الرئيسة/  مقالات وتحليلات

كسر طبوغرافيا الفعل الثقافي

نشر بتاريخ: 2018-08-05 الساعة: 09:02

عمار جمهور لقي تنظيم معرض فلسطين الدولي للكتاب هذا العام صدى لافتا، كونه جاء خلال فترة تشهد حراكًا ثقافيًّا تقوده وزارة الثقافة التي عملت على جعل محافظات الوطن اقرب ما تكون الى ورشة ثقافية تنموية شاملة، عبر تنظيم سلسلة من النشاطات الثقافية ساهمت في اعادة حضور وزارة الثقافة ومكانتها، مثلما أعادت للثقافة هويتها وطابعها الوطني.

وبات جليًّا للجهمور الفلسطيني الدور الذي تلعبه الوزارة في تنظيم الانشطة الثقافية والفنية ورعايتها واحتضانها، واهمية الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية لشعبنا الذي يصارع الاحتلال بما فيه الصراع الثقافي وما يرتبط به من سؤال وجودي للشعب الفلسطيني وتجذره في ارضه بدءًا من الاسطورة ومرورًا بالاشكال الثقافية كافة كمنتج مقاوم للفعل الاحتلالي، الذي يسعى لطمس الهوية الوطنية لشعب متجذر في ارضه منذ مئات السنين.

 لعبت الوزارة في الفترة القليلة الماضية دورا فعالا ومحوريا في إعادة موضعة الفعل الثقافي على سلم الاولويات والاحتياجات الوطنية، بما يعكس رؤية واضحة ومنهجية تنفيذية فعّالة، لخلق حالة ثقافية حقيقية من حيث مضمون الفعل الثقافي ومكانه، فتنظيم الفعاليات المتنوعة بما فيها معرض الكتاب والندوات والعروض السينمائية المرافقة له، ساهم في إعادة إحياء الحالة الثقافية في فلسطين.

 وتجلى الفعل الثقافي في دعم الانشطة بطريقة افقية بعيدا عن مركز الفعل السياسي "رام الله"، في محاولة للتمرد على مركزية الفعل الثقافية واختزاله بمكان محدد، بل تخطى ذلك لينقله الى الهوامش في محاولة جدية لإعطاء الفرصة للهوامش لانتاج ثقافتها ومعرفتها، والسماح لها باعادة تشكيل الهوية الوطنية الجمعية. وكسر الصورة النمطية التي تشكلت وتقوقعت حول اهمية ومركزية مدينة رام الله كمحتكر رئيسي لانعكاسات الفعل الثقافي الفلسطيني وتجلياته، من خلال افتتاح سلسلة من الندوات والورش والمعارض الثقافية والفنية في العديد من مدن الضفة، بالاضافة الى تقديم ما امكن تقديمه من دعم ومساندة لقطاع غزة رغم الظروف السياسية والامنية الراهنة.

ويأتي ذلك رغم الصعوبات والتحديات التي تعتري واقع المؤسسات العامة والحاجة الى اعادة هيكلتها بطريقة تتناسب مع دورها في القيام بواجبتها تجاه المجتمع، وتقديم الافضل ثقافيا للجمهور، بما يتناسب مع رؤيته "الجمهور" ومتطلباته"، بعيدًا عن الاشكال النمطية وبذات الطريقة البيروقراطية. وتقديم الموازنة اللازمة لها لتأكيد تنفيذ خططها وبرامجها، فرغم ذهاب النسبة الأعلى من الموازنات العامة لقطاعي الصحة والتعليم، الا انه من الاهمية بمكان النظر الى زيادة الموازنات المخصصة للقطاع الثقافي، لأهمية الدور الذي يلعبه في مواجهة التحديات الاقليمية والمحلية، في ظل ما قد تتعرض له الهوية الوطنية الفلسطينية من تشرذم وتراجع مفهوم الانتماء والمواطنة الصالحة. وصقل هوية الشباب الفلسطيني وتنمية هواياتهم الثقافية، ليساهموا في الحفاظ على الهوية الوطنية واعادة موضعتها، ورفدها بكل الإبداعات الممكنة في المجالات كافة.

من الضروري ان تستعيد المؤسسات الوطنية والرسمية دورها الريادي في انتاج المعرفة على المستوى الجمعي الفلسطيني بما يساهم في خلق الهوية الوطنية للكل الفلسطيني، بغض النظر عن المكان، وتكسير ما تم تكوينه خلال السنوات العشرين الاخيرة لطبوغرافيا الفكر مكانيًّا، وإعادة الهيبة للمؤسسات الوطنية في انتاج المعرفة غير المشروطة والمرتبطة باتجاهات حركة رأس المال السياسية، فالمؤسسات الدولية وما خلقته من مؤسسات هجينة لا تنتج معرفة وطنية حقيقية، فأربابها يتباكون على انتاج المعرفة متناسين دورهم ومسؤوليتهم الريادية المفترضة.

ولذلك، فإن الوزارة بمؤسساتها ورؤيتها وتوجهاتها يجب أن تشكل النواة الاولى لإحداث التغيير والتطور المطلوب، لاستعادة هيبة الفعل الثقافي، ووضعه في اطاره الصحيح انطلاقا من المسؤوليات الوطنية العليا المستمدة من العمق الملحمي للرواية الفلسطينية واحقيتها الوجودية. 

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024