الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ملاحظات على هامش عودة مهاتير محمد (1من 2)

نشر بتاريخ: 2018-06-05 الساعة: 11:07

عبير بشير من كان يتخيل أن يعود رمز النهضة الماليزية مهاتير محمد إلى رئاسة الوزراء في سن الثانية والتسعين، بعد غياب طوعي عن الحكم لمدة خمس عشرة سنة.
ليس هذا فحسب بل أن تكون عودته على رأس تحالف المعارضة - باكاتان هارابان - ، عقب فوز التحالف بأغلبية مقاعد المجلس النيابي، وإزاحة الحزب الحاكم الذي تزعمه مهاتير بنفسه لأكثر من اثنين وعشرين عاما، والذي قال عنه فور إعلان النتائج، إن حكم الائتلاف الحاكم انتهى.
واجه رئيس الوزراء الدكتور مهاتير محمد إبان حكمه، نفس المشكلات التقليدية الشائعة في الشعوب النامية مثل: انتشار الجهل والأمية، انعدام المهارات الإنتاجية، غياب روح الإبداع والمغامرة، الميل الأصيل إلى الكسل، إضافة إلى الهزيمة النفسية وانعدام الطموح والرغبة في التعلم والنهوض والتقدم. 
كانت هذه هي السمات الأساسية الراسخة في خصائص الشعب الماليزي - خاصة السكان الأصليين وهم الأغلبية الملايوية المسلمة دون السكان غير الأصليين وهم الأقلية الصينية  والهندية – وهو ما تطرق إليه مهاتير محمد في كتابه الشهير «المعضلة الملايوية» الذي ألفه في سبعينيات القرن الماضي، حيث انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمه بالكسل والخنوع، ودعا فيه الشعب لثورة صناعية تنقل ماليزيا من إطار الدول الزراعية المتخلفة إلى دولة ذات نهضة اقتصادية عالية. 
آنذاك، قرر الحزب الحاكم في ماليزيا، والذي يحمل اسم منظمة المالايو القومية المتحدة والتي كان مهاتير عضواً فيها، منع تداول الكتاب نظراً للآراء العنيفة التي تضمنها، وأصبح مهاتير محمد في نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لابد أن تحظر مؤلفاته، وبعد منع تداول الكتاب، حظي مهاتير بشهرة كبيرة، وتم انتخابه عضواً في البرلمان الماليزي، ثم اختير وزيراً للتعليم، قبل أن يتمكن من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء في العام 1981 لتبدأ رحلة التحديث والنهوض الماليزية.
ويرى الخبراء أن الكتاب كان له دور كبير في دفع شعب الملايو للعمل والتقدم، كما تطرق مهاتير إلى مشاكل الغالبية الملايوية المسلمة في مذكراته الشخصية «طبيب في رئاسة الوزراء»، ولعل من أمثلة ما ذكره بهذا الخصوص: «عندما كانت الدولة تخصص للأغلبية الملايوية من السكان الأصليين حصصاً وأسهماً في صناديق الاستثمار والشركات الوطنية، وكانت تُلزم المستثمرين الأجانب بتخصيص حصة قدرها 30% لهم، من أسهم شركاتهم، كان الملايوية يبيعون تلك الأسهم إلى الأقلية الصينية لجني أرباحٍ سريعة بدلا من المغامرة ، وجني أرباح أكثر على المدى البعيد.
كان لمهاتير وفريقه فلسفه خاصة، قد لا يوافقه عليها كثيرون، وهي: أنهم لاحظوا أن الصينيين - أكثر تطوراً من السكان الأصليين، وهذا لن ينعكس إيجابا على مستقبل البلد، لأنه عندما تتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء يصبح الصدام حتميا، وعندما يكون الفقراء من عرق والأغنياء من عرق آخر تصبح حتمية الصدام والعنف أكبر. 
