الرئيسة/  مقالات وتحليلات

مكة.. قمة فلسطين

نشر بتاريخ: 2019-06-02 الساعة: 03:15

موفق مطر عمليات إرهابية نفذت على أراضي المملكة العربية السعودية، وفي المياه الاقليمية لدولة الامارات العربية استدعت قمة طارئة لدول الخليج العربي وبنفس الليلة قمة للدول العربية تلتهما قمة عادية لمنظمة التعاون الاسلامي.
مستوى المشاركة في قمم مكة الثلاث كشف للمتابعين عن مكانة المملكة العربية السعودية اقليميا وعربيا ودوليا ليس باعتبارها الدولة الداعية والمستضيفة وحسب، بل باعتبارها ركنا أساسا في المنطقة تمتلك قدرة التأثير على مسار ألأحداث، وضبط مسارات السياسات الدولية المرتبطة بحاضر المنطقة ومستقبلها، حيث حرصت قيادة المملكة على بعث رسالة للعالم بأنها تستطيع تأمين الحشد المؤثر اقليميا ودوليا لمواجهة أخطار تهدد مستقبلها ومستقبل منظومة دول الخليج العربي.
يهمنا في هذا المقام تعميم الادراك بالخطر الوجودي الذي تستشعره الدول العربية في الخليج العربي، وفي الوطن العربي وكذلك في العالم الاسلامي، وتركيز البحث عن مركز (إعصار الارهاب) والبيئة الحاضنة، المولدة للارهاب والعنف والتطرف والمفاهيم والقوانين العنصرية، فدولة الاحتلال اسرائيل هي المركز، وكل ما عداها هوامش يمكن احتواءها والحد من تمددها، لا بل يمكن قسم ظهرها عبر تحالفات دولية، نظرا لكون دول الجزيرة العربية والخليج العربي مركز مصالح دولية يحرص الجميع على توفير مقومات الأمن والاستقرار فيه وحوله.
بيان القمة العادية الرابعة عشر لمنظمة التعاون الاسلامي كان الأكثر وضوحا وشمولية بخصوص القضية الفلسطينية، ونأمل وضعه على مسار التنفيذ والتطبيق بما يتناسب مع حجم وعدد ومكانة 57 دولة تضم حوالي مليار وستمائة مليون نسمة، لكن كلمة فلسطين كانت الأكثر صلابة والأعمق في معناها.. وبامكاننا التلخيص والقول بأن مكة كانت قمة فلسطين وأن لفلسطين قمة في مكة. 
الرئيس محمود عباس رفع كلمة فلسطين من مركز الأرض وفضائها المقدس مكة ليسمعها الذين في الجوار وأولئك القاطنون وراء البحار فهو القائل باسم الشعب الفلسطيني، والعرب والمسلمين والمسيحيين والأحرار في العالم، وكل المؤمنين بالسلام والشرعية الدولية والقانون الدولي: "لن نبيع القدس وشعبنا لن يركع إلا لله وحده، ولن نتخلى عن ثوابتنا الوطنية وحقوق شعبنا، سنبقى صامدين على ارضنا، وسنواصل نضالنا المشروع إلى أن تتحقق أهدافنا الوطنية".. فمكة في ثقافة المسلمين وسيرة الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رمز مادي تجسد فيها حق العودة الى الديار، ومن مكة ينذر رئيس الشعب الفلسطيني- الذي يعاني اكثر من 50% منه من آلام ومعاناة النكبة والتهجير، ومحاولات دولة الاحتلال الاسرائيلي وادارة ترامب سلبهم حقهم في العودة الى أرض وطنهم فلسطين- ينذر ويحذر من مؤامرة لتصفية قضية الشعب الفلسطيني ستدفعه الى "مرحلة غاية في الصعوبة" و"خيارات لا تحمد عقباها" و"قرارات مصيرية".. لكن رئيس السلام أكد أمام زعماء وقادة ورؤساء وملوك وامراء امة المؤمنين برسول المحبة والسلام والحق بأن "الفلسطينيين مازالوا مؤمنين بالسلام ويسعون لتحقيقه وفق قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وبخاصة مبادرة السلام العربية للعام 2002".
