الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الدول المانحة و"الرؤية الجديدة" للاقتصاد الفلسطيني

نشر بتاريخ: 2020-10-07 الساعة: 20:11

الدكتور سعيد صبري*

ما يقارب أكثر من 37 مليار دولار حجم المساعدات والمنح المقدمة من قبل الدول المانحة للسلطة الفلسطينية منذ تاريخ انشائها عام 1994 ولغاية 2018، وتعتبر الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي اكبر الداعمين للسلطة الفلسطينية حسب احصائيات رسمية تم نشرها سابقا، وقد صُرفت إلى حدٍ كبير على بناء المؤسسات الفلسطينية والنمو الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، بالاضافة الى دعم ميزانية السلطة من رواتب وغيرها.

 

بينما تبقى 61% من مساحة الضفه الغربية خاضعه للسيطرة الاسرائيلية الكاملة، ذات الاغلبية الأعلى في عدد السكان من المستوطنين التي تعتبر مناطق محرومة من التنمية الاقتصادية. وفي الوقت ذاته يعاني الاقتصاد الفلسطيني من حاله مزرية، حيث يخضع لعمليه ممنهجة لتهجير الاستثمار والمواطن وإضعاف قدرة للاقتصاد على المقاومة والبقاء.

 

 تشير دراسة حديثة نشرت من قبل مؤسسات دولية الى ان ما يزيد على 65% من حجم المساعدات والمنح المقدمة من دول العالم ينتهي بها المطاف في الاقتصاد الاسرائيلي، ويضاف لهذا البند الى البنود العديدة التي تهيمن اسرائيل من خلالها على اقتصادنا الوطني.

 

اما في القطاع المصرفي يصل حجم الأصول في هذا القطاع  إلى 15 مليار دولار، ونسب الإقراض-الودائع حوالي 50%، تذهب معظمها للتسهيلات التجارية وقطاع العقارات، ونسبة قليلة منها تذهب للقطاعات الصناعية والإنتاجية الأخرى، حيث وصلت مديونية السلطة والموظفين معا للبنوك  4.3 مليار دولار عام 2019، وذلك يمثل نسبة 38% من إجمالي التسهيلات البنكية المعطاة.

 

في ظل الاستعراض السريع للواقع الاقتصادي والتحديات الاقتصادية التي يعاني منها سوق صغير ناشئ كسوق فلسطين، تثار مجموعة من الاسئلة والتساؤلات عن مستقبل هذا الاقتصاد الذي كان يعاني من الشح  قبل أزمة كورونا والآن يعاني من وضع صعب ومزر نستطيع وصفه بـ "الكارثي" المؤدي نحو "الانهيار الاقتصادي" في ظل شح المصادر المالية التي كنا نعتمد عليها في الماضي القريب من مساعدات من دول غربية او عربية.

 

لا اعتقد جازما ان دول العالم ما بعد كورونا لديها الامكانيات المادية لدعم فلسطين اقتصاديا كما قدمت لنا الدعم سابقا، ولا اعتقد في ظل المتغيرات السياسية العالمية والعربية أن يتوفر دعم مادي مماثل لما تلقيناه سابقا. وقد قضينا 26 عاما ولم ننجح في بناء اقتصاد وطني مكافح للأزمات، فهل نحن الآن وفي ظل الشح المالي وتراكم الديون من رواتب موظفين والتزامات حكومية وأزمة كورونا أن نبني اقتصادا وطنيا سيواجه الهجمه الشرسة على اقتصادنا ووطننا والمواطن؟

 

العصا السحرية "رؤيه مستقبلة جديدة": إنقاذ الاقتصاد سيؤدي لإنقاذ المواطن: سأستعرض نماذج ناجحة من التاريخ قد نتشابه بواقعها مع بعض التغيرات في الحقبة الزمنية، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الدول بإعادة صياغة اقتصادها وخرجت بصياغة مبادئ أصبحت قوانين لإنشاء اقتصاد ناجح، يعتمد على خرق نمو اقتصادي متصاعد يتناسب مع الزيادة في عدد السكان والاستفادة من المصادر المتاحة محليا ـ وقد اطلق عليها "متطلبات"  لإعادة إحياء الاقتصاد، وقد حققت تللك المتطلبات ما يلي:

 

أولا: استطاعت أن تحقق معدلات مرتفعة ومستدامة في النمو الاقتصادي.

 

ثانيا: حققت تنمية مستدامة اقتصادية- واجتماعية عادلة.

 

ثالثا: تناغمت مع موجة التغييرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي.

