الرئيسة/  مقالات وتحليلات

قرع طبول الحرب لا يعني الانزلاق إلى أتونها... ولكن!

نشر بتاريخ: 2018-05-07 الساعة: 09:14

عريب الرنتاوي سحب سوداء كثيفة، تتلبد في سماء الإقليم، وتحديداُ فوق إسرائيل وإيران وكل من سوريا ولبنان، فبعد الغارة الإسرائيلية على مطار "تيفور" في الثامن من الشهر الماضي والضربة الجوية/ الصاروخية الغامضة في التاسع والعشرين منه، على مقر اللواء 47 في ريف حماة، بدا أن "حرب الوكالة" بين إيران وإسرائيل في سوريا وعليها، قد دخلت منعطفاً جديداً، "حرب الأصلاء"... فالغارتان الإسرائيليتان، استهدفتا عن سبق الترصد والإصرار، جنوداً وضباطاً وخبراء إيرانيين، وأودتا بحياة عدد كبيرٍ منهم، فيما إيران توعدت برد قوي ومفاجئ، تنتظر عواصم المنطقة والعالم ذات الصلة، كيف سيكون، ومتى.

وإذ تترافق هذه التطورات الميدانية، مع تفاقم التوتر والتصعيد، بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، وتزايد حدة الاتهامات والتهديدات المتبادلة بين هذه الأطراف، سيما بعد كشف رئيس وزراء إسرائيل عن ألوف الوثائق حول برنامج إيران النووي، والتي استولى عليها جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، من قلب طهران، في عملية استخبارية نادرة واستثنائية، فإن كثير من التكهنات والتقديرات يجري تداولها في المنطقة، تتحدث عن قرب اندلاع مواجهات واسعة بين الجانبين، دون استبعاد وقوع السيناريو الأخطر: الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها.

صحيح أن كافة الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية "روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وحزب الله، فضلاً عن النظام السوري" لا ترغب التورط في حرب شاملة، بل وليست لها مصلحة فيها، وتسعى في تفاديهما، لكن مسلسل الأفعال وردود الأفعال العسكرية المتبادلة، قد يخلق ديناميكيات جديدة، وقد يقود الأطراف إلى ما لا ترغب به من خيارات.

الولايات المتحدة لا تريد حرباً في سوريا أو المنطقة، بعد المآلات الصعبة التي انتهت إليها حربين سابقتين، في أفغانستان (2001) والعراق (2003)، والرئيس الأمريكي لطالما لوّح بنيته سحب قواته بلاده من سوريا "قريباً جداً"، حاثاً الشركاء والحلفاء إلى زيادة مساهمتهم في الحرب على "داعش" وملء فراغه في الشمال الشرقي لسوريا... لكن الولايات المتحدة في المقابل، لن تسلم سوريا لروسيا، ولا ترغب في تحويل هذه البلاد، إلى ملعب رئيس للنفوذ الإقليمي لإيران، ولا تريد لطهران أن تقيم ممرات برية تربط بين "قزوين" و"المتوسط"، ولن تترك إسرائيل وحدها في مواجهة إيران.

أما روسيا، فهي تشاطر الولايات المتحدة الرغبة ذاتها في تفادي سيناريو الحرب الشاملة، وهي تعرف أن أي مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل في سوريا، قد تجهز على المكاسب "الاستراتيجية" التي حققتها العسكرية الروسية في سوريا، ثم أن لموسكو أولويات أخرى في سوريا، غير تلك التي لإيران، وهي معنية بالإبقاء على تعاونها مع إسرائيل، ومنع تحويل الحدود الجنوبية لسوريا مع إسرائيل، إلى "جنوب لبنان" آخر.

إسرائيل في المقابل، لديها ثلاثة "خطوطها الحمراء" التي تسعى في تكريسها ومنع التجاوز عليها: (1) منع إيران من بناء قواعد عسكرية ووجود مسلح وازن في سوريا ... (2) الحيلولة دون انتقال سلاح "كاسر للتوازن" إلى حزب الله" ... (3) احتفاظ سلاح الجو الإسرائيلي بحرية حركة في الأجواء السورية ... إسرائيل ليست معنية على نحو خاص، بقلب نظام الأسد، وبعض أوساطها الأمنية والاستراتيجية، تنظر إليه بمنظار  "شيطان تعرفه خير من شياطين لا تعرفها"... وبهذا المعنى، فإنه ليس من الصعب على إسرائيل، أن تجد مساحة مشتركة واسعة مع السياسة الروسية في سوريا، وبعض الأوساط الإسرائيلية يرى أن روسيا وإن كانت على علاقة تنسيق وتعاون مع إيران، إلا أنها لا تشاطرها الأهداف الاستراتيجية ذاتها في سوريا.

