الرئيسة/  مقالات وتحليلات

المتاهة ومنهج التفكير في حركة فتح

نشر بتاريخ: 2019-01-14 الساعة: 12:15

بكر أبوبكراتصل الأخ العزيز والمتحدث باسم الحركة في التعبئة والتنظيم الاخ منير الجاغوب مناقشا بحرارة في آليات التعامل مع الأحداث، وتحليل الحدث والاستنتاجات الصائبة، وطرائق التفكير سواء في حركة فتح أو في "حماس" أو التنظيمات اليسارية، وحسنا فعل.

حسنا فعل الأخ منير بفتح حوار جاد حول فكرة هامة لأنه من أسس الخلاف أن نتفهم، ومن أسس الفهم أن نمتلك منهجا للتفكير، ومن هنا أبدأ.

يرى المتأمل بالتفكير في حركة فتح تفكيرا منفتحا الى الدرجة التي يكون فيها التقبل للآخر أحد أهم المباديء. الا أنني أرى صعود بعض الأصوات داخل الحركة التي تنتهج  منهج القبول الحذر للآخر الوطني، أو حتى القول برفضه، وكأن الحركة قد تحولت في ظل الخصومة أو الأزمة لحزب فكراني (أيديولوجي)! وهي ما كانت ولن تكون.

بئر التفكير المغلق

لا نقبل أبدا الغرف من بئر التفكير المغلق في التنظيمات الأيديولوجية ومنها في "حماس" وتعبئتها الداخلية الصلبة التي نرفضها وهي التي تنطلق من افتراض الصواب والمطلق والقداسة وفسطاط الحق فيها فقط، خالطة في متاهتها بين العقدي الثابت وبين السياسي المتغير، فلسنا في خلاف عقدي مطلقا مع أحد، ولسنا في حركة فتح تنظيما دعويا، وما يجدر ب"حماس" أن تكون، فالدعوية مختلفة كليا عن السياسية، كما قال بصوت جلي الشيخ راشد الغنوشي.

 تظن تيارات "حماس" التعبوية الصلبة أنها بهذا الخلط المقصود ترتقي في سلم الصعود الى عرش الرحمان، بنفس الدرجة صعودا الى قلوب الجماهير، وما كانت الجماهير لتقبل أبدا من يصعد اليها بعقل مغلق أو قلب منتفخ بالأمراض التي أكبرها مرض كراهية الآخر أو الحقد عليه لمجرد الاختلاف، وما الله عز وجل بذلك من القابلين.

 في تفكير تنظيمات اليسار نظرة عامة متفاوتة ما بين الوطنية والثورية التطهرية العارمة، وما بين الانتهازية التي تترقب التفاحة أن تسقط بين يديها، في ظل افتراض انهيار المعسكرين "المتقاتلين" أي معسكري حركة فتح والتيارات الأيديولوجية الاسلاموية، ودعوني أتموضع مع الرأي الاول.

 حين أقفز لقضية واحدة هنا وهي قضية المنهج العقلي أو منهج التفكير في حركة فتح لأجعل منه منظاري حين قراءة الحدث وحين الفحص أو التحليل، ومن ثم الحكم آخذا بعين الاعتبار تفهم الانشداد والافراط في الخصومة فترة الأزمة، مقابل الهدوء والرياحين المنتشرة فترة التصالح أو الصفاء.

الأخلاق في طوري الأزمة أو الصفاء

أن من يتخذ خطا معاديا مع خصمه السياسي أو الثوري في جميع الأطوار، في   طورالأزمة وطور الهدوء أو حالة الصفاء فهو يضع نفسه في بوتقة الانغلاق، لأنه في ذات تعبئته الداخلية ينظّر لذلك مهما كان رأيه السياسي المتغير، وهو للأسف ما لم تستطع "حماس" أن تتخلص منه حتى اليوم، وللأسف هو ذاته ما بدأ يسرى في بعض دماء حركة فتح، أما الذي تحركه أحيانا فلتات لسان تتشابه مع أولئك أصحاب الفكر الايديولوجي فهو متساوق مؤقت معهم ينفّس عن مكنون غضب.

نحن -أو أنا- في حركة فتح لسنا أبدا مع منهج التفكير المغلق، ومع تفهمنا وعدم قبولنا للانفلاتات بين الطورين، لا نقبل التعبئة الداخلية الاقصائية مطلقا، لأن منهج تفكيرنا المنفتح له 5 قواعد كما أرى

أولا: الأولويات والتناقضات: إن الأولويات في فكر الحركة الوطنية الفلسطينية عامة، بل وحركة التحرر عامة، وعلى رأسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح هو العدو الصهيوني باحتلاله واستعماره وعنصريته وارهابه على امتداد فلسطين، بل وعلى امتداد مساحة العالمين العربي والاسلامي.

