الرئيسة/  مقالات وتحليلات

انفصال "حماس" والجدران!

نشر بتاريخ: 2020-06-16 الساعة: 13:41

بكر أبوبكر

 

انقلاب "حماس" على غزة هل نفهمه إزدراء للدم؟ أم غرور القوة؟ أم نتيجة التعبئة الداخلية الحاقدة في الفصيل؟ أم نفهمه صراع الكفر والإيمان والوطنية والخيانة؟

 

 أو لعلنا نفهمه استدراج صهيوني لفصل غزة نهائيا؟ أم نفهمه تقصير جهة وكبرياء أخرى؟ أم هو فاتورة سددت لأطراف اقليمية تتلهى بالدم الفلسطيني لمصالحها فقط؟

 

 راودتني هذه الأسئلة في ذكرى انقلاب "حماس" الدموي على غزة في 14/6/2007 وهو التاريخ الذي جعلته "حماس" يوم انتصار على عدوها/أخيها فتسجد عناصرها شكرا لله؟! أي في ذكرى ما أسمته "الحسم العسكري"! والذي افترض فيه محمود الزهار أنه تغدى بحركة فتح وبالسلطة قبل أن يتعشون به! او كما قال نصًا قبل أن نرى أجسادنا ودمائنا على الحوائط سبقناهم بخطوة.

 

لم تأتِ عملية الانقلاب على الشرعية من عدم مطلقًا، بمعنى أن التغير الحاصل في الخطاب الحمساوي من رفض الانتخابات وتحريمها دينيا واعتبارها مخالفة للعقيدة وللوطنية! ومن ثم في بحر عشر سنوات فقط (1996-2006م) تتحول الانتخابات التشريعية بالسلطة الى ضرورة؟ وإن تحت مظلة الاحتلال الصهيوني وضمن اتفاقيات أوسلو، وحتى بدون القدس؟ لم يكن فجائيا وإنما كان متدرجا انتقل ب"حماس" من رفض اتفاقيات أوسلو نظريا؟ الى تطبيقها عمليا، من موقع المقاوم الى موقع المساوم، ومن موقع المؤدلج الى موقع البراغماتي العملاني.

 

لم تكن السنوات العشر لحماس التي تغير فيها الخطاب من الرفض الى القبول للانخراط بالفعل السياسي الانتخابي تحت مظلة حراب الاحتلال إلا تماهٍ مع الخطاب التعبوي الداخلي فيها، ودغدغة للمشاعر المتأججة للانقضاض على الآخر والاقتصاص منه، وبضغط عربي وإقليمي وأمريكي واضح،لاسيما والتنظير الامريكي ل"الاسلام السياسي" المعتدل، فافترضت "حماس والاخوان المسلمين" وداعميهم، أن لحظتهم التاريخية لاقتناص الحكم قد لاحت!

فاحتفى "الاخوان" في كل العالم بأول رئاسة وزراء "للاخوان المسلمين" في العالم كما قال موقع "الاخوان المسلمين" على الشابكة إثر تسلم هنية للموقع من الرئيس أبومازن.

 

الكثير من المتغيرات في فكروأسلوب عمل حماس قد بدأت تطال حراكها الداخلي في السنوات الفاصلة بين الرفض والقبول، ثم السيطرة والهيمنة والاستبداد بالحكم، دونا عن الآخرين على نمط التنظيمات الشيوعية الاستبدادية التي تحتكر كل مفاصل الحياة.

 

لقد احتاجت "حماس" عشر سنوات أخرى لتطبَع خطابها نحو اللحاق بكل مفردات العمل السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية عبر وثيقة العام 2017 في قطر، والتي أعلنت حماس فيها نقض الميثاق للعام 1988 ودوسه بالأقدام، ورسمت مسارًا سياسيا مغايرًا 180 درجة، كان قد أثّر فيه الحروب الصهيونية التي شُنّت على غزة، وأثّر فيه اختلاف مضمون التعبئة السياسية (على الأقل) بين غزة والخارج، بل واختلاف العقليات من انفتاح الخارج وانغلاق الداخل والأيدي العابثة لدول في الاقليم بدءا من سوريا قبل السقوط في معمعان الربيع أو الخريف العربي وصولًا لقطر وايران.