إيران بدورها، "استثمرت" الكثير من الموارد المالية والبشرية والعسكرية في سوريا، وهي ليست بصدد التخلي عن كل هذه "المكتسبات"، وهي تدرك أهمية تواصلها العابر للحدود مع العراق وسوريا، وصولاً إلى "كنزها الاستراتيجي" في لبنان: حزب الله ... وهي معنية بصورتها كزعيمة لما يسمى بـ"محور المقاومة والممانعة"، الأمر الذي سيجبرها على الرد على الضربات الإسرائيلية، ولكن من ضمن حدود ومعادلات لا تفضي إلى الانزلاق في مستنقع حرب شاملة معها، تدرك طهران تمام الإدراك، أن نهايتها قد تهدد كافة المكتسبات التي راكمتها في دول "الهلال الشيعي".

إيران تكتفي بالتلويح بردود "مزلزلة"، وحرب قد تكون الأخيرة بالنسبة لإسرائيل، وهي إلى جانب حزب الله، تعهدت بأن تشمل ساحة الحرب المقبلة، سوريا ولبنان وغزة، وليس سوريا وحدها، مع أن المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل، لا تأخذ التهديدات الإسرائيلية بحرفيتها تماماً، وتكتفي بتوظيفها إعلامياً ودعائياً لحشد التأييد ضد "التهديد الإيراني الماثل"، وهي تدرك أن ثمة حدود لقدرة إيران على ضرب إسرائيل، وأن نظرية "وحدة الجبهتين" السورية واللبنانية التي يتحدث عنها الجنرالات الإيرانيون والناطقون باسم حزب الله، ليست مؤكدة تماماً ... فلبنان ليس بوارد استدراج حرب مدمرة جديدة، وحزب الله يفتقد للغطاء "الشعبي" الذي يؤهله خوض غمار حرب جديدة، وفي سوريا، ليس من المثبت على الإطلاق، أن النظام في دمشق، يرغب في حرب مع إسرائيل، أو يريد تحويل الجبهة الجنوبية، إلى جنوب لبنان آخر... وغزة لديها ما يكفيها من متاعب الحصار، وليس من المعتقد أن تخوض حماس في غزة، حرب إيران في سوريا، وهي التي اتخذت مواقف عدائيه من النظام السوري، منذ اندلاع الأزمة، مقامرةً بعلاقاتها مع طهران وحزب الله... كما أن "ثقل الدور الروسي" في سوريا، سيكون في مختلف الأحوال، من بين الكوابح التي تحول دون اندلاع حرب كبيرة، ودون إنفاذ نظرية "وحدة الجبهتين".

في ضوء هذه المعطيات جميعها، يصعب ترجيح انزلاق الأطراف إلى أتون حرب شاملة في سوريا وعليها، مع أن التطورات الميدانية، تُبقي هذا السيناريو غير المحبذ لكل الأطراف، من ضمن دائرة الاحتمالات والممكنات، والمرجح أن تقتصر "ردة الفعل" الإيرانية، على عملية محدودة في نطاقها وأهداف، تحفظ لإيران "كرامتها" وسمعتها، ولا تفضي إلى ما هو أبعد من ذلك، تماما مثلما فعل حزب الله والنظام السوري في مرات عديدة سابقة، إذ تعمدا الرد بإسقاط طائرة إسرائيلية فوق الأجواء السورية، أو استهداف مواقع إسرائيلية، بصورة محدودة، لا تفضي إلى انقلاب المعادلات وتغيير قواعد الاشتباك، ولا تنتهي إلى اندلاع حرب شاملة.

الأرجح أن إيران، ستميل لاعتماد نظرية "النفس الطويل" في التعامل مع "الاستفزازات" الإسرائيلية وعمليات "التحرش" التي استهدفت جنودها وخبراءها، وهي تراقب بارتياح النجاحات الميدانية والاختراقات الواسعة التي تحققها قوات النظام مؤخراً، وتتابع باهتمام بالغ، استعجال إدارة ترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا، لـ "تبني على الشيء مقتضاه"، وهي تنظر بكثير من الترقب والاهتمام لتطور العلاقات التركية – الأمريكية، وتفاعلات الملف الكردي في شمال سوريا، علّها تجد هناك، شقوقاً وفرصاً لتعظيم مكاسبها وإدامة وجودها.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024