الرئيسة/  ثقافة

جيل النكبة بين فلسطين والشتات لقاء مع الكاتب الموسوعي فوزي حميد

نشر بتاريخ: 2021-05-27 الساعة: 03:32

إعلام فتح – دمشق – مخيم اليرموك : 

كتب أوس ابوعطا

من ألمِ نكبة شعبنا الفلسطيني ، والغصّة والحرقة المُتقدةِ في حشاشتهِ، ومن تخاذل وتواطؤ أنظمة عربية وقوى استعمارية في العالم ، كانت المؤامرة الكبرى.

في شهر أيّار/مايو من العام 1948 تم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني مما يزيد عن 530 قرية وبلدة، و662 ضيعة وقرية صغيرة فلسطينية، وكان عام انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، و إعلان قيام الكيان الصّهيوني على بعض الأراضي الفلسطينية . وبعد مرور 72 عام على النكبة، مازال الفلسطيني يحلم بالعودة لبيته وأرضه ومسجده وكنيسته بل وما يزال البعض يحتفظ بمفتاح بيته و صكوك ملكيته للأرض كنوع من التمسك والتشبث بحق العودة للأرض والوطن والمنزل، تلك الحقوق التي لا تسقط بالتقادم.

 الكاتب الموسوعي الفلسطيني فوزي حميد، عضو اتحاد الكتاب العرب، الذي ألّف حوالى خمسة عشرة كتابا عن وطنه السليب، من مواليد قرية دلاته شمال صفد 1938، وبالرغم من تقدمه بالسن وبالرغم من الأمراض التي تنهش جسده، ما انفك يتكلم عن قريته بشغف وحنين وشوق لا يتوقف، ففلسطين جرحه النازف وعن يوم النكبة يقول " إنه يوم بؤسٍ ويوم شؤمٍ إنه يوم النكبة". وفي وصف قريته التي يعرفها كما يعرف باطن كفه يتابع" دلاته قرية متواضعة تقع في شمال صفد، تشتهر بزراعة التين والزيتون والكرمة وبعض الفواكه، مساحتها حوالى عشرة آلاف هكتار، عدد سكانها قبل اللجوء كان حوالى 400 نسمة، تحوي مسجدا وآثارا رومانية قديمة، وصورتها في ذاكرتي محفورة بعمق".

وعن رحلة الخروج إلى سوريا قال بغصة بيّنة " كنا نتعرض للقصف الهمجي بشكل مستمر أثناء عودتنا من المدرسة من مستوطنة عين زيتيم، فنلجأ للمغارات للاختباء فيها وأيدينا التي تحمل زجاجة الحبر" المحبرة" ترتجف هلعا، وعليهِ، أخطرنا جيش الإنقاذ أنه علينا الخروج، واستجبنا لطلبهم بعدما تجمعنا مع أقاربنا وماشيتنا، ثم يممنا شطرنا صوب لبنان إلى بنت جبيل وبقينا أكثر من شهر كامل ونحن نسير، نقطع الجبال والتلال والوديان والمرتفعات والمنحدرات ونقاسي تقلب الطقس سيرا على الأقدام، بلا طعام أو شراب، وكان الرجال يطرقون أبواب البيوت في القرى التي كنا نمر خلالها و " يشحدون" يتسولون لنا بعض التمر والماء لسد رمقنا و إطفاء حرقة عطشنا، وعندما وصلنا حدود سوريا بقينا ما يقارب أسبوعا كاملا تحت ظلال الأشجار، غطاؤنا السماء وفراشنا التراب، نقضي أوقاتنا في العراء، ولم نكن نملك حتى خيمة، نتناول الزيتون المتساقط من الشجر، ونجمع ما تيسر لنا من شجر العليق الشائك، ثم سمحوا لنا دخول مدينة القنيطرة التي قاسينا فيها البرد القارس، اتجهنا نحو قرية جاسم في حوران، واستقبلنا الأهالي استقبالا أخويا وأكرموا وفادتنا، وقد تاهت ماشيتنا في الطريق وفقدنا ما تبقى لنا من رزقنا، وبعد أن أمضيت سنوات الإعدادية في درعا، ثم اتجهنا إلى وجهتنا الأخيرة في مخيم اليرموك، وبعد نيلي الشهادة الاعدادية، محققا المركز الثاني على مستوى المحافظة تم تعيني موظفا في وزارة الدفاع السورية، ورغم عملي تابعت دراستي، وحصلت على الشهادة الثانوية ثم الشهادة الجامعية فرع الجغرافيا".