 

يمكننا أن نوغل بالتحليل كثيرا في ذكرى الانقلاب الأسود، ونضع عديد الأحداث الدموية من قتل واغتيال بدم بارد مما مارسته مليشيات "حماس" قبيل الانقلاب، وادعت أنه رد على ممارسات فرق الموت كما كانت تسميها التابعة للاجهزة الامنية، ويمكنها أن تستثير العواطف الدينية كما فعلت وتفعل، فهي لامتلاكها الحقيقة المطلقة لها أن تفعل الأفاعيل ضد المخالفين مادامت الجنة تحت ظلال سيوفها المجردة ضد الباطل حتى لو ارتكب رجالها من الفظائع ما نهى عنه الله ورسوله.

 

ويمكننا أن نرصد تاريخ الحقد الداخلي والتعبئة المُرّة التي درجت عليها تربية "حماس" الداخلية (منذ إنشائها عام 1988 وانفصالها بالانتفاضة الأولى عن القيادة الوطنية الموحدة)، التي اعترف بها علنا وضمنا خالد مشعل في مقدمته الرائعة لتغيير فلسفة التنظيم الداخلية حينما أعلن وثيقة 2017 التي أعلن فيها ضرورة (التطور والتجدد ضد التكلس) وتبني ما أسماه (المنهجية المتوازنة)، وتبعت فيها "حماس" خطوات المنظمة في اعتراف جلي بالخطأ، قلّما مارسه تنظيم "الاخوان المسلمين" وخاصة الشق المصري المتشدد الذي يتبعه اخوان غزة مباشرة.

 

 في ذكرى الانقلاب، وبعد عديد المحاولات اليائسة التي قامت بها حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية تنقلًا بين العواصم والمدن (مكة دمشق صنعاء القاهرة الدوحة غزة...) تبقى المراوحة سيدة الموقف!

 

وكأن البناء الأيديولوجي المنفصل ل"حماس"، وفكرها الاقصائي سرعان ما يقهر فكرها البراغماتي السياسي، فهو البناء الصلب الذي لا يرى بالآخر الا تبعا أو ملحقا، قد تحالف مع فكرة الانفصال النفسي والجغرافي التي تحققت بفضل "شارون" بفصل غزة، عبر تقديمها هدية للفتنة.

 

مما لا شك فيه أن الانفصال الأيديولوجي والنفسي بين "الاخوان المسلمين" و"حماس" كتنظيم إخواني طليعي فلسطيني وبين الآخرين مردّها الى التربية الداخلية الحاقدة التي تبني الأسوار والجدران النارية حولها، فيرى فيها الأعضاء تفوقهم المستمد من الاستعلاء على الآخرين بما يظنّون أنهم يمتلكونه حصريًا من إيمان ومحنة ومقاومة المظالم التي ما فتأت تحيق بهم للدرجة التي أصبح فيها المخالفين هم مُحاق القمر و"حماس" او "الاخوان" هم بدره فقط!

 

صراع المحاق والبدر أو صراع الفسطاطين أو المعسكرين الإقصائي المقصد، مما أشار له عديد المنتمين للحركة الاسلاموية سواء ممن خرجوا منها الى غير رجعة، أوحتى من المنصفين ممن بقوا فيها، تجده أيضًا في خطاب "حماس" السياسي بشكل فاقع كلما اشتدت بها الأزمات وبدأت بلعن السلطة الوطنية وأهلها، فلا تجد المدد الا بمثل هذا الخطاب الفتنوي.

 

إن فكرة الانقلاب حين "التمكين" والانفصال هي فكرة أصيلة في الفكر الاخواني بالطبعة المتشددة، تنتظر حالة التمكين والوثوب! وماذا بعد التمكين بالقوة حين أخلت "اسرائيل" الساحة في غزة بقصد، ودعمت القوى الاقليمية الوثبة الاخوانية بمنطق أمريكي لا يبتغي الا الفتنة وسيادة الاحتلال؟ إذ ليس بعد هذا التوافق الفكري والميداني الا تحقيق الوثبة وهو ما كان.

