال بتهجيرهم من بيوتهم، ضمن سلسلة من أساطير الصمود التي تشهد عليها حجارة القدس القديمة منذ النكبة الفلسطينية عام 1948.

فعقب "الانتداب البريطاني" وسحب القوات البريطانية من فلسطين، وتسليمها للعصابات الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه ديفيد بن غوريون بتاريخ 3 كانون أول 1948 إلى إعلان القدس الغربية عاصمة للاحتلال، ونقل "الكنيست" ومقر الحكومة إليها، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية.

وشهدت القدس عام 1964 انعقاد الدورة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني؛ حيث تم صدور الميثاق الوطني الفلسطيني، وتشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وأسفرت "نكسة حزيران" 1967 عن احتلال إسرائيل للشطر الشرقي من القدس، والإعلان عن تطبيق القوانين الإسرائيلية على المدينة وأهلها الفلسطينيين، ليبدأ مسلسل الاستيلاء على الأراضي وضمها إلى القدس الغربية، تحت ما يسمى بـ "القدس الموحّدة"، من ضمنها الاستيلاء على 116 دونما داخل البلدة القديمة، وهدم المباني العربية الفلسطينية المقامة عليها، وإقامة مبانٍ جديدة للمستوطنين.

وفي الرابع من تموز 1967 صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253، الذي ينص على اعتبار الإجراءات الإسرائيلية في القدس باطلة، ويجب إلغاؤها.

وسارع الاحتلال عقب القرار، إلى إجراء إحصاء للسكان، ومنح الموجودين فيها بطاقات هوية خاصة، واعتبرت المتواجدين خارجها غير مقيمين فيها، وحرمتهم من حق الرجوع إليها.

وفي الأول من أيلول من العام ذاته، طالب مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في العاصمة السودانية الخرطوم بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967.

وفي 21 أيار 1968 صدر قرار مجلس الأمن رقم 252، الذي ينص على عدم جواز استيلاء إسرائيل على الأرض بالقوة.

ولم تسلم المقدسات وأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية من جرائم الاحتلال، ففي 21 آب 1969 اقتحم اليهودي المتطرف مايكل دينيس المسجد الأقصى، وأشعل النار عمدًا في الجناح الشرقي للمسجد المبارك، القبلة الأولى للمسلمين، ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أتت النيران على واجهات المسجد، وسقفه، وسجاده، وزخارفه النادرة، وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب سنوات لترميمه، وإعادة زخارفه كما كانت.

 وفي الوقت الذي قامت به حكومة الاحتلال بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأت في إرسال مركبات الإطفاء، هرع المواطنون ومركبات الإطفاء من مختلف المناطق إلى إخماد النيران وإنقاذ المسجد.

وفي 28 كانون ثاني 1976 صدر حكم قضائي إسرائيلي باطل، يسمح لليهود بالصلاة داخل الحرم القدسي الشريف، ضمن محاولات الاحتلال المتكررة لطمس هوية المكان العربية الإسلامية.

ومرة أخرى، أصدر مجلس الأمن في 20 تموز 1979 قرارا جديدا يتعلق بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بما فيها مدينة القدس. ولكن هذا القرار، كغيره من القرارات التي سبقته قوبل بالتجاهل من حكومة الاحتلال، التي تعتبر نفسها فوق "القانون الدولي".

ومنح الصمت الدولي أمام جرائم الاحتلال واعتداءاته المتكررة في القدس المحتلة، الضوء الأخضر للكنيست الإسرائيلي وحكومة الاحتلال بإصدار ما يسمى بالقانون الأساسي في 30 تموز 1980 حول ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية واعتبارها "عاصمة موحّدة لإسرائيل".

وكعادته، أصدر مجلس الأمن قرار رقم 478 في 20 آب من العام ذاته، ينص على عدم الاعتراف بـ "القانون الأساسي" بشأن "القدس الموحّدة"، ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها.

وفي 5 حزيران 1980 دعا مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في العاصمة العراقية بغداد، المدن والعواصم الإسلامية إلى التآخي مع القدس.

