الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ما ذا بعد اغتيال علي صالح !!

نشر بتاريخ: 2017-12-13 الساعة: 09:49

عبير بشير لو قتل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح قبل أسبوع من اغتياله،لكان دمه في رقبة التحالف العربي. ولكن قتله الحوثيون بعد أن أعلن نهاية حلفه معهم.وباغتيال صالح  تم خلط  الكثير من الأوراق في المشهد اليمني المعقد والمركب أصلا.

اليمن جيولوجيا طبيعية وبشرية فريدة في تكوينها التاريخي والاجتماعي والديني. الجبال ليست تكوينات صخرية تمتد فوق الأرض، لكنها صلابة تنغرس في الرؤوس والأجساد. حسابات الحياة والموت لها أرقامها الخاصة في بلاد اليمن.

والسرعة التي تمت بها عملية تصفية صالح ومعه العديد من أبنائه والمقربين منه، تشي بأن الحوثيين شعروا بخطورة تحركه الذي لو اكتمل ونجح لكان سيعني إجبارهم على الخروج من صنعاء والانكفاء نحو مناطقهم في الشمال، لذلك اعتبروا أن مواجهة تبعات اغتياله ربما تكون أهون من مواجهة احتمالات اتساع نطاق انتفاضته وحدوث تنسيق بينه وبين حكومة هادي منصور ودول التحالف.

وليس سرا بأن هناك أطرافاً كثيرة حذرت صالح الذي اشتهر - بالرقص على رؤؤس الثعابين -  من أن تحالفه مع الحوثيين هي لعبة مصالح محفوفة بالمخاطر منذ البداية.فبين الطرفين كان هناك تاريخ طويل ودام من الحروب عبر ست جولات متقطعة .ولم ينسَ الحوثيون أبدا مقتل زعيمهم السابق حسين بدر الدين الحوثي خلال تلك الجولات . ورغم ذلك يمم صالح وجهه نحو الحوثي،وتواطأ معه في الزحف العسكري الحوثي عام ألفين وأربعة عشر من صعده لعمران حتى صنعاء.فلم يكن هناك قتال حقيقي،بل سهل صالح لقوات الحوثي الاستيلاء على المقار العسكرية في صنعاء.

كان الحوثيين يدركون أن صالحاً ليس معهم، ولا يحارب من أجلهم. هو يحارب أملاً بإنضاج الظروف والمعطيات للانقلاب عليهم، وعلى من يعتبر أنهم انقلبوا عليه في ثورة ألفين وأحد عشر. وهم يدركون أن علي صالح ومعه المؤتمر الشعبي وقياداته وكوادره، يرفضون في شكل نهائي هدف الحوثيين إعادة الإمامة اليزيدية من خلال التحالف مع إيران الجعفرية.

جاء سقوط صنعاء الأول في يد الحوثيين ، نهاية للمسلسل الذي بدأ في العام  ألفين وأحد عشر حين قامت ثورة شبابية حقيقية على نظام علي عبد الله صالح. ما لبث الإخوان المسلمون أن استغلوا هذه الثورة من أجل الاستيلاء على السلطة. لم يفهموا معنى سقوط نظام علي عبد الله صالح بطريقة غير مدروسة وانتقال الحروب على السلطة إلى داخل أسوار صنعاء.
لم يكن هناك أي استيعاب لدى أطراف يمنية كثيرة لمعنى انهيار معادلة سياسية كانت قائمة منذ فترة طويلة هي معادلة «الشيخ والرئيس» التي كان بطلاها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم «حاشد» مع كل ما يمثله من قوى إخوانية وقبلية وسلفيه. وعلي عبدالله صالح رئيس الجمهورية .

الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح كان من إفرازات مرحلة عربية قلقة في كل شيء،السياسة والثقافة والاقتصاد.كانت الانقلابات العسكرية الطريق الأسرع للقفز على السلطة،ومعها فيروس الزعامة والقيادة العابرة للحدود. هيمنت جينات البقاء على كرسي السلطة عند صالح على كل ما عداها

.و ترتكز عبقرية الزعيم سياسي في اليمن على فهم كيمياء هذا الإناء الاجتماعي الهائل – القبائل اليمنية -.صالح العسكري البسيط، تفوق على من هم أعلى رتبة عسكرية وعلمية وفكرية منه بقدرته الاستثنائية على التعامل مع خيوط هذا النسيج.

كل العقلاء والمنصفين يقرون بأن الزيدين – والذين تشكل منهم الحوثيون فيما بعد- هم جزء أصيل من اليمن تاريخيا وحاليا ، لهم ما لليمنيين وعليهم ما على اليمنيين ، الرئيس صالح كان يقر هذه الحقيقة وكان يردد في مجالسه ، أنه ينبغي أن يأخذ كل المواطنين حقوقهم في وطنهم بغضّ النظر عن مذاهبهم، أما الإمامة فهي عبءٌ من القرون الوسطى وقد تخلصنا منها بالثورة عام  ألف وتسعمائة وأثني وستون ، ولا نقبل العودة إليها. فما بالك بعد أن بالغ الحوثيون بالمرجعية المذهبية وولائهم للولي الفقيه.

