الرئيسة/  مقالات وتحليلات

القتل على خلفية الشرف ازمة مفاهيم وقيم- دولة الانسان

نشر بتاريخ: 2019-09-03 الساعة: 09:47

موفق مطر تحسب مجتمعاتنا جريمة العنف ضد النساء والقتل على خلفية الشرف والثأر عملا مشروعا، حتى أن البعض بالغ في تمجيدها وزينها كفعل رجولي بطولي إلى حد جعلها مكونا ثقافيا لشخصية المجتمعات العربية والإسلامية، فأزاح هذا المفهوم العائلي القبلي مبادئ وقيم المجتمع المدني (نسبة للمدينة) حتى احتل مساحة مهمة من نصوص القانون السيادي، ولولا قرارات الرئيس محمود عباس التي لها قوة القانون منذ العام 2011 وحتى العام الماضي، لتوغلت هذه المفاهيم وأصبحت ظاهرة فتاكة تعمل في مجتمعنا، بذات الوقت الذي تعمل فيه اجهزة الاحتلال الاسرائيلي المختصة على استنبات كل المفاهيم الضارة والمفسدة التي من شأنها منع النمو الطبيعي لمجتمعنا.
ما يعنينا التأكيد عليه ونحن بصدد معالجة هذه القضايا ذات الصلة المباشرة بالتحرر والبناء هو أن القوانين الضامنة والكافلة لحقوق الانسان سلاح استراتيجي لمواجهة احتلال استيطاني عنصري يعمل على تفكيك شعبنا وتحويله إلى مجتمعات قبلية وعشائرية وعائلية تحكمها مفاهيم موروثة متعارضة ومتناقضة فنفقد بذلك ركيزتي الشعب والقانون (السلطة) فتبقى الأرض الركن الثالث من اركان الدولة فيسيطر عليها الاحتلال بكل يسر وسهولة.
لقد عطل انقلاب حماس في العام 2007 مسيرة التشريع وعملية تطوير القوانين في فلسطين، لكن وعي الرئيس محمود عباس وإدراكه لمكانة وأهمية هذا السلاح الاستراتيجي في حسم معركة الصراع الثقافي التنموي مع الاحتلال دفعه للاستجابة وإصدار قرارات ومراسيم رئاسية ذكرناها حرفيا في الجزء الثاني من المقال يوم امس، وهذا مؤشر واضح على اهمية اعادة قراءة القوانين ومناقشتها وتطويرها وفق رؤية حضارية عصرية منسجمة مع القوانين الدولية والمعاهدات التي انضمت اليها دولة فلسطين، لكن هذا سيبقى مجرد حبر على ورق مالم يكن مرفوعا على ارادة حقيقية من رواد شرائح المجتمع وألوان طيفه.
علينا الانتباه قبل الذهاب إلى الأرقام أن العنف وقتل النساء في المجتمع الاسرائيلي ليس اقل مما هي عليه عندنا، وعلينا الانتباه ايضا أن سلطات اسرائيل تكرس جهودها لتقليل النسبة في المجتمع اليهودي متجاهلة المجتمع الفلسطيني العربي، فيستخلص العارفون والباحثون أن السلطات الاسرائيلية المختصة معنية بتوسع هذه الظاهرة في المجتمع الفلسطيني، للتغطية على فشل دولة اسرائيل في الوصول إلى مستوى الدولة الديمقراطية الحقيقية وذلك بسبب سياسات قادتها الذين يسعون إلى سدة الحكم عبر تحالفات مع احزاب تحمل مفاهيما دينية واجتماعية متطرفة ومتخلفة، تفرضها على الدولة وتبرز بشكل واضح في قوانين عنصرية تجعل من خارج قائمة الدول الديمقراطية. 
بإمكاننا لمس تأثير تطبيق القوانين اذا راجعنا الأرقام التالية حول أرقام الضحايا النساء في مجتمعنا الفلسطيني حيث توجد مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، فنلاحظ مقتل 48 امرأة على خلفية الشرف بين عامي 2004 و2006 وتناقص الرقم ما بين العامين 2012 و2014 إلى 39 ضحية، فيما شهد العام 2017 اعلى رقم سجل في عام واحد 30 حالة قتل، لكن الرقم هبط إلى 25 في العام 2018، في حين بلغ عدد الضحايا 19 منذ بداية هذا العام 2019.