مركزية قضية فلسطين القدس الشريف بالنسبة للأمة الاسلامية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وحماية حق العودة للاجئين بموجب الـقرار 194 ومواجهة أي إنكار لهذه الحقوق بكل قوة.. ورفض أي قرار يعترف بالقدس عاصمة مزعومة لدولة الاحتلال، واعتباره لاغياً وباطلاً، واعتداءً على الحقوق التاريخية والقانونية والوطنية للشعب الفلسطيني والأمة الاسلامية، واعتبار فتح مكاتب تجارية او سفارات في المدينة المقدسة انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي والشرعية الدولية وتقويضاً متعمداً لمستقبل عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط يصب في مصلحة التطرف والإرهاب ويهدد الأمن والسلم الدوليين، ودعوة قادة الدول الاسلامية لاتخاذ إجراءات مناسبة بحق اي دولة تقدم على ذلك، كالإجراءات الاقتصادية والسياسية التي وردت في المادة 15 من البيان الختامي الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي في إسطنبول في 18 مايو 2018.
رفضت قمة منظمة التعاون الاسلامي اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وكذلك محاولات تقويضها لحقوق اللاجئين وتبنت ودعمت رؤية الرئيس محمود عباس، التي أعلنها أمام مجلس الأمن في 20 فبراير 2018 بدعوة الأطراف الدولية الفاعلة إلى الانخراط في رعاية مسار سياسي متعدد الأطراف بهدف إطلاق عملية سلام ذات مصداقية برعاية دولية تهدف إلى تحقيق السلام القائم على حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري الذي بدأ عام 1967 على النحو الذي نصت عليه قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وعلى أساس مرجعيات عملية السلام ومبادرة السلام العربية لعام 2002، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والتوصل إلى حل سلمي يتيح لأبناء الشـعب الفلسطيني العيش فـي حريـة وكرامـة فـي دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
قمة مكة الاسلامية وجهت رسالة لمن يعنيهم الأمر الذين يحاولون فتح طرق التفافية والبحث عن ممثلين اقزام ينصبونهم لتمثيل الشعب الفلسطيني زورا، اذ أكد المشاركون باسم اكثر من مليار ونصف المليار مسلم أن منظمة التحرير الفلـسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للـشعب الفلـسطيني، برئاسـة الرئيس محمود عباس، وأن الرئيس ابو مازن يبذل جهودا مخلصة في مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية، وأن المصالحة الوطنية يجب ان تتم وفق اتفاق القاهرة الموقع في مايو 2011 وآليات وتفاهمـات تنفيذه وآخرها اتفاق القاهرة لعام 2017، وتمكـين الحكومـة الفلسطينية من مسؤولياتها كاملة في قطاع غـزة، وإجراء انتخابات عامة في أقرب وقت ممكـن، وتحقيق الشراكة السياسية.
سنتخذ من قرارات قمتي مكة العربية والاسلامية الطارئة والعادية مرجعا قانونيا رسميا وشعبيا نستقوي به على اعداء شعبنا والمتآمرين على قضيتنا، وبذات الوقت مرجعا لمحاججة كل من يفكر أو يعمل على مخالفة ما كان قد وقع عليه.. فان كانت المملكة السعودية الشقيقة قد استطاعت حشد كل هذا الدعم في زمن قياسي، وحظيت بتلبية الأشقاء العرب والمسلمين، فمن المنطقي ان تحظى فلسطين وهي مركز قضايا الأمة بما تستحق، فعلى أرضها المحتلة مازال الباطل يبني امبراطوريته بلا حدود، ويخطط لضرب ركائز الاستقرار والسلم والنمو والازدهار في الدول العربية والاسلامية، فالأهم عند امبراطور الاحتلال نزع فلسطين من عمقها الاستراتيجي العربي والاسلامي ليتفرغ من نزعها من خريطة العالم وشطبها من كتاب القانون الدولي.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024