الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"تشومسكي" و 30 عام على "صناعة الاذعان" في الاعلام

نشر بتاريخ: 2019-04-25 الساعة: 03:11

عمار جمهور في ختام مقابلة بثت في شهر ديسمبر الماضي مع قناة الجزيرة الناطقة بالانجليزية قال المفكر العالمي نعوم تشومسكي، ردا على سؤال وجهه اليه المحاور من اين تحصل على معلوماتك، بان صحيفة النيويورك تايمز ما زالت حتى اليوم هي مصدره الاول للوصول الى المعلومة لاعتبارات عدة اهمها انها توفر تغطية شاملة للاخبار مكانيا وموضوعيا، بالاضافة الى صحيفة الواشنطن بوست وغيرها. هذا الجواب يعني أن مصدر المعلومة الاول يأتي من الصحافة الرصينة ذات القيم الاصيلة بعيدا عن الكم الهائل من المعلومات التي قد تكون مضللة ومنتشرة في وسائل التواصل الاعلامي والتي في احيان كثيرة يصعب التأكد من صدقيتها وموضوعيتها ودقتها وحقيقتها وحياديتها، بالاضافة الى تلك المعلومات والاخبار الخاضعة لسيطة ومعالجة المؤسسات الاعلامية العملاقة ك "سي ان ان" او "فوكس نيوز" وغيرها.

المقابلة جاءت في اطار برنامج اعلامي اعدته  قناة "الجزيرة" الناطقة باللغة الانجليزية بمناسبة مرور 30 عاما على تأليفه كتاب تصنيع او صناعة الموافقة او القبول بمشاركة ادوارد هيرمان. فهذا الكتاب يعتبر من اكثر الكتب تأثيرا وقراءة في العالم بشان التغطية الاعلامية، والتي يتحدث فيه عن الاقتصاد السياسي لوسائل الاعلام، ويقدم فيه نقدا جديا وتقييما موضوعيا  للعمل الصحفي. وكذلك لعلاقة الإعلام بالسياسة ومراكز صنع القرار، ويظهر كيف تدافع المؤسسات الاعلامية والصحفيون العاملون فيها عن الاجندات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومات والشركات العملاقة. وكيفية اظهار المؤسسات الاعلامية لنخب ريادية في المجتمعات في الوقت الذي تطمس فيه اخرين بما يحملون من آراء ووجهات نظر مختلفة او مناقضة. 

ويتطرق الكتاب الى خمسة افكار رئيسية تمثلت فيما يلي:

اولا: ـملكية وسائل الاعلام،  فالشركات الاعلامية هي مؤسسات عملاقة تعمل لتعزيز وتعظيم ارباحها بالدرجة الاولى فيما تأتي الصحافة السياسية في الدرجة الثانية لاحتياجاتها واهتماماتها، ووسائل الاعلام مرتبطة ارتباطا وثيقا ببنية الانظمة المسيطرة وبيئتها الحاكمة وسياساتها، وعلى سبيل المثال لا الحصر فملكية وسائل الاعلام الاسترالية الخاصة مرتبطة بنخبة وبعدد محدد من الشركات التي تسيطر على الاعلام والتي لا تختلف في طبيعة ملكيتها عن الانطمة الشمولية، فوسائل الاعلام في قبضة نخبة محددة  ومن الصعب اعادة هيكليتها لانها مصممة بطريقة تكرس بقاءها بيد عدد محدد من الشركات دون منازع ومنافس حقيقي وجدي.

اما فيما يتعلق بملكية وسائل الاعلام العام فهي مملوكة من قبل الدولة وتدار في بيئة ديموقراطية تتيح الفرصة لكافة وجهات النظر والاراء بالظهور بالرغم من اختلافها واختلاف السياسات الاعلامية للاحزاب السياسية الحاكمة، فعلى سبيل المثال. ففي حال تغطية قضية ما تعطى الفرصة لكافة الاراء المختلفة لتعبير عن موقفها في فترات زمنية متساوية بما يضمن تحقيق التوزان في التغطية الاعلامية. وتكون الغلبة لمن يمتلك خطابا اعلاميا مقنعا. ملكية وسائل الاعلام بشكل عام تتمحور حول المجال العام، والهيكل التنظمي لملكيتها، بالاضافة الى استجابتها لمتطلبات التغيير، وكذلك التطوير والاصلاح الاعلامي. ويشمل الاليات اللازمة للتنظيم والسيطرة على المؤسسات الاعلامية.

ثانيا: كشف الدور الحقيقي للإعلانات التجارية، فالصحافة تستهلك  نفقات مادية اكثر مما يدفع المستهلكون فتأتي الاعلانات لملء الفراغ والنقص المادي. وبالمقابل فان المعلنين يدفعون لكسب الجماهير العريضة بغرض بيعك كمتلق لرسائلهم واعلاناتهم المادة المراد منك ابتياعها. ففي كثير من الاحيان تجني الصحف ارباحا من اعلاناتها تفوق عشرات المرات قيمة العوائد المترتبة على عدد نسخ بيعها وتوزيعها. فالمبدأ الرأسمالي الاساسي في العمل الاعلامي يتمثل بكيفية تحقيق ارباح مادية من الاعلام كمنتج تسويقي، فالفلسفة الجوهرية التي تقوم عليها صناعة الاعلانات التجارية تقوم هي تعزيز الشهوة الشرائية الاستهلاكية بعيدا عن الحاجة والمتطلب المنفعي الاساسي للحياة.

