الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ثقافة السلام.. من الرئيس إلى صابر مراد

نشر بتاريخ: 2019-08-04 الساعة: 09:49

 موفق مطر ليست ثقافة السلام صناعة ولا هي نظرية سياسية قد تصلح اليوم وتسقط غدا، وانما منهج حياة كرسه الفلسطيني ابداعا ونماذج حضارية جعلت فلسطين مركز اهتمام وحملات كل الإمبراطوريات، منها ما كان ليبحث في أسرار قدسية هذه الأرض وفكر وعقيدة وثقافة انسانها الذي منحها خصوصيتها وتفردها كأرض مقدسة بين بقاع الدنيا كلها.
قبل أيام قال الرئيس ابو مازن مازالت ايدينا ممدودة للسلام، رغم انه كان يطلع الشعب الفلسطيني على قرار القيادة بإيقاف التعامل مع الاتفاقيات مع ( الجانب الاسرائيلي ) أي مع القوة القائمة بالاحتلال حسب تعريف القانون الدولي، وقال في خطابات كثيرة على منابر دولية واعلاها منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن لفلسطين اتفاقيات مع 83 دولة في العالم لمكافحة الارهاب بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، وان هذه الاتفاقية مازالت قائمة مع واشنطن رغم انقطاع الاتصالات مع ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب قراراته الظالمة ومساسها بجوهر القضية الفلسطينية كاعتباره القدس عاصمة لدولة الاحتلال، والغاء قضية اللاجئين وتشجيعه الاستيطان العنصري، ورفع صفة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة من العام 1967.
لم تكن مكافحة الارهاب بالنسبة لقيادة الشعب الفلسطيني تكتيكا سياسيا، ولا خيارا مرحليا، وانما استراتيجية مرتكزة على بنية ثقافية تاريخية وحاضرة ومستقبلية للشعب الفلسطيني، وليس لأن الشعب الفلسطيني الضحية رقم واحد في العالم لارهاب الدولة ( ارهاب اسرائيل ) وحسب، بل لأن الانسانية المكونة لثقافة الشعب الفلسطيني الجمعية والفردية، كانت القوة الدافعة لرئيس السلام الرئيس الانسان محمود عباس للذهاب بعيدا في هذه الاتفاقيات مع كل دول العالم المستعدة لمكافحة الارهاب، ليس لكسب مواقف سياسية، وانما لإيمان مطلق بأن الارهاب ضد الانسانية، مثلما الحرب ضد السلام، والجهل ضد العلم.. ولايضير الرئيس ابو مازن الاستمرار بهذه السياسة رغم انتقادات البعض الذين لم يقرأوا بعد ولم يبصروا بعد معنى ان يكون المرء فلسطينيا.
اهتم الرئيس محمود عباس ببطولة الفلسطيني صابر مراد في طرابلس شمال لبنان الذي كاد يدفع حياته ثمنا لإنقاذ المواطنين اللبنانيين وعناصر من الجيش اللبناني عندما اعترض بسيارته ارهابيا مولودا في طرابلس (عبد الرحمن مبسوط) كان يطلق النار عشوائيا على المواطنين في شارع مزدحم بالمتسوقين الذين كانوا يتهيأون لشراء حاجياتهم لعيد الفطر الماضي.. فانتحر الارهابي مفجرا بدنه، أما صابر المؤمن بالسلام والحياة فقد اصيب بثلاث رصاصات وبقي حيا ليصبح رمزا بطوليا شعبيا فلسطينيا لبنانيا في رواية واقعية عنوانها ثقافة السلام والحق في الحياة.
الفلسطيني صابر مراد ولد في طرابلس من أم لبنانية، ومبسوط مولود ايضا في طرابلس، لكن مراد الفلسطيني الانسان المشبع بثقافة السلام منع الارهابي المولود في طرابلس والمشبع بتعاميم الجريمة ضد الانسانية والعنصرية والارهاب من استكمال جريمته وايقاع ضحايا اكثر، خاصة اذا علمنا ان الارهابي كان عضوا في جماعة (جبهة النصرة) المتصلة بعلاقات متميزة مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي العنصرية الارهابية أيضا.. وكلنا نعرف سياسة الحدود العسكرية الاسرائيلية المفتوحة امام عناصر جبهة النصرة على الحدود السورية مع فلسطين المحتلة ومعالجة عناصرهم في مستشفيات صفد شمال فلسطين المحتلة، لكن مالا يعرفه البعض " أن واحدا من هؤلاء الارهابيين كان يصل الضفة الغربية وغزة ايضا عبر تسهيلات سلطات الاحتلال الاستخبارية السرية ويذهب الى الاردن ثم يعود الى حيث اتى الى ان تم اكتشافه ".
قال مفتي لبنان الشيخ مالك الشعار تعليقا على العمل البطولي للفلسطيني الشاب صابر مراد:" إن تبني الرئيس محمود عباس لثقافة السلام ومكافحة الارهاب، وتميز فكره وثقافته كمسؤول أول ورئيس دولة، يقضي بتعميم هذه الثقافة وتنشئة ابنائنا عليها، ومافعله صابر كان لأنه ابن شعب تربى مؤمنا بثقافة الحياة والسلام التي لايتقنها الا الأبطال النبلاء الذين عرفوا حقيقة الظلم وعانوا الأمرين وهُجّروا وقُتَّلوا.. ولولا هذه الثقافة المتجذرة والارادة الصلبة لما استطاع الشعب الفلسطيني نيل الاحترام لدى الغالبية العظمى من دول العالم، ولا يسعني الا ان احيي الرئيس عباس الذي نال مراتب متقدمة وجوائز دولية على حجم الرسالة التي يحملها وهي ثقافة السلام والحياة ومكافحة الارهاب ".
قد يكون مفيدا الثناء على قول مفتي لبنان لأنه تحدث بهذا العمق عن عمل بطولي لشاب فلسطيني افتدى اشقاءه اللبنانيين، ولكن الفائدة ستكون اكبر اذا علمنا ان منهج القيادة الفلسطينية الذي هو انعكاس طبيعي لثقافة الشعب الفلسطيني قد جعلها تحظى بأساليب التقدير والاحترام تتجاوز السائد، ومنها على سبيل المثال ان دولة اوروبية هامة جدا اصرت على تقديم الشكر للقيادة الفلسطينية عبر ارسال وفد من اجهزتها الأمنية على متن طائرة خاصة، ووصلوا فلسطين لدقائق معدودة فقط ليقولوا شكرا فلسطين ثم عادوا الى بلادهم، فيما الرسائل هي البروتوكول المعروف دوليا في مثل هذه الحالات التي تسهم فيها اجهزة امن دولة بانقاذ أرواح ابرياء في دولة اخرى قبل وقوع الحدث، وهذا مافعلته قيادة فلسطين السياسية والأمنية بجدارة، لأن احترام حق الحياة، والايمان بالسلام ثقافة ومنهج وسلوك هذا الشعب ورئيسه.
نحن مؤمنون بأن لثقافة السلام جذورا فلسطينية ضاربة بعمق التاريخ، وهذا أمر طبيعي في ارض مقدسة شهدت ولادة رسول المحبة والسلام عيسى بن مريم، واليها اسرى رسول المحبة والسلام محمد بن عبد الله عليهما السلام، فمن القدس قام المسيح لتنعم روحه بالسلام في الخلود الأبدي، أما الأقصى فكان قبلة المسلمين الأولى ليصلوا ولتنعم نفوسهم بالسلام.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024