الرئيسة/  مقالات وتحليلات

طفولة في النار

نشر بتاريخ: 2019-11-24 الساعة: 09:32

 حنان باكير لطالما كان الحديث يدور عن طفل فلسطيني مختلف، طفل يتحمل قدرا كبيرا من المعاناة، لتكون هذه المعاناة، سببا لتحويله الى "بطل" بمعنى ما يشكله من حالة استثناء على الطفولة، وتحمله لما ينوء به الرجال.
وإذ يحتل الحديث عن البطولة أغلب مساحة المشهد، فإن تلمّس حاجات هذا الطفل بقيت في مرتبة متأخرة، بينما هو يعاني قهرا مزدوجا ومركبا، قهرا يقع عليه بكونه جزءا من هذا الشعب المحتلة أرضه، والممارس التعسف بحقه، وبكونه طفلا لا يرى من الطفولة إلا فصول المعاناة. لقد ظهر الطفل الفلسطيني ومنذ عقود كبطل، ولكن ماذا عن الجزء الآخر من الصورة.. ماذا عن معاناة هذا البطل؟
إن وضع هذه الطفولة في النار، ومعاملتها معاملة الكبار في قدرتها وطاقتها على التحمل، ولا تستثنى من مصيرهم، في الاعتقال والتعذيب والقتل، يمكننا هنا الحديث عن طفل مختلف، في ظروف غير اعتيادية، واستعمار عنصري احتلالي، يقوم على نفي الآخر.
وخلال العقود الأخيرة تمّ توثيق إحصائيات لعدد الأطفال المعتقلين والموقوفين والجرحى والضحايا منهم. فلا داعي للعودة إليها. وقد وسمت مراحل عدة من نضالات شعبنا، بأنها حركة أطفال. في لبنان كان أشبال الآر بي جي، في فترة الاجتياح الإسرائيلي. ولاحقا انتفاضة أطفال الحجارة.. ما حدا بالإعلام الغربي المضلل، لتسديد اتهاماته، للأمهات اللواتي يرسلن أطفالهن لرمي الحجارة، دون التفاتة منهم، الى ظروف الاحتلال ومعاناة الأطفال منه، احتلال فرض وجوده على كافة تفاصيل حياة الأطفال وأدقها. فهو لا يشبه أي استعمار مر على المنطقة العربية بأسرها، بما هو استعمار إحلالي استيطاني، يريد أرضا بلا شعب..
لا أحد يدرك حدود الأذى النفسي، لأطفال يتنفسون الاحتلال، في الطريق الى المدرسة، حيث يتم إغلاقها، لإجبارهم على سلوك طرق، تستغرق وقتا طويلا، مارّين عبر حراب العسكر. وكانت من ضمن مهام لجنة المراقبة الدولية المؤقتة في الخليل، مرافقة الأطفال الى مدارسهم، ذهابا وإيابا خشية تحرش المستوطنين والجنود. وقامت سلطة الكيان العنصري، بطرد تلك اللجنة، كونها تقوم بتشويه صورة الاحتلال، من خلال تقاريرها.. يلعب أطفال فلسطين في حدائقهم وفسحات حاراتهم، يلتقطون الكرة من بين بساطير جنود أيديهم قابضة على بنادق جاهزة للإطلاق.
حين يرى الطفل الفلسطيني، أباه يُضرب ويذلّ أمام عينه، ويُنتزع عنوة من بيته وسط صراخ الأطفال، ومحاولات دفاع يائسة للأم، أو يصحون، منتصف الليل على اقتحامات جنود، يحسبون أنفسهم مقتحمين لقاعدة عسكرية!
وبلغ الإرهاب قمته في ترويع الأطفال، حدّ اعتقال أطفال في الرابعة والخامسة من أعمارهم، ويتم كل هذا في زمن تكنولوجي لم يعد تخفى فيه أدق الأمور، ويمكن مشاهدتها حيّة أثناء حدوثها.. جميعنا شاهدنا صورة الطفل الذي اصطحبه والده الى مركز الشرطة للتحقيق معه، وقد حمل زوادته، من زجاجة حليب وعلبة طعام أطفال! فمن ثنائية المعاناة والمقاومة تنشأ خصوصية الطفل الفلسطيني.
إضافة الى عامل الترهيب، يعمد الاحتلال الى قتل الفرح وكل جمال وبراءة في حياة الطفل الفلسطيني، وعدم رؤية جمال طبيعة بلاده، عبر تصحيرها بالحرائق والاقتلاع وزرع الرعب في دروبها.. ومن هنا أيضا تنشأ الخصوصية أو الاختلاف المحكي عنه.
والغرب المتحضّر جعل يوما عالميا لحقوق الإنسان. ويوما عالميا لحقوق المرأة. ويوما عالميا للطفل، لكن الطفل الفلسطيني يبقى مستثنى منه عمليا، وللحيوانات أيضا يوم عالمي يحفظ حقوقها، وتقوم محميات طبيعية للحفاظ على النادر منها. وللطبيعة والحفاظ على البيئة يوم عالمي ايضا للحفاظ على بيئة صحية سليمة.. لكن يستثنى منها بيئة المناطق الفلسطينية!
ليس من وقت بعيد احتفل الجميع بعيد الهلوين.. والتفنن في ديكورات وملابس الرعب وزينة الوجوه المتشبهة بمخلوقات مرعبة.. مشاهد اعتادها الناس والأطفال هنا في الغرب. لكن حدث قبل أيام، أن التقطت بعض الصور، لحفيدي ابن الخمس سنوات. صور عادية وهو يمارس شقاوته في بيتي. ثم جلس يقلب ويشاهد الصور في جهازي الخليوي، وهو يضحك. انتهت صوره، والتقطت عيناه مجموعة صور لأطفال غزة وكل إصاباتهم البليغة في وجوههم، ارتعب حفيدي وألقى الهاتف على الكنبة صائحا..
"هلوين مرعب جدا.. في أي بلد هذا"!

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024