 

الانفصال الأيديولوجي لدى التنظيمات العقدية، الأيديولوجية التي تخلط مغرفة الطبيخ بين الشوربة والملوخية فلا تميز بين المكونات هي ذاتها التي جمعت السياسي الدنيوي المتغير بتغير آراء الرجال مع الثابت العقدي فيما أسمته الدعوي (الديني) والسياسي ولم تستطع التفلت من هذا الخلط إلا بما فعله راشد الغنوشي في مؤتمر حزبة العاشر عام 2016، ولم تلحقه تنظيمات "الإخوان" الأخرى.

 

الانقلاب في غزة لم يحدث عام 2007 فهو كان واقعًا في الأحلام والتمنيات، وفي التعبئة الداخلية الإقصائية، وعلى كثير من الأوراق وفي الكتب المتطرفة كما حال التعبئة المتقدة نارًا ضد المخالف مما فهمته العناصر في معالم سيد قطب أوفريضة عبدالسلام فرج الغائبة، أو فتاوى أزمنة انقضت.

 

لا يا سادة، لم تكن غزة بعيدة عن وعي مجرم الحرب "شارون" قاتل الخالد ياسرعرفات، حين أعلن الخروج منها، فهي كانت دومًا بشعبها البطل شوكة في حلق العدو، ولكن اختيار التوقيت كان لما سيكون من انفصال التقى مع عقلية لا تتعايش الا مع ذاتها فترفض الآخر، تزامنت مع غرور القوة وفسحة المحيط ، عقلية تتحين كل الفرص للحلول مكان قرينها، كما تتحين الفرص حاليا للسيطرة والاستيلاء على منظمة التحرير الفلسطينية كما قال اسماعيل هنية نصًا وعلنا مؤخرا.

 

قبل أن يسبقنا من لا يريد أن يفهم سياق الكلام، حيث الفكرة تتمحور حول نقض منطق الإقصاء أقول أن لحركة فتح دورا سلبيًا أيضا في الانقلاب الذي حصل في غزة، ولا نبريء أيّ كان وخاصة فَسَدَة السلطة وكل سلطة من جرم الانقلاب الذي يجب نزعه من العقول أولا بنقض فكر الاستبداد، ومن ثم تقبل الآخر ومجاورته ومشاركته.

 

لعلنا في هذا التحليل القصير نكون قد أجبنا على تساؤلات مفتتح المقال!

 

وفي ذكرى الانقلاب على الشرعية الفلسطينية-على بؤس حالها اليوم- واحتراما لمئات الشهداء الذين قتلتهم "حماس" وقواتها، ولعذابات الأسرى ومن قطعت أرجلهم، وانطلاقا من الاتفاقيات البائسة المتعددة، وضمن فهم حركة فتح التي ترفض الايغال بالدم الفلسطيني، مازلنا نأمل أن يتغير مسار "حماس" وطريقة التعبئة المقيتة داخلها، كما أملنا لفترة مع ما حصل ويحصل من خطاب الاعتدال لدى د.أحمد يوسف وخطاب خالد مشعل وغازي حمد، بل وأحيانا خطاب يحيى السنوار، ولكن الخط "السوفيتي" المتشنج في داخل الجماعة يبدو أنه مازال الممسك بكلتا قبضتيه على عنق "حماس"، وربما لفترة طويلة.

 

القمر لا يكون قمرا إلا ببدرِه ومحاقه، بنوره وظلمته، وبتناوبهما، وهو بذلك يطل على الأرض ببهائه. ولم لا تكون حركة "فتح" و"حماس" كالقمر في حالتيه الرئيسيتين؟ ولم لا تكون عقلية تفهم الآخر والتقبل والتجاور والتشارك محققة لنور وجب أن يتكامل ليسطع فوق أرض فلسطين فيتحقق المراد؟

 

فوق كل ذلك وتحته يجب أن يُفهم جليًا أن العدو الرئيس هو محتل أرضنا فلسطين وأن كل خصام (حتى لو كانت خطيئة دموية) كبر أم صغُر، عَظُم أو تصاغر هو تناقض ثانوي نعمل على حلّه وتجاوزه ضمن فهم تحريم الدم الفلسطيني، وضمن فهم أن بديل الحوار هو مزيد من الحوار وصولا لحالة كتفاً الى كتف كما كان يردد الخالد ياسر عرفات، ففلسطين تلفظ المفترقين ولا تقبلهم، وترحب بالمناضلين المرابطين الصامدين فقط.

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024