وفي 28 آب 1981، تم الكشف عن نفق يمتد أسفل الحرم القدسي الشريف، يبدأ من حائط البراق، في إطار استهداف الاحتلال المستمر للمسجد الأقصى.

وفي 11 نيسان 1982 أطلق جندي من جيش الاحتلال يدعى هاري غولدمان النار بشكل عشوائي داخل مسجد قبة الصخرة المشرفة، ما أدى لاستشهاد مواطنين فلسطينيين، وإصابة أكثر من ستين آخرين.

ولاحقا لمحاولات الاحتلال طمس الهوية العربية الفلسطينية للمدينة المقدسة، قرّر مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في 1 تشرين ثاني 1983 وضع البلدة القديمة في القدس المحتلة ضمن "التراث العالمي المهدد بالخطر".

ومع اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى في الثامن من كانون الأول عام 1987، تحولت أزقة القدس وشوارعها وحاراتها لساحة مواجهة يومية مع قوات الاحتلال، كغيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأسفرت الانتفاضة على مدار 6 سنوات عن ارتقاء أكثر من 1550 شهيدا وأكثر من 70 ألف إصابة.

وكان يوم الثامن من تشرين أول 1990 شاهدًا على مجزرة مروّعة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق أبناء شعبنا في المسجد الأقصى، والذين هبّوا للدفاع عن مسجدهم أمام اقتحام للمستوطنين، ما أدى الى ارتقاء 26 شهيدًا وإصابة المئات.

وفي 13 أيلول 1993 وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاق "إعلان المبادئ" الفلسطيني الإسرائيلي (اتفاقية أوسلو) في البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن.

ووفقًا للاتفاق، أحيلت قضية القدس إلى ما سمي بمرحلة "الحل النهائي"، التي كان من المقرر التوصل إليها بحلول عام 1999. وطالبت القيادة الفلسطينية بالقدس الشرقية التي احتلت عام 1967 عاصمة للدولة الفلسطينية القادمة، واقترحت ضمانات مشتركة للوصول إلى أماكن العبادة الدينية، بما فيها حائط البراق، ليتمكن اليهود من الصلاة، مع التأكيد على ضرورة السيادة الفلسطينية المنفردة على الحرم القدسي الشريف. هذا وقد رفضت القيادة الفلسطينية منحها أي قطعة أرض أخرى خارج القدس تطلق عليها إسرائيل مجازًا القدس لتكون ورقة في المفاوضات بشأن القدس الشرقية. كما طالبت بإزالة كافة المستوطنات التي تعزل القدس الشرقية عن الضفة الغربية.

ورفضت إسرائيل الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية القادمة، واعتبرت أن المسألة محسومة دينيًا وقانونيًا بعدما أعلن الكنيست القدس "عاصمة أبدية وموحّدة لدولة إسرائيل" عام 1980، وضمَّن ذلك القانون الأساسي للمدينة.

وفي 25 تشرين أول 1994 وقّعت الأردن وإسرائيل اتفاقية "وادي عربة" التي تعهدت فيها إسرائيل باحترام الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس؛ كما تعهدت فيها بإعطاء أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن عند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي.

وأدارت إسرائيل ظهرها للاتفاقيات ونكثت بتعهداتها، وفي 24 أيلول 1996 افتتحت نفقًا يمتد بطول 450 مترًا أسفل المسجد الأقصى المبارك والعقارات الإسلامية المحيطة به، ما أشعل هبة شعبية فلسطينية عرفت بـ "هبة الأقصى"، والتي أدت إلى استشهاد 62 فلسطينيا، وإصابة مئات آخرين.

وعادت حكومة الاحتلال لتضع العراقيل أمام الوصول إلى حل سلمي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وتنصلت من التزاماتها في "اتفاق أوسلو"، وما تبعه من مؤتمرات، وجولات تفاوضية.

وفي 28 أيلول 2000 اقتحم رئيس حزب "الليكود" في حينه أريئيل شارون، المسجد الأقصى المبارك، بحراسة 3 آلاف من جيش وشرطة الاحتلال، ووقعت مواجهات بين المصلين وقوات الاحتلال أسفرت عن
استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة المئات، لتندلع شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية من القدس، وتعم سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي عرفت بـ "انتفاضة الأقصى".