لا يتقدم على هذه الاولوية شيء، لا قضية ولا تنظيم ولا مرحلة ولا شخص، ومهما كثرت القضايا في المفاصل، او استطالت حتى أغلقت مجال الرؤيا أمامنا فإن قدرتنا على جعل السُحُب تنقشع، او استثمار الفرص في ظل حُلكة سواد الوضع الاقليمي والعالمي تنطلق فقط من أوحدية الرؤية للاولوية والتناقض الرئيس: أنه هو من يحتل أرضنا ليس في فلسطين فقط.

 لذلك فإن كل العوامل تتراكب لتُسهم بقوة في تكريس هذا الهدف،وحتى في فترات الازمات الداخلية فإنه لا يعمينا عن العمل مع الآخرين وإن بعد حين، مهما أساءوا لنا الى حد الفجور في الخصومة، كما نراها اليوم من البعض. فنحن في منهج تفكيرنا المنفتح التقبّلي نختلف كليا وبالاخص مع أصحاب التيار المنغلق أو الظلامي عند الخصوم.

 ثانيا: إن فكرة التقبل لدينا تعني بوضوح أننا نتبنى المنهج الديمقراطي وفق مقولة الخالد أبوعمار "ديمقراطية غابة البنادق"، أو وفق المفهوم الفتحوي بالمركزية الديمقراطية، أو الشورى –غير المفعلة-في حماس، أو مثيلها لدى اليسار، بمعنى أن منهج التقبل الديمقراطي أو الشوروي، يعني أن أبواب الاجتهاد وتعددية الآراء مفتوحة، ويتم من خلالها تقبل "المدارس " أو "التيارات" كما أسماها محمد سليم العوا في الاولى ود.محمد عمارة في الثانية. فكلنا في السياسة مدارس او تيارات تصب في البحر الكبير بحر فلسطين.

لا خلاف ديني مطلقا وإنما سياسي

من هنا وجب الفهم بوضوح أننا لا نختلف مع أحد دينيا أو عقديا (عقائديا)، فلا يجرنا أحد بعقليته الانتهازية القمعية الاستئثارية لمقولة المعسكرين أو لجعل الخلاف السياسي مع فصيل ما وكأنه خلاف مع الرب أبدا.

وما هذا الشكل من دبلجة الخلاف الا سياق الاستغلال الأيديولوجي لفاقدي الوعي السياسي الظانين كل الظن -وما هم بمتيقنين- أنهم على الجادة دوما، ولسنا نحن منهم أبدا.

إن فكر أو منهج التقبّل للآخر، يعني الموافقة على أنه موجود، وله حق التفكير المخالف، مهما كانت درجة مخالفته فجة، لا يجب أن يحكمها الا القانون، ولنقل والضمير الحي، وبذلك فنحن نضع له مساحة الى جوارنا ولا نقصيه مطلقا على عكس ما يضمرأو يصرّح هو في كتلته الصلبة.

لا نتساوق أبدا مع متاهة التفكيرالرفضوي أو المنهج الاقصائي، فلا ننجرف لنصبح مثله، فهذا هو جلّ ما يريده، فتصبح تعبئته الداخلية بمفاهيم الحق والباطل الباطلة، ويصبح مفهومه بالبديل صحيحا من وجهة نظره وأمام أتباعه، إذ يقول: أنظروا ماذا يقولون ألم نقل لكم أنهم أصحاب الباطل.

ثالثا: النظر بعينين اثنتين، وكلنا يعلم المثل الدارج استنادا للحدث المنسوب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حول من قُلعت عينه، وعدم التعجل وضرورة النظر للآخر فلربما قلعت عيناه الاثنتان.

ومن هنا وعلى نسق ذات القاعدة فإننا في حركة فتح-يا أخ منير، وأراك لا تبتعد كثيرا عن رأيي هذا- ومهما اشتدت الخصومة لنا مع "حماس" أو الشعبية أو"الديمقراطية"، أوغيرها، حتى مع أي من رجال الأمة، فلنا أن نعبر عن مضمون وجوهر الخلاف مع الآخر باحترام، نعم باحترام، ولكن دون إغفال مطلقا لايجابياته، إيجابيات الآخر، ودون الانجرار لمربع الظلاميين الشهير وهو مربع التخوين والتكفيروالتعهير، والتقبيح الى درجة التقيّح.

