الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ملصق

نشر بتاريخ: 2018-01-28 الساعة: 10:48

رامي مهداوي شعور غريب أصابني ممزوج بالحزن، الفخر، النصر، الإغتراب، وربما أكثر من ذلك بكثير لدرجة تصل الخزي من الذات وأنا أقف أمام 105ملصق في قاعة المعارض بمتحف ياسر عرفات، وسأكون صريح معكم بما شعرت قبل خروجي من المعرض، أحسست بأن من هم في الملصق ينظرون علينا نحن الحضور، وكأن المعرض لمن هو في الملصق، ونحن الحضور عبارة عن المشهد الذي ينظرون اليه!!

 لمدة ستة شهور سيبقى الملصق يُناظر من سيأتي له، سيتحدث من فيه عن ذكريات الثورة الفلسطينية الجميلة رغم مرارة الواقع، وسيتحدث الحضور بداخله عن الحاضر الذي وصلنا له. تلك الملصقات النادرة الصادرة عن دائرة الإعلام الموحد وبعض الفصائل الفلسطينية، تحتوي في إطارها ليس فقط الشهيد، الأسير، المخيم، الأرض، الحجر، الشجرة، السلاح، الكوفية، المرأة، وإنما تحمل كل ذلك مجتمعاً بإطار شمولي أكبر من الملصق ذاته وهو إرادة التحرير والصمود الشعبي في مواجهة الإحتلال.

على الرغم من معرفتي الشخصية بأغلب من حضر لإفتتاح المعرض؛ إلاّ أنني وجدت نفسي بين الحضور غريباً!! منسجماً أكثر مع من هم في الملصق، لماذا لم أكن أنا هناك في ذلك الزمن والمكان؟ لماذا لم أكن أنا ذلك الشاب الحامل لبندقيته بكل فخر وإعتزاز ويكون هو أنا المحبط التائه في حاضره منعدم الرؤيا بمستقبله!!

أنظر للمصلق بمكوناته: صورة، رسمة، الوان، كلمات تشكل معلومات وشعارات بلغات فرنسية، انجليزية. في الماضي الملصق تم إستخدامه كأداة تواصل، لكن في هذا الوقت أصبح تاريخنا الذي بدأنا ننساه، ويحذف من ذاكرتنا لنلعن حاضرنا وكأن قضيتنا هي فقط ما نراه من حالة ظلامية! فتولد أجيال لا تعرف عن تجربة ماضيها، وتكفر بحاضرها فتفقد مستقبلها!

وهنا نجح متحف ياسر عرفات من خلال سياسته المتبعة بتنظيم معرض كل ستة أشهر؛ بخلق حالة من الوعي بالعودة الى ذكريات التاريخ من زوايا وأدوات متنوعة أشبه ما تكون بإستحضار ما فقدناه ومُناجاة من أجل الخلاص لما وصلنا له، وهذا المعرض والمعارض السابقة "بلادنا هي بلادنا" ومعرض "انتفاضة" لخير دليل على محاولة إعادة إحياء الميت فينا نحن الحضور وليس إحياء الصورة أو الملصق، فمن في الملصق هم الأحياء.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024