 

ذاكرة الطفل تعجّ بالأسى

 

أما عن ذاكرة الطفل الذي كان يبلغ من العمر عشر سنوات فقط، ذاكرته الجريحة عن وطنه الجريح فلسطين، التي أثرت أيما تأثير بالغ على حياته وبالتالي على نصوصه و كتاباته وأدبه وأبحاثه يتابع قائلا بحرقة واضحة " لقد نهجت هذا المنهج في الكتابة والتأليف حباً وهياماً بفلسطين والقدس وترابها وشجرها، وهذا العمل كان يقربني من وطني المغتصب أكثر، ومن أهم الكتب التي أنجزتها أذكر على سبيل المثال لا الحصر، فلسطين التاريخية و الموسوعة الوطنية للتراث الفلسطيني".

ختاماً، بعد مرور أكثر من سبعة عقود على النكبة، مازال الشعب الفلسطيني متمسك بحق العودة لوطنه السليب، وما يزال الفلسطيني يطلق على بناته من الجيل الثالث بعد النكبة أسماء مدن فلسطينية كبيسان وإيلياء ويافا وجنين كنوع من التأكيد على الحق الذي لا يموت.

وفيما يلي نص اللقاء الذي أجراه معه الصحفي أوس أبوعطا. 

- بادئ ذي بدء، هلا حدثتنا عن مسقط رأسك قرية دلاتة، ماهي أبرز معالمها وما خصال أهلها وبم تشتهر؟

*أنا من مواليد قرية دلاته شمال صفد 1937، وهي قرية ريفية متواضعة تقع في شمال صفد على بعد 6 كم، ترتفع 850 م عن سطح البحر، تشتهر بزراعة التين والزيتون والكرمة والرمان، مساحتها حوالى عشرة آلاف هكتار، عدد سكانها قبل اللجوء كان حوالى 400 نسمة، تحوي مسجدا وآثارا رومانية قديمة، وصورتها في ذاكرتي محفورة بعمق.

كان فيها صناعات يدوية خاصة بمهنة الفلاحة وصناعات غذائية بيتية، بلغ عدد سكانها قبل النكبة نحو 418 نسمة، فيها نحو 70 منزلا دمرها الاحتلال بالكامل في عام 1948.

كانت آخر قرية خرج اهلها من فلسطين في الشهر الحادي عشر من عام النكبة، حيث هُجر جميع سكان القرية إلى سوريا ولبنان.

- بما أنك شاهد حي على النكبة، خرجت من هناك وكنت في سن  الحادي عشر -أطال الله في عمرك-  هلا تحدثنا عن أهوال يوم النكبة؟ وما المجازر التي ارتكبت في قريتك أو بالقرب منها؟

*أذكر جيداً أن قريتي كانت مركزاً قيادياً لفرق جيش الإنقاذ من الجيش السوري. كانت القرية تتعرض إلى رشقات بالسلاح من مستوطنة (عين زيتيم) وتوقع خسائر بالأرواح والممتلكات. وسقط فيها عدد من الشهداء منهم  الشهيد محمود صالح حميد والشهيد حسن القاسم وعدد من أفراد جيش الإنقاذ الذين قاموا بحماية القرية بمساعدة رجال القرية وشبابها حتى الشهر الحادي عشر من عام النكبة.

عندما تم احتلال القرية وخرج أهلها مذعورين لارتكاب الصهاينة عدداً من المجازر في عين الزيتون والصفصاف والجش وغيرها. بعدما  قاموا بتصفية الشباب في الساحات العامة، وخرجنا سيراً على الأقدام قاطعين أرض لبنان حتى وصلنا إلى حوران في سوريا لا نحمل طعاما ولا شرابا.

- ما المحرض الرئيسي الذي حثكم للخروج من أرض فلسطين، وإن عاد الزمن للوراء، هل كنتم ستكررون نفس الفعل؟

*إن الدافع الرئيسي لخروجنا من أراضينا هو المحافظة على أرواحنا، بسبب الإرهاب الوحشي والمجازر التي ارتكبتها عصابات الهاغاناه وشتيرن والأرغون.

وبعد مرور اثنين وسبعين عاما على النكبة مازلنا مصممين على العودة إلى الوطن بهمة عالية وإرادة قوية، ولا يثنينا عن العمل الوطني أي رادع مهما بلغت التضحيات، كوننا نؤمن إيمانا قطعيا بحقنا في أرضنا ونؤمن بزوال "دولة اسرائيل" عاجلا أو آجلا بوعد من الله ورسوله. 