 

أخلاق الأزمة واخلاق الصفاء

رابعا: الفصل بين أخلاق الأزمة وأخلاق الصفاء:  بالإشارة لبيت الشعر الذي طالما كرره الاخوين أبوعمار وأبوإياد حين يختلفان، بل وحين كانا يختلفان مع الفصائل وخاصة مع حكيم الثورة جورج حبش (فترة الأزمة)، وحين تنفك ورغم التراشقات في هذه الفترة، كانا في (فترة الصفاء) يرددان القول أو البيت للإمام الشافعي القائل:

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ        وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا.

ومن هنا ننطلق للقول أننا ومتى عذرنا الكثير فترة الازمة الداخلية عن سوء ملافظهم،رغم أنهم كان يجب أن يعوا الفصل الحاد بين النقد والشتم فهما لا يلتقيان أبدا، فإننا لا يمكن أن نتفهم استمرار ذات الشيء فترة الصفاء، لأنه حينها يظهر بوضوح أصحاب الفكر الظلامي الإقصائي، وأصحاب منهج التفكير المنفتح منهج حركة فتح، والتيارات الوطنية في الفصائل عامة.

خامسا: صلابة ورحمة: ولا أجد أكثر دقة في التعبير مطلقا من قول الله عز وجل في محكم التنزيل "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"، تأسيا بما كان سياق الحدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، وتأملا وتفكرا لنا نحن بالآية الكريمة فإن "بينهم" وفي عصرنا الحاضر تشمل كل المسلمين و"مدارسهم" (راجعوا العوا والغنوشي وعمارة)، وفي الدولة الحديثة تشمل كل المواطنين بأديانهم ضمن الفهم الحديث للمواطنة، فلا نرى ب"الكفار" هنا الا ضمن فهم أنهم المعادين لنا أي المحتلين الغاصبين لأرضنا وهواءنا.

  يجب أن لا يتوه أحد لتأملات ماضوية صدِئة خارجة عن النص، وخارجة عن الفهم الانساني والاسلامي والمسيحي المتطور والمتغير نحو حسن التفكر والتدبر.

التمسك بالموقف والآخر

 وبناء عليه -يا أخ منير وأراك في ذات المربع معي- فإن النضال بكافة أشكاله والشدة في التعامل مع التناقض الرئيس، يقابلها حُسن التعامل الانساني مع الخصوم السياسيين وإن اختلفنا معهم، وضمن الوطن الواحد أو الأمة.

 نحن أبناء وطن واحد لا نختلف في هذه، كما لا نختلف عقديا مع أحد، وخلافنا السياسي الحياتي ثانوي دوما، مهما كان رأي الاقصائيين.

ولن نتساوق أبدا لنفكر بنفس منطق الاقصائيين الظلاميين القائل إما نحن أو هم فما هكذا تورد الإبل في السياسة أو الحياة أبدا.

نعم من حقنا أن نطرح رأينا بقوة ونحاجج ونناضل داخليا لنشره واستقطاب الجماهير حوله ليسود، فنحن نعتقد أننا في الرأي أو الموقف السياسي هذا اوذاك صائبون، وليقل الآخرون ما يريدون.

نرى بوضوح أن لا تناقض بين تمسكنا بموقفنا والتعبير عنه مقابل الآخر وبين التقبل لوجود أو كينونة المخالف وإن لم نوافق على طروحاته، فالمخالف وفكره نعترف به ونتعامل معه، أما نتاج فكره من مواقف فقد نتفق او نختلف معها، هذا حقنا وحقه، ببساطة لا يعني الاختلاف بالرأي القفز للعداء الشخصي أو المطالبة بقطع رقبته كما فعلت حماس في الانقلاب المدمر عام 2007

ان التقبل للآخر، والتراحم والمحبة والصفاء، والوعي بالشأن الرئيس والثانوي هو الأصل -حتى في ظل الاختلاف- وهو قد يأتي عند البعض الآخر بعد مرحلة الازمة، ولسنا بظلاميين أو اقصائيين أو مقدسين كما قد يرى البعض الآخر نفسه.

 وتظل فلسطين هي الجامع الاكبر لنا كأمة مهما اختلفنا في مقابل شدة التحشيد المشترك والمطلوب ضد المستعمر والمحتل، هكذا هو الأمر......إلا من أبى.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024