الرئيسة/  مقالات وتحليلات

قصة عشق (2)

نشر بتاريخ: 2018-02-18 الساعة: 12:24

رامي مهداوي في الصباح الباكر أستتنشق أكبر كمية من الأوكسجين البحري لتخزينه، أرحل أنا والحقيبة التي لم أستطع أن أضع بداخلها ما أريد كقهوة ديليس مثلا!! هكذا هي سياسة الإحتلال التدخل في حقيبة من يدخل ويخرج، كأنك ستقوم بتهريب قطاع غزة بأكمله في حقيبتك!

بالطريق الى معبر "إيرز" يبدأ العقل بطرح أسئلة عبثية أجهل الإجابة عليها حتى لحظة كتابتي هذه الكلمات: الى متى سيبقى الوضع هكذا؟  بعد اجتيازي المعبر هل سأخرج من السجن أم سأدخله؟ هل تم إخراج قطاع غزة من المعادلة/المعادلات؟ هل الهوية الفلسطينية بمعزل عن غزة هوية وطنية؟!

أسئلة كثيرة تتفاعل مع بعضها البعض أوصلتني لحالة الكُفر بالمشهد السياسي الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه، لا معنى للألوان الأصفر والأخضر والأحمر والأسود أمام "ربطة" خبز تحتاجها عائلة! ما معنى أن تكون مواطن ميت أمام صندوق الإنتخابات!؟ أسِرَّة المرضى الممتلئة في مواجهة مقاعد المجلس التشريعي الخاوية، صرخات الموت اليومية وصرخات الحفاظ على الإنقسام لمصالح خاصة!!

أستيقظ من متاهات الأسئلة لحظة وصولي المعبر، خطوات تنقلني من عالم الى عالم آخر، أدخل المشهد الأمني وكأني قادم من تورا بورا، أو إدخال أسير من معتقل غوانتانامو، أخرج من قاعة المعبر سريعاً، كمية الأوكسجين البحري بدأت تنفذ من رئتي، أحاول أخذ نفس عميق دون جدوى، تتوقف جميع الحواس، لكن القلب ينبض غزة غزة غزة غزة غزة غزة

أضع حقيبتي في الحافلة التي ستنقلني الى رام الله، أسترق النظرات الأخيرة لقطاع غزة، أقول لذاتي سأعود قريباً لها، تتحرك الحافلة أنظر من خلال الزجاج الخلفي حالة الإبتعاد عن العشيقة، حالة الصمت يقطعها سؤال السائق: أكلت سمك؟ أُجيب بغضب:" المهم اللي أكل سمكها يعمل شي الها".

أعترف وعلى الرغم من إطلاعي وتواصلي الدائم بقطاع غزة، إلاّ أنني كغيري غائبين عن حقيقة تفاصيل الأمور، وعلى الجميع أن يعترف بأنه فشل_ كل حسب موقعه ولونه_ في الحفاظ على أهل غزة ورمالها، وأننا نتعامل مع غزة فقط كخبر: فتح أو اغلاق معبر رفح، شهيد في مخيم الشاطئ، إنفجار في خان يونس، إنتحار شاب، مقتل فتاة، عدوان على قطاع غزة.

والأسوأ من كل ذلك بأننا نعيش في حالة من الغيبوبة، غيبوبة ذاتنا ومؤسساتنا عن واقع 2 مليون مواطن فلسطيني هم بحاجة الى كل مكونات هرم "ماسلو" من احتياجات فسيولوجية، حاجات الأمان، حاجات إجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات.

بعد أن قطعنا الحاجز وبدأنا دخول رام الله، أطلب من السائق أن يشغل المذياع فقد حان وقت الأخبار، أسمع صوت المذيعة:"حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف بعض المستشفيات في القطاع خلال ساعات بسبب أزمة نفاد الوقود". ينظر السائق لي عبر المرآة المعلقة أمامه في منتصف الحافلة ويسألني مجدداً: أكلت سمك؟؟ أجيبه بإنفعال وصوت مرتفع: أكلت سمة بدن!!

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024