- بم تفسر إجبار المقاتلين الفلسطينيين المنسحبين من مدنهم وقراهم على تسليم أسلحتهم لقيادة الجيش العراقي في جنين؟ ومن ثم انسحاب جيش الإنقاذ دون إنقاذ فلسطين أو حتى إعادة السلاح لأصحابه؟

*قبل النكبة لم تكن الدول العربية حرة ولا تملك حتى قرارها ولما طرحت قضية انقاذ فلسطين كانت قد وقعت الواقعة. ومع ذلك أرسلت سوريا والعراق ومصر وغيرهم عدة ألاف من الجنود لحماية فلسطين وإنقاذها.فكان الخطأ بتسليم القيادة لملك الأردن، وكانت مشكلة ( ماكو أوامر ) عند الجيش العراقي والأسلحة الفاسدة عند الجيش المصري.ضف على ذلك لم يكن الجيش متماسكا ولم يقدر على حماية وإنقاذ فلسطين وشعبها من العصابات الصهيونية المجرمة.

فكان جيش الإنقاذ تأتيه الأوامر بالانسحاب فور  تحقيقه نصرا في معركة ما ، أما رجال فلسطين فكانوا يحملون سلاحا فرديا للدفاع عن النفس وكثيرا ما تم إجبارهم على تسليم السلاح إلى قيادة جيش الإنقاذ المتواجد في مناطقهم.

- على عاتق من تقع المسؤولية الوطنية و التاريخية والأخلاقية في سقوط فلسطين بيد العصابات الصهيونية؟

*كثيرون هم الذين ساهموا بسقوط دولة فلسطين وحدوث النكبة وخاصة بريطانيا وغدرها بنا بعد انتهاء الانتداب وتسليحها للعصابات الصهيونية ومن جهة أخرى الأنظمة العربية التي كان معظمها تحت الانتداب.

- بعد مرور 73 عاما على خروجك من دلاتة، أيزال لديك بصيص أمل للعودة؟

*إيماني بالعودة كإيماني بشروق الشمس كل صباح، فالظلم لا يدوم والله جلّ شأنه لا يقبل الظلم، فالساعة قريبة بقوله تعالى " وإذا جاء وعد الآخرة جئنا بهم لفيفا". فتجمع اليهود في فلسطين دليل على قرب نهايتهم وهم يدركون ذلك في توراتهم. رغم الدعم الأمريكي والغربي وبعض المنبطحين من العرب. 

أما عن أملي بالعودة فهو مرتبط بعمر الانسان، فإن لم أعود فسيعود أبناؤنا أحفادنا وما ضاع حق وراءه مطالب.

- ماهي رسالتك لقادة الفصائل الفلسطينية 

*لابد من وقفة تأمل حقيقية تتناسب مع واقع الأحداث التي نمر بها لمواجهة التحديات للوجود الوطني الفلسطيني، فكل فلسطيني مسئول إن كان في الوطن أو الشتات وهنا يتوجب علينا التمسك بالثوابت الفلسطينية، فلسطين من نهرها إلى بحرها، وتعزيز الانتماء ورفض التوطين والوطن البديل والتمسك بالقدس عاصمة أبدية والوقوف بحزم أمام صفقة القرن، وتقرير الوحدة الوطنية تحت اسم منظمة التحرير الفلسطينية وإنهاء الانقسام البغيض وتقوية التنظيمات القتالية والمقاومة تحت علم فلسطين والابتعاد عن المهاترات والتخوين والشتائم بين الفرقاء " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".

- أخيرا ما هي رسالتك للجيل الفلسطيني الصاعد؟

*يا أبنائي وأحفادي أنتم عماد الوطن وحماته، فاصبروا وصابروا ورابطوا و لا تيأسوا من رحمة الله فمن صبر ظفر ومن قنط من رحمته كفر.

وأعلموا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وأن فلسطين أمانة في أعناقكم وهي تحتاج لبذل وتضحيات ومقاومة بكل الوسائل المشروعة "

"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

· تعريف بالكاتب

 الكاتب الموسوعي الأستاذ فوزي حميد، مواليد قرية دلاته شمال صفد ، بدأ  التأليف والكتابة في العام 1985 وهو عضو في اتحاد الكتاب والصحفيين منذ ذاك العام، وعضو في اتحاد الكتاب العرب لجنة الدراسات والبحوث منذ العام 1995 ومن أشهر مؤلفاته ( عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة 1993، الجغرافية القرآنية.. اعجاز علمي، حقائق وأباطيل في تاريخ بني اسرائيل، الإنسان درّة الله في خلقه1995، الاستنساخ البشري بين التحليل والتحريم1999، سوريا مهد الحضارات ومنطلق التاريخ 2001، فلسطين التاريخية .. الأرض الانسان الحضارة 2003، احذروا الموبقات.. التدخين المخدرات الميسر الخمر، موسوعة علماء بلا حدود مجلدان، موسوعة التراث الوطني الفلسطيني2009، علم الأبدان بين العلم والايمان 2011، استراتيجية الخطر الصهيوني في معتقداتهم، صراع الوجود بين العرب واليهود 2020.

 

 

 

 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024