الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ما بين القيصر بوتين ومؤتمر سوتشي !

نشر بتاريخ: 2018-01-02 الساعة: 10:14

عبير بشير واصلت روسيا بوصفها «قوة عالمية» تحقيق أهدافها في سورية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين  خلال عام ألفين وسبعة عشر.وشكل  الدور الروسي في الأزمة السورية المنصة الرئيسية والأهم التي انطلق منها القيصر بوتين في الإعلان عن موقع روسيا في السياسة الدولية في السنوات الأخيرة . وكان بوتين منذ توليه الحكم عام ألفين قد تبنى موقفًا واضحًا من منظومة العلاقات الدولية التي قامت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، إذ رفض بحزم سياسة -الأحادية القطبية-،فوجه انتقادات حادة اللهجة ضد تفرّد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، وبذل في غضون ذلك كل ما من شأنه المساهمة في إعادة بناء تلك المنظومة على أساس الشراكة الندية دوليًا بين موسكو وواشنطن.وجاءت الأزمة السورية،والتدخل العسكري الروسي في سوريا لاحقا باعتباره البوابة الواسعة التي ساعدت روسيا على الإعلان عن نفسها قوة دولية جاهزة للتحرك عسكريًا في أي مكان من العالم عندما تتطلب مصالحها ذلك. ومن خلال الساحة السورية استعرضت روسيا -عضلاتها العسكرية -، وتعمدت بث مشاهد القصف الصاروخي من بحر قزوين والبحر الأسود باتجاه الأراضي السورية، ونشرت قطعها البحرية في البحر المتوسط، وما ترافق مع ذلك من عرض لقدرات تلك القطع أو طلعات جوية من على متن حاملة الطائرات -الأميرال كوزنيتسوف-.وقبل ذلك،كانت قد نشرت منظومات إس – 400 الصاروخية على كل الأراضي السورية .

موسكو لم تحاول إخفاء هدفها من أنها تستعرض قوة وكفاءة أسلحتها عبر عملياتها في سورية الجوية والبرية ، ولم يتردد الرئيس بوتين في القول أما كبار قادته بحضور وسائل الإعلام العالمية، من أن السلاح الروسي أصبح أكثر فعالية، وهذا أمر يمكن التأكد منه في العمليات العسكرية في سورية،وليس في المعارض فحسب.موضحا أن استخدام الأسلحة الروسية في سورية فتح أفاقًا أمام التعاون التقني – العسكري الدولي،وهو المصطلح الذي يدل على صفقات الأسلحة الروسية للدول الأخرى – وهو ما يجري على أرض الواقع - .

فيما وزير دفاعه سيرغي شويغو فيؤكد أن روسيا بدأت التأسيس لوجود دائم لها سورية، حيث صادق القائد العام للقوات المسلحة الروسية على هياكل وقوام كوادر القاعدتين الأساسيتين في طرطوس وحميم،وستكون معقل يوسع إمكانات الأسطول الروسي في البحر المتوسط بشكل دائم.

غير أن الرئيس بوتين لا يريد أن يكرر أخطاء الماضي، فقد ربح الإتحاد السوفيتي في وقت من الأوقات الفضاء وخسر الأرض ،وقد رفع السوفيات العلم الأحمر فوق مبنى المستشارية في برلين وأعلنوا الانتصار على النازيين في منتصف الأربعينات من القرن الماضي،وهذا لم يمنع من انهيار الإمبراطورية السوفيتية في مطلع التسعينات من ذلك القرن كنمر من ورق. كما أن غزو أفغانستان ،لم يمنع من أن يغرق الجيش الأحمر في وحول أفغانستان، وإحكام السوفيات الستار الحديدي على أوروبا الشرقية لم يمنع شعوبها من تحطيم جدار برلين وكأنه جدار من الخزف.

بوتين يدرك بأن كل إنجازاته العسكرية في سوريا ستتآكل وتتبخر، إن لم ينجح في ترجمتها إلى نتائج سياسية على مقاس موسكو ومصالحها. ومن ثم التقدم أكثر فأكثر في إمساك ملف إعادة إعمار سوريا بعدما أكدت زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي لسورية، أن ثمن الانتصار،الذي تطلبه موسكو هو أولوية السيطرة الروسية على النفط والغاز وخطوط النقل السورية،أي تحويل النصر العسكري إلى أرقام اقتصادية،حيث أن ما يهم المواطن الروسي في النهاية ليس النصر في سوريا ،ولكن أحواله المعيشية وزيادة راتبه .

العقبة الحقيقة التي تواجه بوتين ـ تكمن في العجز عن إطلاق مشروع حقيقي لإعادة إعمار سوريا، وتخيل إطلاق مشروع مارشال  اثنان لسورية ،من دون مشاركة أطراف مانحة أساسية مثل السعودية ودول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا.على الرغم من استعداد شركات روسية وصينية كبرى لانخراط في هذا الجهد ... غير أنه لا يكفي لتحقيق عوائد مجزية ودائمة.

