الرئيسة/  مقالات وتحليلات

سوار الذهب خالد أبداً

نشر بتاريخ: 2018-10-28 الساعة: 08:23

عمر حلمي الغول رحل الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب عن عمر يناهز الثالثة والثمانين عاما في المستشفى العسكري بالعاصمة السعودية، الرياض يوم الخميس الموافق ال18 من إكتوبر الحالي 2018. لكنه لم يرحل مع مواراة رفات جثمانه الثرى في السعودية بالقرب من قبر الرسول العربي الكريم، محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم. لإنه ترك إرثا عظيما في فلسفة الحكم لإبناء الأمة العربية والعالم أجمع.  

 قصة هذا الرجل مع الحكم هامة جدا، عكست نبل أخلاقه وقيمه وشجاعته وإحترامه لوعوده، ووفاءه لإلتزاماته أمام القوى، التي تبنت توليه الحكم بعد الإنقلاب على الرئيس جعفر النميري عام 1985، ولإنه كان الأعلى رتبة بين أقرانه، حيث كان يحتل موقع وزير الدفاع، ويحمل رتبة مشير عسكري. وتم الإتفاق على توليه الحكم لمدة عام لحين إجراء إنتخابات، وترتيب شؤون البيت السوداني، وفعلا في العام 1986 سلم أحمد الميرغني كرسي الرئاسة، ومن ثم إعتزل السياسة كليا.

ما أهمية سلوك الرجل في العالم ككل، والعالم الثالث بشكل خاص، وفي العالم العربي بشكل أكثر تحديدا؟ بصراحة شديدة يعتبر إلتزام سوار الذهب بتعهداته ذات دلالات غاية في الأهمية لجهة: أولا أنه تخلى طواعية عن الحكم، ولم يتشبث فيه، ولم يغدر بمن كلفوه الأمانة؛ ثانيا طبق معايير الديمقراطية بأجلى صورها في السودان، مع انه وصل إلى سدة الحكم عن طريق الإنقلاب العسكري على الرئيس الفاسد جعفر النميري، ومع ان السلطات السياسية والعسكرية بين يديه، إلآ انه تركها، وتخلى عنها بهدوء ودون ضجيج؛ ثالثا رغم ان الرجل ذات خلفية إسلاميوية، ولكنه كان رجل دين عادل، إحتكم وأمتثل بالخلفاء الصالحين، ولم يأت للولاية السياسية إلآ نتيجة لحظة إستثنائية في تاريخ السودان، ولم يصل لكرسي الحكم طامعا، ولا فارضا نفسه؛ رابعا لو كان إخوانيا مسلما لورط السودان في مذابح أهليه لها أول وليس لها آخر. وأردت الإشارة لذلك لأميز بين رجل دين حكيم، ومؤمن حقيقي، وبين رجال الدين التجار، الطامعون بالحكم، والمنافقون وأدعياء الحكم الفاسد بإسم الحكم الرباني.

كان المشير سوار الذهب شبعانا، وغنيا وحكيما وعادلا، ومحترما، لم تغُيه الألقاب والمناصب ولا النياشين، ولم ينهب ثروات الشعب، ولم يسىء الأمانة، وبقيت كفه نظيفة وبيضاء كإسم مسقط راسه، مدينة الأبيض، التي أبصر النور فيها عام 1934، وحافظ على الأمانة برجولة وشهامة وفروسية قل مثيلها في العصر الحديث في بلدان العالم الثالث والدول العربية، التي تعود حكامها، التي تجري فيها إنتخابات شكلية بالحصول على 99,99%، وضاهى ديمقراطية دول العالم الأول، التي تلتزم بمعايير الديمقراطية وإفرازات صناديق الإقتراع. لا بل يمكن القول، أن الرئيس عبد الرحمن صدم الحكام العرب بنبل أخلاقه، ورفضه البقاء في سدة الرئاسة. لكنه للأسف لم يؤثر فيهم، ولم يترك ولا بصمة ولو كانت هامشية وصغيرة، لإن جلهم يمكن ان يكون إعتبره "متخلفا عقليا"، أو "مريضا نفسيا"، وإن تواضعوا وشاؤوا إحترام خلفية الرجل، إعتبروه متواضعا، ولا يصلح للحكم.

هكذا فارس عربي يعتبر نموذجا يحتذى به، وعنوانا للقيادة الشجاعة والحكيمة، ودرسا عظيما في سِنة الحكم، ورجل دين يعرف الله وكتبه وأنبيائه ورسله، ولم يُّحمل العلي القدير تبعات ولايته الحكم، ولم يُّقول الرسول الكريم، محمد بن عبدالله، عليه احسن الصلاة والتسليم ولا سنته النبوية أي مسؤولية عما قُّدر له. وتعامل مع الأمور بروح عالية من المسؤولية، محترما أرادة من عاهدهم وعاهدوه الحكم، وترك الحكم راضيا مرضيا، مما جعل كل من عرفه وليس من ابناء الشعب السوداني فقط، ان يجلوه ويحترمونه ويرفعوا إسمه عاليا، ليبق خالدا أبدا لإفضاله في الحكم والأمانة والإستقامة.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024