 

 
لذلك كان الصدام المسلح بين صالح والحوثيين مسألة وقت. فبعد كلمة صالح الذي وجهها إلى الشعب اليمني في كل المحافظات، ودعاهم إلى الانتفاضة على حكم ميليشيات الحوثي والتصدي لها بكل قوة ، معربا عن رغبته في فتح صفحة جديدة مع دول الجوار- السعودية- .ووصف عبد الملك الحوثي موقف صالح بأنه "انقلاب" و »  «خيانة كبرى للوطن».  أصبح في حكم المؤكد أن صالح وعبد الملك الحوثي انفصلا بشكل نهائي . وأن الأخير لن يترك صالح وأتباعه أحياء .

. صنعاء كانت في السابق قلعة صالح وما كان للحوثيين دخولها واحتلالها إلا بموافقته آنذاك، لكنهم منذ أن دخلوها عملوا على الاستيلاء على مخازن السلاح، وشراء الولاءات، ووضع خطتهم لليوم الذي يواجهون فيه حليفهم صالح وربما اغتياله والسيطرة. في تجربة فن البقاء الأخيرة التي مارسها صالح مع الحوثي في صنعاء ، ثبت أن الخارج من القصر ليس مثل الذي كان فيه: صحيح أنه استطاع إثبات أن السلطة القديمة و الرئيس السابق، ما زالا في حالة من القوة، ، لكنه في لعبة الشراكة مع الحوثي كان هو الخاسر بالمحصلة النهائية.

السؤال الذي يطرحه المراقبين اليوم هو ما مصير اليمن بعد اغتيال الحوثيين الحليف الاستراتيجي لهم في السنوات ...  ...علي صالح  !! هل يستطيع الحوثيون الهيمنة على اليمن !! لا أحد يعرف مصير اليمن في السنوات المقبلة، فبمقتل صالح ضاع الرهان بان تنتفض صنعاء على الحوثيون في الوقت الراهن . تماما كم فشل الرهان على «قبائل الطوق» التي كان علي عبدالله صالح يعتقد أنّها موالية له. كان زعماء هذه القبائل يقولون :«نخزّن (نمضغ القات) مع الرئيس ونقاتل مع الحوثيين». استطاع الحوثيون اختراق هذه القبائل بالمال والسلاح .

 
كما ويتناقض المتابعون في مقاربة مرحلة ما بعد مقتل صالح، فهناك من يرى فيما جرى نهايةً للعمل السياسي في اليمن، وخصوصا في ظل  تفكك حزب المؤتمر الشعبي ،وغياب المؤسسات ووهن سلطة الدولة وطغيان السلاح الحوثي. في المقابل هناك من يرى  بداية النهاية للحوثيين ، بعد أن فقدوا ورقة صالح الوطنية التي كانت تغطيهم سياسيا محليا ودوليا ،وبرز بشكل صارخ السلوك المليشيوي والمذهبي  في إدارتهم لليمن الشمالي.

مشكلة اليمن الحقيقية لا تكمن في الميليشيات الحوثية وهيمنتهم على السلطة... فهذا أمر مؤقت حتماً لأنهم لا يملكون مشروع دولة، بل مشروع فصائل مسلحة . تكمن مشكلة اليمن الحقيقية في حالة التخلف والفقر والجوع والجهل وعدم الاستقرار في هذا البلد المنكوب الذي يعاني شعبه من الأمية والجهل وتفشي الأمراض بين أطفاله.

لقد عانى اليمن من حروب أهلية متواصلة منذ ستينات القرن الماضي عندما حدث انقلاب الرئيس عبد الله السلال ضد الإمامة في اليمن، وتدخلت مصر عبد الناصر لدعم المنقلبين وواجهتها السعودية بدعم الإمام البدر... وبعد انسحاب القوات المصرية اندلعت عدة حروب أهلية بين الأشقاء اليمنيين أشهرها حرب الرفاق في جنوب اليمن.

الواقع الجديد حاسم وخطير، ويتطلب دخول الجيش اليمني وقوات التحالف صنعاء، والعمل مع قوات صالح التي تعيش في حالة صدمة. أهل صنعاء وقوات الراحل صالح لهم مصلحة كبيرة في خوض حرب لاستعادة مدينتهم من الحوثيين . ولكن في كل الأحوال هذا لا يعني أن محنة اليمن ستنتهي ما دام هناك غالب ومغلوب وهناك من يشعر بالتهميش ، وبغياب معظم مقومات الدولة . فلن يعود اليمن السعيد سعيدا ...إلى إشعار آخر .

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024