 

فما هي المتطلبات وهل نستطيع أن نعمل على تنفيذها؟ نحن الآن بأمس الحاجة الى اعادة صياغه أهدافنا الاقتصادية بما يتناغم مع المتطلبات والبدء بالذات أولا والبيت الفلسطيني الداخلي لإعادة صياغة للمعايير التي ستخدم ديمومة العمل للأجيال القادمة.

 

إن المتطلبات الثلاثة المطلوب العمل عليها وطنيا تتلخص فيما يلي:

 

أولا: تعزيز الوجود لدولة فعالة ذات هيكلية قوية ومتحدة تستطيع أن تضمن حماية للفرد الفلسطيني والجماعات، في كافه المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والدينية، وأن يكون النهج الديمقراطي نهجا لها. كما أنه يجب من الحكومة أن تمارس الشفافية في أعمالها وأن تكون خاضعة للمساءلة من ممثلي الشعب .  

 

ثانيا: ان تتبع الحكومة وكافة الهيئات التابعة لها للقانون كمرجعية لعملها، وأن تمارس مبدأ الكفاءة في عملها، وأن تتحمل كافه المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية تجاه الشعب بمهنية عالية وهذا يتضمن المؤسسات التالية:  التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، وأن نتميز بالمهنية العاليه بالعمل والاعتماد أولا واخيرا على الكفاءة كمعيار للعمل.  

 

ثالثا: إنشاء بيئة سليمة وآمنة للأنشطة الاستثمارية والأعمال التجارية، وحماية حقوق الملكية، وتوفير بيئة تنظيمية عادلة وفعالة، ومكافحة الفساد، وتعزيز التوزيع العادل لعوائد النمو، بما في ذلك توفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة. سعيًا نحو استقطاب مستثمرين أو استقطاب ممولين.

 

نحن اليوم  بحاجة إلى صياغة العلاقة مع الممولين مجندين "برؤية جديدة"  تتجاوب مع الواقع الجديد، نظام الشراكة مع الدول المانحة، وبحاجة الى صياغه العلاقة والمتطلبات المحلية بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة. وفي هذا الاطار فإنني اقترح أن يتم ترسيم العلاقة بالاطار التالي:-

 

أولا: العمل على البدء بإعادة هيكلة المؤسسات الفلسطينية وتنفيذ اصلاحات بهدف رفع الأداء المالي المهني  بما فيها النظام الضريبي والجمارك لجعله يتناسب مع المتطلبات العالمية حسب المؤشرات المالية لنظام الشفافية العالمي، وأيضا العمل على إعادة صياغة إطار للنظام القضائي أيضا.

 

ثانيا: الطلب من الجهات المانحة العون لتدعيم إعادة الهيكلة الادارية والتنظيمية والتنفيذية في السلطة.

 

ثالثا: العمل مع الدول المانحة على تشجيع الشراكات مع المؤسسات المختلفة الممثلة للقطاع الخاص وشركائها بالقطاع العام.

 

رابعا: العمل مع الدول المانحة على خلق تكامل اقتصادي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

خامسا: تطوير آلية داعمة مع الدول المانحة لدعم مدينه القدس باستحداث صندوق داعم لإعادة بناء القدرة الانتاجية للاقتصاد المقدسي لتعزيز الميزة التنافسية، وإعاده تفعيل المؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة.  

 

 سادسا: تعزيز وتطوير دور القطاع المصرفي الفلسطيني في تمويل الأنشطة الاقتصادية بتطوير أدوات وآليات وحوافز من قبل سلطة النقد الفلسطينية لصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة ودعم الريادة الاجتماعية المبتكرة التي تتمثل في إغناء المجتمع بحلول تكنولوجية خلاقة .

 

النتيجة:- العمل ضمن الاطار المقترح سابقًا سيؤدي الى ارتفاع بمعدل النمو الاقتصادي من معدله المنخفض الحالي البالغ 1%  الى قرابة 5% سنويا ليستمر لمدة قد تصل الى 10 سنوات قادمة وسيتضاعف حجم الاقتصاد، أي يعني سيرتفع نسبة نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ما نسبته 60% اي من 806دولارت حاليا الى 1290دولارا.  

 

لنصنع وطنا يحتذى به العالم كنموذج رائد، ويبقى نموذجا تفتخر به الأجيال القادمة، فلنوحد الصفوف ونبني رؤية جديدة موحدة.

 

 مستشار اقتصادي دولي- وشريك وممثل اقليمي لصندوق المبادرات- فاستر كابتل- بدبي*

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024