ثالثا: ادارة المؤسسات للاعلام، حيث انه من الصعب ان تنفصل الصحافة عن مركز صنع القرار والنفوذ والسلطة، وذلك لأن تركبية وبنيوية النظام القائم تعتمد بدرجة عالية على التواطؤ، وذلك لأن الحكومات والشركات العملاقة والمؤسسات الراسخة تتقن فنون اللعبة الاعلامية، ومحترفة في التأثير في الرواية الاعلامية. وتجعل من نفسها ضرورة لعملية الانتاج  الصحفي والاعلامي. صعوبة الفصل بين الصحافة ومراكز صناعة القرار تتأتى من ان عملية الاتصال والتواصل بمجملها مرتبطة ارتباطا وثيقا بإدارة المهام العملية والاجرائية، بالاضافة الى ان ارتباطها الوثيق مع التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والتحكم ما يشكل بالضرورة جوهر ومضمون الادارة الاعلامية. كما ان الارتباط الوثيق بين الصحافة ومراكز صنع القرار يعتمد بالدرجة الاساسية على وجود معلومات يطمح صانع القرار لتمريرها، وفي حال غابت الرؤية السياساتية وتدنت نسبة المعرفة والمعلومة الاستهلاكية المراد ايصالها الى الجمهور المستهدف سيقود حتما الى ضعف في بنية القرار وتدني الاثر المترتب على ذلك. كما ان ارتباط المؤسسة الاعلامية بمركز يشكل قوة ضرورية للمؤسسة الاعلامية ونفوذها، لأن الوصول الى المعلومات الصحيحة في الوقت الصحيح يمثل ابرز معالم قوة المؤسسة لأن امتلاك المعرفة والمعلومة لعاملين في الحقل الاعلامي داخل المؤسسة الاعلامية سلاح مهم وفاعل للاقناع وايصال الرسالة بنجاح واقتدار.

رابعا: ان اي محاولة لمواجهة وتحدي السطوة والنفوذ ستقود بالمحصلة الى الخروج خارج اطار اللعبة الاعلامية، ما يحتم عليك البقاء خارج السياق، فاقدا مقدرتك للوصول الى المعلومة والمعرفة والحقيقة، الامر الذي سيحتم عليك خسارة القصة برمتها وستكون خارج الاطار المؤثر والفاعل بدون اي قيمة او اثر. وخاصة عندما تكون غير مقنع ومؤثر لمراكز النفوذ والقرار. وهو الامر الذي يعبر عنه واقع عمل الصحفيين البريطانيين والاميركيين الذين يمتنعون عن انتقاد سياسات شركات روبرت ميردوخ وخاصة بعد انهيار شركة "نيوز كوبريشن" اثر قضيحة التنصت على عدد من مشاهير العالم بهدف الوصول الى معلومات خاصة تساهم حال نشرها بتحقيق مبعيات هائلة للاعداد الورقية وتساهم في ترويج العلامات التجارية لشركات روبرت ميردوخ المنتشرة حول العالم.

خامسا: التغطية الاعلامية، من خلال ايجاد عدو والذي يتمثل بالشيوعية والاشتراكية والارهاب واللاجئين لإخافة الرأي العام، وتحضيره واقناعه بتقبل الاشياء التي لم يكن ليتقبلها لولا منظومة التخويف والرعب المخلفة لإطاره المعرفي برمته. حيث تتمحور الفكرة حول احاطة الجمهور بهالة من الخوف والرعب من خلال سلسلة ممنهجة من الدعاية الاعلامية المستهدفة لعقل وعواطف الجمهور. والقائمة على الخوف والترهيب والتهويل ما يقود الجماهير الى الاستسلام للمعلومات الصادرة من مراكز صنع القرار بغرض الحصول على الامان والطمأنينة، الامر الذي يمهد الطريق لصناعة الاشاعة والدعاية من قبل الحكومات والمؤسسات الاعلامية العملاقة. وهذا بالفعل ما حدث خلال حرب الخليج الثانية وغزو العراق التي نجح  الرئيس الاميركي جورج بوش الابن ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير في اقناع "بي بي سي" بوجود سلاح دمار شامل في العراق الامر الذي ثبت لاحقا عدم صدقه وزيف ادعائه، ووجهت لهم تهم متعلقة بتضليل الاعلام والتلاعب بالرأي العام الاميركي والبريطاني لحشد التأييد للاطاحة بنظام صدام حسين.

الافكار الخمس السابقة هي المحاور الاساسية لإثبات نظرية اعلامية واحدة، وهي ان  تصنيع الموافقة "الاذعان، الخنوع" يتحكم في اعادة صياغة كل شيء من حولك، ليجعل قناعتك متوافقة ومنسجمة مع ما يراد لك ان تؤمن به وتصدقه وتتصرف بناء عليه. وهو خلاصة كتاب نعوم تشومسكي المتعلقة بصناعة الموافقة، بالاضافة الى ارائه المشابهة والتي نشرها في كتابه السيطرة على الاعلام. وفي مقال له بعنوان "ما الذي يجعل وسائل الاعلام الرئيسية، وسائل اعلام رئيسية؟" المنشور عام 1997، والذي يقول فيه انه من السهل القيام بتحقيق منهجي لمقارنة اصدارات اليوم بالامس لترى الفرق ما بين ما يحدث فعلا في الواقع وما ينشر لتضح جليا الصورة حول كيفية هيكلة الاشياءـ وبالرغم من وجود وسائل اعلام لتأدية مهام محددة كالترفيه واعلام والتسلية الا انه يشير الى وجود وسائل اعلام اخرى نخبوية تحدد الاجندات السياساتية وتتمثل وفقا لرأيه في نيويورك تايمز والتي يعتبر جمهورها من المميزين من النخبة المجتمعية.

 

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024