ولمواجهة ذلك قرروا القيام بجهد كبير لرفع المالاي إلى مستوى الصينيين في أنماط المعيشة، وتقليص الفجوة بينهما، كالقيام بخطوات حاسمة تتضمن منح المالاي فرصا أكبر وتدريبهم على حياة ذات صلة بالتطور الاقتصادي بدل عيش الكفاف البسيط.
وإذا ما كانت تلك السياسة تمثل تمييزاً ضد المواطنين المهاجرين، يجيب مهاتير «كان لا بد لنا من إعطاء منح أكثر للماليزيين لدخول الجامعات أكثر مما نعطي للصينيين، وقد يبدو هذا ظلماً للصينيين لكن الحقيقة أن معظم الصينيين أغنياء ويستطيعون الإنفاق على التعليم، فيما لن يستطيع المالاي التقدم دون دعم الحكومة.
كما تحولت ماليزيا في عهد مهاتير، من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، خاصة القصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة، وأصبحت ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي، بفضل مجموعة من السياسات.
يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء إن حكومته أدركت تماما أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق سياسة النظر إلى الشرق، ولم يكن خيار النظر شرقا، يعني النظر إلى القوة التصنيعية والتجميعية لدى اليابان وكوريا الجنوبية والصين فقط، وإنما النظر إلى العناصر التي أسست لنجاحها، وهي الأسس الأخلاقية والاجتماعية والتربوية، كقضية أخلاق العمل، والاجتهاد، والعمل الدؤوب، والتخطيط، والإخلاص، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم. ودقة التنظيم، والمهارات الإدارية والفنية، كما امتدح مهاتير ثقافة «العار» اليابانية، والتي تجعل الياباني يفضل الموت على شعوره بالفشل أو حتى بالتقصير. 
وقد يبدو خيار النظر شرقاً، مخالفاً لمفهوم خيار النظر غرباً، والبحث عن قيم التطور في أوروبا عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير فضل التجربة الآسيوية، نظراً للتقارب الثقافي والحضاري بينها وبين بلاده، وأنه يجب ألا تقبل أي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب.
ويمكن أن نضيف عاملا شخصيا وهو نفور مهاتير من الغرب وكراهيته للنزعة الإمبريالية التي تميز بها النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي، ورغبته الدائمة في الهيمنة على الآخر، ونهب الاقتصاديات النامية. كما أكد مهاتير دائما رفضه لفكرة العولمة حسبما تقدمها أو تفسرها الولايات المتحدة، ذلك لأنها ستؤدي إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الأميركية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الأمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى.
ودارت أسئلة كثيرة حول شخصية باني نهضة ماليزيا الذي لم يكن دكتاتوراً ولا ديمقراطياً، بل قبض على العصي من منتصفها، وهذا ما احتاجت إليه ماليزيا في عهده، التي تتألف من أعراق متعددة.
وكتب مهاتير مقالاً طويلا سماه «الديمقراطية»، أشار فيه إلى أن معظم البلدان المُستقلة حديثاً اختارت الديمقراطية لبناء أنظمتها السياسية، حيث كانت تلك الدول تعتقد بأنها ستحصل على حكومات جيدة كون الشعب هو من سيختار قادته، لكن تلك الشعوب تتأسف الآن على اليوم الذي اختارت فيه نظام الديمقراطية، فقد انتخب الناس أشخاصاً يسيئون استخدام السلطة الممنوحة لهم، ولديهم القدرة على البقاء في السلطة لعقود طويلة وأصبحوا قادة دكتاتوريين. 
ومن الواضح أن الديمقراطية نظام عظيم، ولكنها غير مثالية، كما يرى مهاتير، فهي صالحة في معظم الدول الغربية، بسبب ثقافة شعوبها، الذين هم أكثر نضجاً وخبرة، أما عند الشعوب الغافلة عن حقوقها وواجباتها، فالديمقراطية ستقودها في النهاية إلى حكومة من المحتالين، كما يقول.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024