الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ترامب العراقي غير ترامب السوري

نشر بتاريخ: 2019-01-02 الساعة: 08:42

عبير بشير تحت جنح الليل وبطائرة مطفأة الأضواء مرفقة بسرب من الطائرات الحربية، هبط ترامب ومعه سيدة أميركا الأولى، في قاعدة "عين الأسد" الجوية بمحافظة الأنبار العراقية، لتهنئة الجنود الأميركيين المتواجدين فيها بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
ترامب عبر عن امتعاضه بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي رافقت زيارته للعراق، وقال: "من المحزن جدا عندما تنفق سبعة تريليونات دولار بالشرق الأوسط أن يتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك وأعظم المعدات في العالم، وأن تفعل كل شيء كي تدخل سالما".
كان يمكن لغزوة ترامب الخاطفة، أن تكون عادية وضمن الأعراف الدبلوماسية والتقاليد الرئاسية، التي اعتاد عليها أسلافه أمثال جورج بوش الابن، وباراك أوباما، لجهة تفقد قوات بلادهم المتواجدة في النقاط الساخنة، خلال فترة الأعياد.
غير أن توقيت هذه الخطوة، هو الذي جعلها مفاجئة، فهي جاءت بعد أيام، من قرار ترامب الانقلابي بالانسحاب من سورية، تحت عنوان، أن بلاده ملت من تقديم المال والسلاح في حرب أهلية في سورية.
وما قاله في العراق، إن قواته باقية لمراقبة النفوذ الإيراني، ومجابهة داعش، يجعل لزيارة ترامب العراقية نكهة مختلفة، وهي كانت كافية لإشعال غضب الأحزاب العراقية الموالية لطهران، الذين وضعوها في سياقها الصحيح باعتبارها إشهار تحدٍ للنفوذ الإيراني وتثبيتاً للموقف القائل إن ترامب ينسحب من سورية ليكثف حضوره أكثر فأكثر في العراق.
أي أن ترامب العراقي غير ترامب السوري، بحيث أن مواقفه التي أطلقها من قاعدة عين الأسد، أشرت على وعي مختلف لأميركا ودورها ونفوذها! 
ترامب الذي جاء إلى البيت الأبيض من خارج الإستبلشمنت، وفرض نفسه على الحزب الجمهوري وخطف الرئاسة، والذي لا يخفي إعجابه ببراعته في فن الصفقات، ويثق بترامب أكثر مما يثق بالمؤسسات الأميركية. لا يجد بعقلية التاجر والسمسار، ورجل الأعمال، في انسحابه من شرق الفرات في سورية، خسارة للولايات المتحدة، حيث لا وزن فعليا لتلك المنطقة في أسواق النفط والغاز، على عكس العراق ذي الثقل النفطي والجغرافي.
ثم إن قرار ترامب ينسجم مع ما كان يقوله في أثناء حملته الانتخابية، إنه "يجب أن ننأى بأنفسنا عن سورية، فالمعارضون سيئون مثل النظام السوري".  
وكانت موافقة ترامب على إبقاء قواته في سورية مرتبطة بشكل مباشر بالحرب على تنظيم داعش، ولم تكن هذه الموافقة متصلة بدعم القوى المناهضة لنظام بشار الأسد، ولا حتى بدعم القوى ذات الغالبية الكردية، قوات سورية الديمقراطية، رغم الدور المحوري الذي لعبه هؤلاء في الحرب على داعش.
وعلى ما يبدو، فإن الغرب، ومعه مؤسسات أميركية عريقة، لم تستوعب قرار ترامب "الأكروباتي" بين التدخل هنا والانسحاب هناك، والتفرج على تداعيات التدخلات والانسحابات التي تعيد توزيع الأوراق والحسابات بين الأطراف، من على شرفة البيت الأبيض.
فتحت عنوان "جهود الغرب قد فشلت في سورية" كتبت صحيفة ديلي تلغراف، إنه بقرار ترامب، عادت سورية إلى المربع الأول الذي كانت فيه قبل ثمانية أعوام عندما اندلعت الحرب الأهلية بعد محاولات يائسة للإطاحة ببشار الأسد. 
وتشير التلغراف، إلى أن المشاركة الغربية ظلت مضطربة ومشوشة بينما خطا الإيرانيون والروس لملء الفراغ، وكذلك فعل الأصوليون الإسلاميون. وترى الصحيفة أن القتال من أجل الديمقراطية استحال إلى قتال ضد التطرف الإسلامي، وقاد إلى أن يعقد الغرب هدنة مع الأسد. 
وصنع قرار ترامب بالانسحاب من سورية، "دربكة" في الإقليم، وبدا كأن حراكا سريعا يجري على قدم وساق، من أجل ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأميركي، وكأن سحباً تتجمع ويجري إعداد المظلات لاتقاء السيل.
وأدركت قوى الإقليم، أن قواعد اللعبة اختلفت، وصحت مقولة أن الأميركيين "يخربون اللعبة ولا يلعبون" التي كان يرددها المعارضون السوريون. 
واضطرت تركيا إلى إرجاء حملتها التي كانت على وشك إطلاقها شرق الفرات، فرغم "التفويض" الترامبي، والترحيب التركي، لا يستطيع الأتراك التقدم وملء الفراغ الناشئ عن الانسحاب الأميركي، ومجابهة قوى النظام السوري، وداعش، وقوات سورية الديمقراطية مرة واحدة، بل كانت أنقرة تخطط لقصقصة القوات الكردية، في وجود القوات الأميركية. 
ولم يعد الحديث سراً عن اتجاه عددٍ من الدول العربية لمحاولة إعادة تأهيلٍ للنظام السوري وعدم ترك سورية للنظام الإيراني، ففي السياسة تنتصر المدرسة الواقعية، على المدرسة المثالية، والثابت الوحيد في السياسة هو التغير وأحيانا الانقلابات.
وفي هذا السياق، أتت عودة دول الخليج للساحة السورية، لضبط التمدد الإيراني والتركي هناك. بعد تيقنها من هزيمة المعارضة السورية، بعد التدخل الروسي الكثيف لإنقاذ الأسد، وأخطاء وخطايا المعارضة السورية القاتلة، ووصلت القناعة بأن هدف التغيير السياسي في سورية أصبح سرابا.
وبعد قرار الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق، وفتح السفارة البحرينية في دمشق، تجنب الاثنان الحديث عن النظام السوري، وركزا على أن القرار هو لمواجهة التمدد الإيراني والتركي، في تلك المنطقة المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية. 
وفي تغريدة له، أوضح أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أن "الدور العربي في سورية أصبح أكثر ضرورة تجاه التوحش الإقليمي الإيراني والتركي".
وعلى كل حال، وبصرف النظر عن وجاهة قرار ترامب بالانسحاب من سورية، والذي أتى بنقرة توتير، من عدمه، يبقى القرار صادما، على كل الأوجه.
أو كما قال الأستاذ غسان شربل، إن قرار ترامب ذكره بما سمعه قبل سنوات من رئيس أركان الجيش العراقي نزار الخزرجي عن قرار الغزو العراقي للكويت، حين سأله عن دوره في الغزو، فأجاب: "كنت نائماً في منزلي ليلة الأحداث، واتصل بي صباحاً سكرتير القيادة العامة وطلب أن أذهب إلى مقرها. وحين دخلت مكتبه قال: أكملنا احتلال الكويت. سألت: كيف؟ فأجاب: الحرس الجمهوري والقوة الجوية وطيران الجيش أنهوا احتلال الكويت.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024