الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الأمن القومي العربي

نشر بتاريخ: 2020-07-19 الساعة: 09:23

موفق مطر

تثبت الأحداث للأشقاء العرب الذين استهانوا بنظرية وحدة الأمن القومي العربي وانعدام قابليته للتجزئة أن ذهابهم نحو تشكيل كيانات أمنية خاصة ، أو كتل أمنية هشة كانت سببا لتشجيع قوى اقليمية ودولية على استباحة هذه الدولة العربية في المشرق او تلك في المغرب العربي .

ظن كثير من الحكام العرب وقادة مؤسساتهم الأمنية أننا نخوفهم  أو نستدرجهم ليتعاونوا معنا ويفتحوا لنا حدود بلادهم لنمارس كفاحنا الوطني المشروع ، اذ فشل  هؤلاء في تقدير مدى الايمان العميق بالعروبة ووحدة مصير الشعوب العربية ، الذي أسس لأن يتصدر مبادئ حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح  بأن الثورة الفلسطينية عربية القلب فلسطينية الوجه ، وهذا ما جسده قادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية عندما كانوا يلتقون مع رؤساء وملوك وأمراء وقادة احزاب ومنظمات شعبية عرب ، فقياداتنا السياسية عندما أكدت ومازالت تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية وان أمن الدول العربية وشعوبها مرهون بإستراتيجية امنية عربية ، وبقناعة أصحاب القرار ألأول فيها بضرورة توحيد جهودهم والتقاء أهداف مخططاتهم على مبدأ حماية الكل العربي من خلال حماية  الجزء العربي ، وان الدفاع عن الجزء العربي بقوة وفاعلية تدفع الطامعين لإعادة حساباتهم  سيؤمن دفاعا وقائيا وفعالا عن الكل العربي بغض عن الجغرافيا، وهذا أشبه بسلسلة فولاذية تشد مرساة سفينة عظيمة لا يمكن تـأمينها وسط انواء عواصف وأعاصير وأمواج إن كانت احدى حلقاتها ضعيفة أو مكسورة ، فأمن كل دولة عربية واستقرارها واستقلالها مرتبط بأمن دولة عربية اخرى حتى لو لم يكن بينهما حدود مشتركة أو كان بينهما دول عربية تمتد على مسافة آلاف الكيلومترات ، فأمن بغداد لم يكن منفصلا في منظورنا ورؤيتنا عن أمن القاهرة وتونس وصولا الى الرباط ، وأمن دمشق لم يكن منفصلا عن أمن  الرياض وصنعاء والخرطوم وعُمان ، وأن أهداف المشروع الاستعماري ألاحتلالي الاستيطاني العنصري الصهيوني يتجاوز جغرافية فلسطين وتدمير أركان الاستقرار وحتى اسباب الحياة للشعب الفلسطيني .

لو نظرنا الى خريطة الدول العربية ( الوطن العربي ) من مشرقه الى مغربه ومن شماله حتى جنوبه سنرى كيف اضحت دولنا العربية محط اطماع كبار وصغار على حد سواء بنفس الوقت الذي تتركز فيه حملة استعمارية جديدة مركزة على قلب الوطن العربي فلسطين ، فجغرافيا بلاد العرب وأوطانهم التي تكمن فيها الثروات الطبيعية والممرات والمواقع الاستراتيجية تتآكل بفعل عوامل داخلية وانقسامات  وصراعات على السلطة حفزت دول مجاورة على الانقضاض لنيل أكبر حصة في ظل صراعات داخلية في هذه الدولة او تلك ، وصراعات هذه الدولة أو تلك مع شقيقتها  المجاورة او البعيدة .

التآكل الذي نشهده لا يتحمل المسئولية عنه ساسة رسميون رقم واحد وحكام في دول عربية  وحسب ، بل يشاركهم المسئولية أحزاب وطنية وقومية عربية انكفأت طواعية وخرجت من ميدان المواجهة الى مدرجات المتفرجين تتبارز بسيوف التنظير والشعارات الجافة الخاوية ، احزاب وقوى حاكمة ومعارضة لا مبرر أبدا لضعفها وانعدام قدرتها على تكوين وعي متقدم لمفهوم الأمن القومي العربي كمصير، والعروبة كثقافة ، وانسحابها من ميدان المواجهة المباشرة مع المشروع الصهيوني ، وتمكين مستخدمي الدين توأم المشروع الصهيوني ( جماعات الاسلام السياسي) من احتلال مواقعها بين الجماهير ...هذه الجماعات التي اثبتت لكل من لديه شك بانتماءاتها وولاءاتها أنها ليست اكثر من ( حصان طروادة ) لضرب قلاع الدول العربية من الداخل وتسهيل فتح ابوابها للغزاة ، فهؤلاء لا يعترفون بالوطنية ولا بالقومية ولا بالعروبة ولا بالإنسانية ، ولا يعنيهم إلا أمن جماعاتهم الموزعة كخلايا سرطانية في دول الوطن العربي.

لا يجوز الاستهانة بأي خطر يهدد أمن دولة عربية كبرى كانت أو صغرى ، والعربي الذي يعتقد أن هذه المعركة أو تلك هي معركة هذه الدولة العربية وحدها او معركة تلك الدولة العربية سيجد نفسه في يوم ما لقمة سائغة بين فكي قوة اقليمية باغية ، أو فريسة غزو من جيش دولة اجنبية لا يستطيع الدفاع عن نفسه ، لأنه ضرب ألأمن القومي العربي عرض الحائط ، ولأنه  تآمر بشكل أو بآخر على ضرب الاستقرار في دول عربية لمجرد اختلافه معها بالتوجهات السياسية النظرية والتطبيقية، حتى أن حكاما عرب أدعياء قومية قد استخدموا دكتاتورية  الجغرافيا في أسوأ مشهد على قصر نظرهم في تعاملهم مع قضية الامن القومي فعكسوها بمؤامرات وضربات عسكرية متلاحقة لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية اثرت سلبا على مسار القضية الفلسطينية .

قال الرئيس محمود عباس :" إن القرار الوطني الفلسطيني المستقل قومي ، لا يخرج عن اجماع الأمة  وقراراتها ،  ولن يكون قطريا أو اقليميا"،  وقبل حوالي 53 عاما وتحديدا في29 آب من العام 1967 قال رئيس منظمة التحرير  الفلسطينية احمد الشقيري خلال مؤتمر القمة العربية في الخرطوم:" إنها لكارثة قومية  فلسطينية وعربية  ان تصفى المنظمة ، ويسرح جيشها ، فالشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية يأبيان ان تصل المنظمة وجيشها الى هذا المصير، وقال ردا على توجهات طرحت بعد نكسة حزيران في القمة لحل المنظمة وجيش التحرير الفلسطيني :" سيظل الشعب يقتطع من لحمه ويستنزف دمه ما أمكنه حتى تبقى المنظمة ويبقى جيشها ."

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024