الرئيسة/  مقالات وتحليلات

كرامة آذار 1968 وكرامة تموز 2020

نشر بتاريخ: 2020-07-02 الساعة: 10:15

موفق مطر

قبل اثنين وخمسون عاما صنع فدائيو حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وجنود وضباط في الجيش الاردني في الحادي والعشرين من آذار من العام 1968 ملحمة  صمود ومقاومة بطولية في ارض قرية الكرامة الاردنية شرقي نهر الاردن عرفت بمعركة الكرامة ،  وشاء القدر ان يكون اسم  ميدان المعركة  متناسبا مع نتائجها العامة حيث استعاد الفدائيون الفلسطينييون مع اخوانهم نشامى الجيش الاردني كرامة الجيوش العربية التي فقدت في هزيمة الخامس من حزيران من العام  

1967 حيث فشل وزير حرب منظومة الاحتلال حينها موشي دايان في تنفيذ وعده للصحفيين بجلب قائد الفدائيين ياسر عرفات في شباك ، وبات قوله : إنهم كالبيضة في يدي استطيع كسرها متى أشاء " نموذجا على فشل الغزاة المستعمرين العنصريين المحتلين الذين لا يأخذون عزيمة وإرادة وإيمان المناضلين من اجل حريتهم وحرية اوطانهم على محمل الجد ...ولم يصدقوا ميزان هذه العوامل إلا عندما عرضت دباباتهم ومجنزراتهم المدمرة  في مركز العاصمة عمان   

تلك المعركة الخالدة كانت بمثابة  انطلاقة جديدة للثورة الفلسطينية المعاصرة ، حين تدفقت جماهير المخيمات الفلسطينية والجماهير العربية كالأنهار للانضمام الى صفوف حركة فتح ( الثورة الفلسطينية ) لتنطلق بعدها مسيرة كفاح فلسطيني عربي مشرف شهدت عليه ميادين العمليات الفدائية ، وأسماء آلاف الشهداء الفلسطينيين والعرب ..

اليوم وبعد حوالي نصف قرن نجد انفسنا - نحن الذين عشنا تلك الأيام المجيدة – في خضم معركة كرامة جديدة لا فرق بينها والأولى سوى انها معركة لم يستخدم فيها إلا أسلحة العقل والإيمان بالانتماء الوطني والإنساني والمصير المشترك ، وذخيرة الحكمة والتجارب السياسية .

قرر الرئيس محمود عباس ابو مازن الصمود ومواجهة الخارج على القانون الدولي ، المستكبر على الشرعية الدولية ، بلفور الثاني وهتلر زمانه دونالد ترامب ، واختار كرئيس يمثل كرامة وعنفوان الشعب الفلسطيني  الثبات للتصدي لحملته الاستعمارية المعروفة باسم ( صفقة القرن ) في وقت نشهد فيه نكسة غير مسبوقة في مواقف نظم رسمية عربية ، حيث استطاع رئيس حكومة  منظومة الاحتلال العنصري بنيامين نتنياهو اختراق جبهة ألأشقاء العرب ودخول بعض عواصمهم على ( دبابة التطبيع ) ، وتشبه هذه اللحظة مثيلتها قبل اثنين وخمسين عاما عندما قرر فدائيو حركة فتح على رأسهم ياسر عرفات الثبات في خنادقهم ومواجهة دبابات ومدفعية وطائرات جيش اسرائيل المدموغ بعلامة " الجيش الذي لا يقهر ".

 كانت لا الفلسطينية العظيمة التي اطلقها رئيس الشعب الفلسطيني ابو مازن وأسمعها مباشرة للطاغية ألأكبر في العالم  دونالد تترامب وضابطه في المنطقة نتنياهو كصوت الرعد سمعه القاطنون في الدوائر الجيوسياسية  المحيطة بفلسطين ، العربية والأجنبية ، وأيقظ القانطين الخاضعين الخانعين ، فتوجهت الأبصار نحو هذا القائد الذي لا يملك جيوشا ولا خزائن بمئات المليارات ، ولا مناجم ذهب ولا آبار بترول وغازن وراحوا يبحثون عن اسرار هذا (القلب الشجاع ) ، فاكتشفوا أن ألأمر ليس فيه اسرار  ولا عجائب وإنما الاصرار على نيل الحرية .

لم يكن الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية متعاطفا أو مؤيدا أو مساندا ، وإنما شريكا في خندق واحد ، ومصير واحد ، ومعركة واحدا ، فالصفات الأولى تقال في شخص او حكومة خارج دائرة النيران الموجهة مباشرة علينا لإحراقنا وإنهاء وجودنا ، أما الصفات الأخرى التي اوردناها بعد إنما فتقال في شخص ادرك ويدرك أن الحملة الاستعمارية تستهدف وطنه كما تستهدف وطن توأمه الفلسطيني ، ان القدر المكتوب في صفحات وعي الشعبين الاردني والفلسطيني ، والمكتوب عند رب الأرض والسماء أيضا أن مصير المملكة كدولة حرة مرت بمصير دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة ، وان حملة الاحتلال الاسرائيلي لاستعمار الأغوار الفلسطينية ستجرده من شرف الولاية على المقدسات في ( مدينة الله ) القدس ، فقرر الملك الهاشمي دخول المعركة الى جانب رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس ابو مازن ، تماما كما فعل ضباط المدفعية في الجيش الاردني في الأغوار عام 1968 عندما قرروا الدخول في معركة الكرامة والدفاع عن شرف ارض الوطن بعد رؤيتهم آيات الصمود والقتال الاسطوري ، فأحدث دخولهم تحولا في المعركة انتهى بانسحاب القوات الاسرائيلية منكسرة عاجزة عن تحقيق ولو هدف واحد ، وبروز صور صمود واقعية بلغت مستوى الاسطورة ، تماما كما احدث دخول قائد المملكة عبد الله الثاني الى ميدان  معركة التصدي للحملة الاستعمارية الاسرائيلية الجديدة المعروفة ( الضم ) الى جانب رئيس شعب فلسطين وقائد حركة تحرره الوطنية ابو مازن ، فارتد  التراجع الى شخوص الصفقة في البيت ألأبيض الذي كانوا ينتظرون استسلاما من نوع ما في جبهتنا الفلسطينية الاردنية  ، واشتعلت الخلافات في بيت حكومة اليمين المتطرف المؤتلفة مع الجنرالات السابقين برئاسة غانتس ، فانكسرت  ( بيضة الضم ) في ايديهم وسالت على احضانهم ، وكشف الصمود الفلسطيني ، والحكمة  والدهاء السياسي  عورتهم امام ناخبيهم ، فكانوا كموشيه دايان الذي وعد الصحفيين بجلب الفدائيين في شباك فعاد في مساء الحادي والعشرين من آذار من العام 1968 بخفي حنين ، لكن ترامب ونتنياهو مازالا يكيدان لنا ولم تنته المعركة بعد ، فنحن نخشى على المملكة كخشيتنا على فلسطين ، ومازلنا نعتقد ان حبال المؤامرات ستحكم وتشد على رقابنا اكثر فلنحذر ، واذا صمدنا واسقطنا  خطة  الضم ايا كان حجمه ، فإننا بصدد تسطير (ملحمة كرامة ) جديدة ستتوج بانجاز استقلال فلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية ، حدودها لصيقة بحدود توأمنا المملكة الاردنية الهاشمية .

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024