الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ترامب يقود أميركا للهاوية

نشر بتاريخ: 2019-05-08 الساعة: 01:35

عمر حلمي الغول  على عكس ما حمله شعار الرئيس دونالد ترامب في خطاب التنصيب في 20 من كانون ثاني/ يناير 2017 بـ "أميركا أولا"، عندما ضرب على الوتر العنصري المتغطرس، شاحذا عواطف العنصريين البيض على حساب أميركا الجامعة والصاهرة والموحدة كل سكانها في بوتقة الوحدة الأميركية، وتحت راية العلم الأميركي، لتبقى متبوئة مكانتها الإمبراطورية الأولى على حساب شعوب ودول وأقطاب العالم. جاء الرئيس حامل الرقم الـ44 أو الـ45 معمقا كل عوامل التشظي، والتمزق للنسيج والثقافة الأميركية الموحدة، ومطلقا العنان للنسر الأميركي ليحلق نحو حدود الجنون في الفضاء دون ضوابط، أو تحكم، وبعيدا عن محددات الطيران، وضوابط الجاذبية، مما أسهم في دفع النسر إلى دوامة السقوط، أو كما قال "برونو غيغ" في مقالته المشهورة بذات العنوان "سقوط النسر بات وشيكا" المنشورة في موقع "الخط الأحمر" ترجمة علي إبراهيم يوم الأحد الموافق 28 نيسان / إبريل الماضي (2019). هذا المقال الذي اسلط الضوء عليه.
ويستلهم غيغ (موظف كبير سابق، وكاتب مقالات ومختص بالسياسة، ويحاضر في العلاقات الدولية، وله العديد من الكتب المترجمة لثماني لغات) عنوانه من لقاء جمع بين الرئيس الحالي ترامب والرئيس الأسبق جيمي كارتر بناء على دعوة الأول ليقف منه على رؤيته للصين لا سيما وان الأخير كان هو المبادر عام 1979 بتطبيع العلاقات الأميركية الصينية. وعاد ونشر كارتر محتوى اللقاء بشكل علني خلال اجتماع جمعية عمومية معمدانية في جورجيا، ومما جاء فيه، والحديث للرئيس الأسبق "أنت تخشى ان تسبقنا الصين، وأنا أتفق معك، لكن هل تعرف لماذا الصين في طريقها لتجاوزنا؟ (منذ تاريخ التطبيع 1979) هل تعلم كم عدد المرات، التي خاضت فيها الصين الحرب ضد أيا كان؟ ولا مرة. أما نحن، فقد بقينا في حالة حرب دائمة. الولايات المتحدة هي البلد الأكثر ولعا بالحروب في تاريخ العالم، لانها ترغب بفرض القيم الأميركية على البلدان الأخرى، بينما تستثمر الصين مواردها في مشاريع مثل سكك الحديد للقطارات فائقة السرعة بدل تخصيصها للنفقات العسكرية (...) اما الصين فلم تبدد فلسا واحدا على الحروب، ولذلك هي تتفوق علينا في جميع المجالات تقريبا، ولو اننا انفقنا 3000 مليار دولار على البنية التحتية الأميركية، لكان لدينا سكك حديد للقطارات فائقة السرعة، وجسور لا تنهار، وطرق تتم صيانتها بشكل صحيح، كما ان نظامنا التعليمي سوف يصبح جيدا مثل نظيره في كوريا الجنوبية أو هونغ كونغ". بتعبير آخر يعترف كارتر ان التعليم في أميركا تراجع عن مستوى دول من العالم الثالث، ودول صغيرة، وليس لديها الإمكانيات الهائلة لبلاد العم سام.
ويستخلص غيغ مما تقدم قائلا "إنه أمر ذو دلالة كبيرة عن طبيعة السلطة في ذلك البلد، ألا يخطر هذا التفكير السليم ابدا في بال مسؤول أميركي، أن وضع العلاقة المرضية مع العنف المسلح موضع السؤال، هو أمر صعب بالتأكيد لدولة نسبة نفقاتها العسكرية 45% من الإنفاق العسكري العالمي، ولديها 725 قاعدة عسكرية في الخارج، ويتحكم صانعو الأسلحة فيها بالدولة العميقة، ويحددون السياسة الخارجية المسؤولة عن 20 مليون قتيل منذ سنة 1945". 
ويتابع غيغ معمقا رؤيته عن لعنة العسكرة وطيش القيادات الأميركية في صناعة الموت في العالم، فيقول "لأن المحافظين الجدد وغيرهم من "محبي القنابل" في البنتاغون، منذ عدة عقود من السنين، لم يقرنوا قط الديمقراطية الليبرالية بالمجازر الجماعية في فيتنام ولاوس وكمبوديا وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، ناهيك عن أعمال القتل السرية، التي ادارتها المخابرات الأميركية وفروعها، بدءا من إبادة اليسار الأندونيسي (500 الف قتيل) وصولا إلى مآثر فرق الموت في غواتيمالا (200 الف قتيل) مرورا بحمامات الدم، التي نفذت لحساب الإمبراطورية بواسطة مسعوري الجهاد العالمي. ولأن واضعي إستراتيجية احتواء الشيوعية بواسطة قنابل النابالم، ومن بعدهم مجموعة من المتهورين لنشر الفوضى الخلاقة بواسطة الرعب المستورد، لم يشعلوا النار ويسيلوا الدماء في الكرة الأرضية فقط، بل ان مروجي الحروب هؤلاء (...) قد أغرقوا المجتمع الأميركي نفسه في حالة ركود داخلي يختبئ خلف قناع الاستخدام المحموم لطباعة العملة. لانه إذا كان الولع بالحروب، هو التعبير عن تقهقر الولايات المتحدة، فإنه ايضا سبب في ذلك التقهقر. انه التعبير، حين تصبح العلامة الفارقة للسياسة الخارجية الأميركية".
وبالنتيجة المنطقية، التي يرصدها برونو غيغ وغيره من الأميركيين المختصين في متابعة التآكل التدريجي في مكانة الولايات المتحدة الأميركية نتاج السياسات المتهورة والطائشة، أو لنقل السياسات التي يصنعها الممسكون بقرون بلاد العم سام، من رواد الحروب وشرب دماء ابناء شعوب الأرض، ومنهم شعوب الأمة العربية عموما والشعب العربي الفلسطيني خصوصا، يصل إلى أن أميركا المنفلتة من كل عقال، التي وصلت ديونها الداخلية والخارجية حوالي ال25 تليريونا، وديون الشركات المسيطرة والقابضة على العولمة بلغت حوالي 75 تليريونا، بمعنى ان كل مواطن أميركي يعيش تحت ثقل الدين الخاص والعام، والتراجع العلمي، والتخلف النسبي في حقول وميادين البنية التحية مقارنة بدول العالم المتقدم، والبقاء في دوامة الحرب والعسكرة، التي أضفت أهمية ومكانة خاصة واستثنائية لدولة الاستعمار الإسرائيلية في المنظومة الفكرية والسياسية للدولة العميقة الأميركية، ودفع إدارتها الأفنجليكانية المتصهينة إلى متاهات صفقة القرن، وعمق الانهيار الأميركي، ودفع بالنسر الأميركي للسقوط التدريجي نحو الهاوية. والاستخلاص العلمي المؤكد، ووفقا للمعطيات والوقائع والأرقام، فإن الإمبراطورية الأميركية تسير بخطى حثيثة نحو التفكك والاندثار بحد أقصى لا يتجاوز الـ 2050. 
 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024