لذلك يتقدم بوتين بعناد شديد في طريق التحضير لمؤتمر سوتشي أي بمعنى آخر محاولة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية تقنع الدولة المانحة في الانخراط بإعادة الإعمار، لذلك حول بوتين موضوع انعقاد سوتشي إلى بندٍ دائم على كل جداول أعمال القمم التي عقدها الرئيس الروسي في الأشهر الماضية وعلى زيارته لقاعدة الحميم في سوريا لأول مرة وبحضور الأسد ؟ طبعاً يصعب على أي جهة أن تُقدم قراءة صحيحة لخطط الرئيس الروسي، وغياب المعطيات التفصيلية لكن المؤكد أن موسكو تسعى إلى تسوية على قياس مصالحها قبل أي شيء آخر.

وتعكفْ وزارة الخارجيّة الروسيّة حاليًّا على إعداد قائمةِ المُشاركين في مُؤتمر الحِوار الوَطنيّ السوريّ الذي مِن المُقرّر أن يُعقَد أواخر الشّهر الحالي في مُنتجع سوتشي، ومن المُتوقّع أن يُشارك فيه ألف وخمسمائة شخصيّة سوريّة تُمثّل مُختلف ألوان الطّيف السياسيّ والعَشائريّ والجُغرافيّ والمَذهبيّ في البِلاد. وقد سعت موسكو إلى تطوير أهداف سوتشي من حوار بين – شعوب كونغرس سوريا- إلى مصالحة وطنية   ثم إلى إقرار مسوّدة دستور جديد لسورية نسخ الخبراء الروس معظم مواده من الدستور الروسي .

و اشترطتْ الخارجية الروسية تخلّي المشاركين في المؤتمر كُليًّا عن الحَديث عن بَقاء الرئيس الأسد من عَدمِه في السّلطة في الفترة الانتقالية، حيثُ أكّدت أنّها لن تَسمح بتَحويل المُؤتمر إلى مَيدانٍ للشّعارات في هذا الموضوع، لأن المُطالبة برَحيل الأسد تَعني الرّغبة في استمرار الصّدام المُسلّح. هذا الشّرط الرّوسي يَضع الهيئة العُليا للمُفاوضات التي تتخذ من الرياض مقرا لها ،برئاسة السيد نصر الحريري أمام خيارات صعبة، إمّا المُشاركة والتخلّي عن المُطالبة برحيل الأسد، وهي التي نَصّ عليها بَيانها الذي أصدرته من الرياض قبل الذّهاب إلى جولة المُفاوضات الأخيرة في جنيف، أو التمسّك بهذا الموقف أي المطالبة برحيل الأسد، وبالتالي استبعادِها من مُؤتمر الحِوار الوَطني في سوتشي، وخُروجِها من أيِّ ترتيباتٍ تتعلّق بمُستقبل سورية.

في حين أعلن رئيس وفد الفصائل لمفاوضات أستانة أحمد طعمة،  أنه سيتخذ قراره النهائي بشأن المشاركة في مؤتمر (سوتشي) بعد مشاورات مع القطاعات العسكرية أولاً ومع القطاعات السياسية .

ومن مصلحة النظام السوري الذي أعلن موافقته على حضور سوتشي ، غياب المعارضة عنه ، كي لا تجد روسيا شريكاً لها غيره، وحتى يتمكن بمن حضر من صياغة مخرجات لا تتوافق مع القرارات الدولية تحت مظلة إرادة الشعوب المجتمعة في المؤتمر .

وبالنسبة لإيران- الشريك المتعب والمشاكس لروسيا في سورية ، فهي لا تجد لها أي مصلحة إستراتيجية في سوتشي ولا آستانة ،رغم موافقتها الشكلية على المسارين الروسيين.وهي مع المسار العسكري للأزمة السورية قلبا وقالبا.

أما تركيا فلا تزال أولويات أنقرة منصبة على السيطرة على عفرين والدخول إلى منبج واحتكار السيطرة على إدلب فتكون الحصة التركية من الكعكة السورية وازنة . ووضعت أنقرة شروطا عالية السقف فيما يتعلق بأي دور أو مشاركة لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» و «وحدات حماية الشعب» الكرديَين في مؤتمر سوتشي على الرغم من سيطرتهما على ربع مساحة سوريا بالتعاون الوثيق مع الإدارة الأمريكية.غير أن الحديث عن مشاركة كردية في مؤتمر سوتشي رغم الاعتراض التركي عليها، لا يزال ممكناً، مقابل أن تحصل تركيا على ضمانات روسية بأن تكون هذه المشاركة لإعلان شكل الدولة السورية الجديدة، التي تنهي حلم الحكم الذاتي للأكراد، وتمنحهم في ذات الوقت مشاركة سياسية مضمونة دستورياً، وتهيئ لحكم لامركزي مفتوح الخيارات لاحقاً .

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية، التي تراقب بصمت كل مجريات آستانة وتحضيرات سوتشي، وهي الغائب  والحاضر الأكبر عن كل ذلك.وتخشى موسكو من أن موقف واشنطن غير المبالي لتحركاتها ما هو إلا مقدمة على نيتة واشنطن للتخريب في مراحل لاحقة.

وبكل بساطة، سيكون مؤتمر سوتشي أقرب إلى كرنفال إحتفالي بالدور الروسي في سوريا وبدور القيصر بوتين، وستدعو له موسكو أمراء الحروب وزعماء عشائر ورجال أعمال ومتنفذين ، لتبني عليه الحل الذي تراه مناسبا، غير أنه لن يكون نهاية للأزمة السورية.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024