الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ماذا حدث لمجتمعنا؟!

نشر بتاريخ: 2019-06-09 الساعة: 01:16

موفق مطر  ماذا حدث لمجتمعنا؟! فقد طغت اخبار الحوادث والجريمة والقتل اثناء الشجار على اخبار الصمود الشعبي والرسمي وأخبار السياسة والمستجدات في الوطن!
هل تختبئ في ثنايا مجتمعنا وفي بواطنه ظواهر سلبية وأمراض اجتماعية ونفسية، وعندما جدت فرصة لتجاوز قشرة الضوابط الأخلاقية والأمنية والقانونية خرجت كبركان يقذف حممه، حتى أن المتابع من بعيد ليعتقد أن السلم والأمن المجتمعي صعب المنال مثله في ذلك كصعوبة نيل السلام والأمن والاستقرار السياسي، لكن اذا كان الأمر الآخر مرتبطا بقدرة القوة القائمة بالاحتلال ( اسرائيل ) فيما يرتبط الأمر الأول بقدرتنا الذاتية على احداث التغيير المطلوب في المجتمع بما يضمن انتقاله الى حالة الدولة القابلة للاستمرار والمضي على سكة القانون ، ولكن ليس قبل رفع قواعد السلوك الحضاري المأخوذ من روح القيم الأخلاقية والثقافة الدينية التي تعني السلام بين الانسان مع نفسه ومع الآخرين أولا وأخيرا.
نخشى من ارتباط منسوب الجريمة المرتفع بعوامل منظمة، تهيئها جهات معنية بإحداث شروخ وتمزقات في النسيج الاجتماعي لإحداث حالة من الخوف وفقدان الأمل، وصولا الى هدف ايصال المواطن لمرحلة فقد الثقة بمنظومة السلطة الأمنية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكل ذلك كمقدمة لمرحلة انفلات أمني يصبح كل شيء مباحا بما فيه أرواح الناس وممتلكاتهم، الى لحظة يصبح الخلاص مطلب الناس حتى لو كان على يد المحتلين او عملائهم أو المخطط لهم استلام زمام الامور والسيطرة عليها، تماما كما حدث في سنوات ما قبل انقلاب حماس في قطاع غزة، حتى ان الكثير ممن كانوا على اختلاف جذري مع حماس باعتبارها جماعة اخوانية ( قح ) وجد في اسلوب قادتها القمعي العنفي وعقليتهم الدكتاتورية الشر الذي لا بد منه لايقاف حالة التدهور – حسب ظن هؤلاء – حيث عملت حماس على تضخيمها تمهيدا للانقضاض على السلطة بالقوة المسلحة، واظهار قدرتها على ضبط الفلتان، وهو ما يشكل حتى اللحظة المادة الدسمة في دعاية حماس الاعلامية!
يحق لنا دعوة المسؤولين في البحث الجنائي للذهاب الى ابعد نقطة يمكنهم عندها اكتشاف دوافع وأسباب المتهمين، والتبحر في البحث وتوسيع دوائر التحقيق، فلعلهم يكتشفون أن العصبية القبلية والعشائرية، والعادات والتقاليد السلبية الموروثة والبيئة المجتمعية وأنماط التربية الاسرية، وكذلك الأحوال المادية السيئة ليست وحدها العوامل المسببة للجرائم، فالمعنيون بارتفاع وتيرة الجريمة، بالتوازي مع توتير الأجواء السياسية، والنفخ في حالات فساد اداري هنا وهناك وتضخيمها، وكأنها القاعدة، والنزاهة هي الشذوذ، يعرفون مايريدون، ويدركون ما يفعلون، فمهمة هؤلاء اخطر من مهمة الجواسيس المكلفين بمهمات امنية وحسب، لذا فانهم على درجة عالية من الدقة والاتقان، بحيث يصعب على باحث جنائي عادي اكتشاف بصماتهم في الجرائم.
لا يجوز القول اننا مجتمع مثالي، وأن الأعداء والخصوم ينتهزون الفرص لاختراقنا، فنحن كغيرنا من المجتمعات العربية، ما زلنا في طور التحرر والنمو، لكن بما أننا نواجه خطرا وجوديا، ونعيش في مواجهة مع غزاة محتلين يحاولون سلبنا ليس ارضنا وحسب، بل انسانيتنا وثقافتنا وسلوكنا وقيمنا، فانه ليس مقبولا حلول ظاهرة الخصومة المجتمعية والعنف والجريمة، مكان السلم الأهلي، والحوار والاطمئنان تحت مظلة القانون، وعلينا التذكر دائما أن منظومة الاحتلال ترصد مشاكلنا الاجتماعية كما ترصد مشاكلنا السياسية، وتفعل المستحيل لتحقيق اختراقات في قواعد المجتمع الفلسطيني، لأن ذلك يسهل عملية تعقيد المشاكل السياسية، ما يسهل عملية الانهيار ( الهدف ) رأسيا، وبمعنى أوضح، تكون القواعد الاجتماعية عاجزة عن تحمل اي ضغط، ما يؤدي الى تشققات افقية، اي تفكك ( المجتمع ) وانفراط عقده!.
صار لازما اعادة النظر بمنظومتنا التربوية، ابتداء من العائلة مرورا بالمدرسة، وصولا الى تثبيت السلوك الوطني بكل عناوينه الاجتماعية قبل السياسية ليكون الدرس رقم واحد للمنتسبين في الاطر السياسية.
بات لازما الانتقال الى مرحلة الدقة والحزم في تطبيق القانون، بالتوازي مع تطوير ادوات نشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام، والغاء منهج النفخ الحاصل في الشخصية الفردية، واستبداله بمنهج الثقة بالروح الجماعية.
نحتاج الى ورشة عمل مغلقة تضم خبراء في علوم المجتمع، ومتخصصين في علوم النفس والسلوك، يقدمون للمؤسستين السياسية والأمنية والقضائية خلاصة أبحاثهم، لعلنا اذا مزجناها بما توفر لدى الأجهزة الأمنية من ملفات ومعلومات نستطيع وضع خطة لتحصين مجتمعنا، الذي بدونه يصعب الاستمرار بالصمود وتحقيق الأهداف السياسية، فنحن نريد الدولة المستقلة كتعبير عن اهليتنا الحضارية المدنية كمجتمع انساني وشعب ولا نريد ان نكون نسخة من دول تنخرها الصراعات الداخلية التي تبدو بظاهرها سياسية لكنها في الحقيقة امراض اجتماعية غذتها قوى خارجية وأحزاب داخلية لضمان هيمنتها وتحكمها وديمومة مصالحها.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024