نلاحظ هنا انخفاض الجريمة اثر كل قرار رئاسي يلغي او يعدل مواد في القانون متعلقة بالقتل على خلفية الشرف او اذا كانت الضحية انثى، ما يعني أن القرارات تحتاج الى مثابرة ومتابعة عملية مباشرة من رواد المجتمع المدني، ومن المعنيين بحقوق الانسان، وتطبيق حرفي من جهات الاختصاص، فهذه المهمات منوطة بنا وعلينا كما نعتقد بالذهاب الى أبعد حد في ميادينها لأن الأمر متعلق بكل بساطة في حريتنا واستقلالنا.
نريد تحرير مجتمعنا من قبضة اخطبوط هذه الجريمة، ونعتقد بثورة ثقافية هادئة متأنية تطهر مفاهيمنا وكتبنا وتراثنا من صور تقديس القتل باسم الرب والشرف ، والكف عن تمجيد السلاح على حساب الفكرة والمبدأ.
القوانين الرادعة وحدها لا تكفي حتى لو بلغت نصوصها سقوف المجالس التشريعية والمحاكم النظامية في العالم العربي والاسلامي، فالجرائم الجنائية حالات فردية قد تتطور الى ظاهرة اجتماعية في زمن الفوضى وغياب السلطات، وهذا ما يدعونا لليقظة والحرص ومنع تسلل هذه الظاهرة الى مجتمعنا مهما كانت التضحيات.
نحتاج إلى اعادة صياغة قيمنا الاخلاقية، وتعزيز ايماننا بكرامة وقيمة الانسان وحقوقه الطبيعية في الحياة بغض النظر عن جنسه، وإطلاق مخططات هدفها تثوير الضمير ليصبح المحرك لفكر وعمل الانسان، فالضمير الانساني حر من حيث المبدأ، لكنه استهدف بمخدر مفاهيم مستخلصة من دم الخطيئة، فاستوطنت معاني القتل وسفك الدماء محل معاني الحياة والسلام، ومعاني بتر وقطع الأيدي وجز الرقاب كعقاب وجزاء محل علاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واحتل مفهوم ضرب النساء مكان الحوار العقلاني بين الانسان الذكر والانسان الأنثى.
لقد تم جرف وتدمير ومحو المعاني الأصلية للنصوص والمصطلحات، وأنشئ مكانها معاني تمكن الجماعات والأحزاب الاصولية من الاستحواذ على السلطة بدءا من القاعدة الأصغر (العائلة) وصولا الى القاعدة الأكبر (سدة الحكم) أو بالهيمنة والسيطرة الاقتصادية التي لا يمكن أن تتم الا باستعباد النساء وابقائهن كخادمات، أو في أحسن الأحوال درجة ثانية، ضعيفات لا حول لهن ولا قوة، خاضعات للترهيب بالجحيم، والترغيب بالنعيم ان هن لبين شهوات الرجل ومتعنه وأطعنه طاعة عمياء!.
ما نحتاجه ثورة ثقافية تمهد لها القوانين سكة آمنة، نحتاج لوضوح وصراحة ومواقف متنورة من رجال الفقه والشريعة والقانون والسياسة، من المثقفين الشعراء والادباء والكتاب من مبادرات خلاقة من جمعيات النساء والمنظمات الحقوقية، وقبل كل أمر نحتاج لثورة في التعليم، فلعلنا ننشئ جيلا ترجح عنده كفة الضمير بثقل العقلانية والايمان بحقوق الانسان دون تمييز بالجنس او العرق او الدين، فلا أعدل من ضمير الانسان الحر , فالدولة التي تبنى على الحق والمساواة والعدل والحرية ، هي دولة الانسان.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024