الرئيسة/  مقالات وتحليلات

موقف الولايات المتحدة من قضية اللاجئين الفلسطينيين

نشر بتاريخ: 2018-01-22 الساعة: 09:40

د. محمد أبو حميد برزت في الأيام الأخيرة قضية اللاجئين الفلسطينيين واستحوذت على حيز في وسائل الإعلام المحلية والدولية، وذلك على ضوء قرار الولايات المتحدة بتخفيض مساهمتها في دعم وكالة الغوث الدولية (الأونروا) بنسبة 50%، الأمر الذي دفع مدير عام وكالة الغوث بالإعلان عن تقليص خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين، كما عبر المفوض العام للأنروا بيار كرينبول عن قلقه ومخاوفه داعياً الدول إلى دعم الأونروا مؤكداً على تقليص الولايات المتحدة لمساهماتها.

وفي الوقت الذي يأتي فيه القرار الأمريكي منسجماً مع تصريحات نتنياهو التي طالب فيها بإنهاء مهمة وكالة الغوث الدولية، فقد أثار استنكار العديد من الدول والقوى والأحزاب الفلسطينية باعتبار أن هذه الخطوة هي ذات دلالات سياسية، وتتوافق مع سياسات دونالد ترامب الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها تحت مسمى "صفقة القرن"، لأنها لا ترى أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو سبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بل إن استقرار المنطقة يأتي من خلال القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه، والحد من التمدد الإيراني. وقد بأت أولى خطواتها بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، مستفيدة من تردي الوضع العربي وضعف البنية الجماهيرية العربية، التي رغم وقوفها مع الشعب الفلسطيني، إلا أنها تفتقد إلى طليعة نخبوية تعيد تشكيل الجبهة العربية المساندة للقضية الإسرائيلية لمواجهة السياسة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية.

إن الموقف الأمريكي من قضية اللاجئين لم يتغير، وهو يستند إلى رؤية الحركة الصهيونية التي ادعت بأن فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، هذا الإدعاء الذي ترتب عليه تبني سياسة (الترانسفير) وترحيل الفلسطينين كي تصبح فلسطين أرضاً بلا شعب، فمنذ المؤتمر الصهيوني الأول 1897 رأى تيدور هرتزل بأن العرب الفلسطينيين كائنات أخرى ليس لها الحق أن تعيش. ولتحقيق ذلك تقدمت الحركة الصهيونية بأكثر من مشروع لترحيل الفلسطينيين من وطنهم قبل عام 1984، فقد أعرب البارون الصهيوني أدموند روتشلد سنة 1925 عن استعداده لتقديم الأموال والمعدات الزراعية اللازمة للفلسطينيين الراغبين بالرحيل عن فلسطين، كما طالب الكاتب الصهيوني إبراهام شارون بالترحيل الإجباري للفلسطينيين وجلب اليهود من كل دول العالم، وهذا ما تبناه الزعماء والكتاب الصهاينة.

ولترجمة هذه الأفكار وضعت الخطط مع بداية المعارك في عام 1947 عند صدور قرار التقسيم أي قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين، فمنذ شهر نيسان 1948 وضعت القيادة السياسية الإسرائيلية خطة عرفت بالخطة (دالت) (دال) الهادفة إلى ترحيل الفلسطينيين بالقوة، ومواجهة ما قد ينشأ عن ذلك، وتمكنت يوم 16-5-1948 من احتلال 213 قرية ومدينة، وطرد سكانها البالغ عددهم 413 ألفاً، وخلال الفترة الممتدة من 15-5-1948 وحتى 11-6 1948 أقدمت القوات الإسرائيلية على احتلال 218 قرية ومدينة، وتم طرد سكانها البالغ عددهم حوالي 500 الف لسطيني ، وتم ذلك بأساليب إرهابية ومجازر للقتل الجماعي لترهيب الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة، وقد ذكر المؤرخ الإسرائيلي بيني مورس ذلك مؤكداً بأن كل عملية تهجير للفلسطينيين كانت تبدأ بمذبحة. وبانتهاء الحرب باتفاقيات رودس 1949 (اتفاقية الهدنة)، حتى تكشف الأمر عن نكبة كبرى لحقت بالشعب الفلسطيني، فقد فقد 88% من أرضه، وأصبح هناك 900 الف لاجئ في البلدان المحيطة.

ورغم أن الفقرة (11) من القرار 194 الصادر من الأمم المتحدة قضي بعودة اللاجئين وتعويضهم، إلا أن إسرائيل أخذت بالمراوعة والمماطلة، واعتبرت مشكلة اللاجئين ليست مشكلة اسرائيلية، كما أنها أفشلت اللجنة التابعة للأمم المتحدة والمختصة بالقضية الفلسطينية، والتي تشكلت بموجب القرار 194، وأوكلت إليها العمل على تسوية القضية الفلسطينية، وتسهيل عودة اللاجئين الفلسطيين، وإعادة توطينهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، حيث صدمت اللجنة بالموقف الإسرائيلي الرافض البحث في موضوع اللاجئين قبل أن يتحقق السلام.

واستمرت الولايات المتحدة في محاولاتها للالتفاف على حقوق اللاجئين والتساوق مع الموقف الإسرائيلي، من خلال إرسالها لجنة في شهر 8 -1949 برئاسة الخبير الأمريكي غوردن كلاب بهدف دمج اللاجئين في المنطقة عبر مشاريع اقتصادية إلا أنها فشلت بسبب رفض اللاجئين لهذه المشاريع.

وأمام التعنت الإسرائيلي والتسويف، أنشات الجمعية العامة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى بموجب القرار 302 الصادر بتاريخ 8-12-1949 وفوضتها بانفاق 55 مليون دولار وحددت ولايتها ب18 شهرا على أن يتم خلالها حل مشكلة اللاجئين.

إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من القضية الفلسطينية المعادي للشعب الفلسطيني، يسبق قضية اللاجئين وما تمخضت عنه نكبة 1948، وبعيداً عن الأفكار الدينية التي أدت إلى نشوء ما يعرف بالمسيحية الصهيونية، ورؤيتها وموقفها من فلسطين وعودة اليهود إلى الأرض المقدسة، فلابد من العودة إلى بدايات القرن العشرين لمراجعة موقف الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون الذي أصدر مبادئه ال14 من أجل السلام في عام 1918 والتي عرضها في مؤتمر باريس للسلام عام 1919، وكان أهمها منح الشعوب حق تقرير المصير، وأرسل لجنة أمريكية إلى فلسطين عرفت بلجنة (كينج كرين) لاستطلاع راي السكان فيها حول مستقبلهم وتقرير مصيرهم، وخلصت اللجنة إلى نتيجة  حق السكان ورغبتهم في تقرير مصيرهم، إلا أن التقرير لم يطرح في مؤتمر باريس، بل وأيدت الحكومة الأمريكية نظام الانتداب البريطاني على فلسطين مؤكدة على ضرورة التزام الحكومة البريطانية بتنفيذ وعد بلفور، وأيد ويلسون صاحب المبادئ 14 الحركة الصهيونية وأكد على وجوب إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

ومنذ ذلك الالتزام في عهد الرئيس ويسلون، تبارى الرؤساء والحكومات الأمريكية المتعاقبة في دعم المشروع الصهيوني لاسيما بعد انتقال مركز النشاط الصهيوني من لندن إلى نيويورك خلال مؤتمر بلتمور 1942، وقد عبرت الولايات المتحدة عن انحيازها الكامل إلى جانب إسرائيل في الأمم المتحدة واستخدمت حق الفيتو فيما يختص بالقرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية عدة مرات.

وقد سعت الولايات المتحدة مبكراً إلى طمس موضوع اللاجئين عبر مشاريع اقتصادية وإنسانية تهدف إلى توطينهم أو ترحيلهم إلى مناطق بعيدة عن وطنهم وأرضهم، ومنها مشروع سيناء لتوطين سكان قطاع غزة والذي بدأ التخطيط له منذ العام 1951 بالتعاون بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، والذي أفشلته مظاهرات قام بها اللاجئون في قطاع غزة في العام 1955. كما دعا وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر داللاس عام 1953 من خلال بيانه إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين ودمجهم في البلدان العربية المجاورة، وقد عملت الولايات المتحدة على تحقيق ما جاء في البيان من خلال ماعرف بمشروع جونستون مبعوث الرئيس ايزنهاور إلى المنطقة، والذي قام بعدة زيارات للمنطقة ما بين 1953-1955 مقترحاً التعاون الاقتصادي بين الأردن وإسرائيل عبر مشاريع اقتصادية تبدأ باستثمار مياه نهر الأردن لفائدة اللاجئين وتوطينهم في الأردن وسوريا ولبنان. كما اتضح هذا الموقف الأمريكي المصر على إنهاء قضية اللاجئين من خلال خطاب جون فوستر دالاس في الأم المتحدة عام 1956 حيث أكد على ضرورة استصلاح الأراضي وتوطين اللاجئين في البلدان المجاورة. وقد تلا ذلك عشرات المشاريع التي تتعلق بقضية اللاجئين من قبل أطراف ومؤسسات دولية تنسجم في رؤيتها مع الموقف الأمريكي الذي يعكس التصور الإسرائيلي لموضوع اللاجئين.

إن قضية اللاجئين تعتبر لب وجوهر القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سياسية، تؤرق كل فلسطيني، ويتم توارث تداعياتها عبر الأجيال، نظراً لما خلفته من معاناة وتشرد وبؤس وحرمان وفقر لازال اللاجئون يعيشونه حتى الآن، حيث  أن  البيئة التي يعيش فيها اللاجئون، وما يتعرضون له من ضغوط، أحدثت لديهم آثاراً نفسية وصدمات عنيدة استقرت في عقلهم الجمعي، وأفقدتهم الشعور بالأمن والاستقرار، خاصة في ظل استمرار الدول المسؤولة عن تهجيرهم ونكبتهم في إذلالهم وتجويعهم في محاولة لطمس هويتهم ودفعهم للهجرة بعيداً عن وطنهم ونسيان حقوقهم.

إن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بتقليص مساهمتها في دعم الأونروا لم تأت عبثاً بل تأتي في إطار التمهيد لشكل الحل الذي يروج له لتصفية القضية، فبعد قرار ترامب الذي من وجهة نظره أزاح القدس عن طاولة المفاوضات، لم يبق إلا انهاء ملف اللاجئين لإزااحته عن أية مفاوضات ليصبح ملفاً غير قابل للتفاوض.

لقد أن الآوان لأن تشكل التطورات الأخيرة، والسياسات الأمريكية، والإجراءات الإسرائيلية اتجاه التسوية التي بدأت باتفاقية اوسلو 1993،  دافعاً للفلسطينيين للقيام بمراجعة معمقة وصادقة للوصول لموقف وطنى لمواجهة هذه الإجراءات ولتعزيز الصمود الفلسطيني، فإذا كانت قضايا القدس واللاجئين قضايا غير قابلة للتفاوض، واستمرار تهويد الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والتي لم تعد بأيدي الفلسطينيين بل مرتعاً للمستوطنات والمستوطنين، فعلى ماذا سنفاوض، إلا إذا كانت الحية مفاوضات.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024