 وأسفرت الانتفاضة الثانية عن استشهاد أكثر من 4400 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 48 ألفا آخرين، بعد أن اجتاحت دبابات الاحتلال المدن الفلسطينية، واستخدمت الطائرات الحربية في قصف الفلسطينيين.

وصادقت حكومة الاحتلال برئاسة أرييل شارون، الذي وصل لسدة الحكم في حينه، على بناء جدار الفصل العنصري في نيسان 2002، وبوشر البناء في الـ16 من الشهر ذاته، ليطوق مدينة القدس، ويعزلها عن الضفة الغربية، وينشر حواجزه الاحتلالية في محيطها، ويمنع الفلسطينيين من الوصول إليها.

وخلال سنوات الانتفاضة الثانية، تكررت اعتداءات الاحتلال على القدس والمقدسيين، وعمل الاحتلال على هدم منازل الفلسطينيين والتضييق عليهم بشتى الطرق في محاولة لتهجيرهم، وإفراغ المدينة من الوجود العربي الفلسطيني.

كما تكررت اقتحامات وزراء الاحتلال والمستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، وسط مخططات لسن قوانين تتعلق بالتقسيم المكاني والزماني للمسجد.

وفي 14 تموز 2017، أغلقت قوات الاحتلال المسجد الأقصى، ومداخل البلدة القديمة، ومنعت إقامة صلاة الجمعة، في سابقة منذ احتلال القدس عام 1967، لتندلع معركة "البوابات الإلكترونية" التي حاولت حكومة الاحتلال تثبيتها على مداخل المسجد.

وبعد رفض شعبي ورسمي فلسطيني لهذا الإجراء، ورافقه تضامن عربي وإسلامي؛ واعتصم أبناء شعبنا أمام مداخل "الأقصى"، مما اضطر حكومة الاحتلال للتراجع عن البوابات الإلكترونية في 25 تموز من ذات العام، في انتصار جديد لصمود أبناء شعبنا في القدس المحتلة.

وفي السادس من كانون أول 2017، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أن بلاده تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وستنقل سفارتها إلى هناك، في مخالفة لما جرت عليه السياسة الأميركية منذ فترة طويلة.
ونقلت الولايات المتحدة الأميركية رسميًا سفارتها في إسرائيل من تل ابيب إلى القدس
 في 14 أيار 2018، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ70 لنكبة فلسطين.

وقوبل الإجراء الأميركي برفض فلسطيني ودولي واسع، وانتفض الفلسطينيون نصرة لعاصمتهم المحتلة، لترتكب قوات الاحتلال الاسرائيلي "مجازر" بحق أبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، خلال الفعاليات الاحتجاجية على نقل السفارة الأميركية، أسفرت عن استشهاد 55 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 2800 على الأقل.

وخرج ترمب مرة أخرى في 28 كانون ثاني 2020، ليعلن عن خطته المزعومة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، أو ما عرف بـ "صفقة القرن"، والتي نصت في بنودها، أن القدس ستبقى عاصمة دولة إسرائيل، وينبغي أن تظل مدينة غير مقسمة، على أن تكون عاصمة دولة فلسطين ذات السيادة في جميع المناطق الواقعة شرق وشمال جدار الفصل العنصري، بما في ذلك كفر عقب، والجزء الشرقي من شعفاط وأبو ديس، ويمكن تسميتها باسم القدس أو أي اسم تحدده دولة فلسطين!.

ورفض شعبنا وقيادته الخطة الأميركية برمتها، مؤكدين أن القدس كانت وستبقى عاصمة دولة فلسطين، ولن يستطيع أحد أن يمحي هذه الحقيقة.

ومنح تماهي إدارة ترمب مع حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، ضوءًا أخضر للاحتلال ليواصل جرائمه بحق أبناء شعبنا، وللمضي قدمًا في محاولات تهويد مدينة القدس وتهجير الفلسطينيين منها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل أمام صمود ونضالات شعبنا في مختلف أماكن تواجده حتى نيل حريته واستقلاله وإقامة دولته المستقلة، وفي القلب منها القدس، العاصمة الأبدية.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024