الرئيسة/  مقالات وتحليلات

في القدس والقنصلية الأمريكية واتكا

نشر بتاريخ: 2023-06-16 الساعة: 23:36

 

عماد عفيف الخطيب


في تشرين أول من العام 1995 قدم السيناتور روبرت دول مشروع "قانون تنفيذ نقل سفارة القدس"، وبعد شهر واحد تمت إجازته وإصداره "قانوناً عاماً". يعتبر "القانون العام" ملزماً للتنفيذ وقد جاءت صياغة ديباجته تحولاً كبيراً في السياسة الرسمية، حيث أشار إلى مدينة "القدس" بانها كاملة تحت سيادة "دولة إسرائيل" وتعتبر "عاصمتها" منذ العام 1950. وأنه في الفترة 1948 – 1967 كانت المدينة "مقسمة"، حيث أشرفت الأردن على القسم الشرقي منها "ومنعت وصول اليهود للأماكن المقدسة". ويسترسل بأن هذا الوضع "تغير بعد "حرب الأيام الستة وتوحيد القدس" حيث "ضمنت إسرائيل حرية وصول أصحاب الديانات لأماكنهم المقدسة". إعتمد القانون قراري مجلس الشيوخ 106 و 113 واللذان نصا على "بقاء مدينة القدس غير مقسمة بإعتبارها العاصمة" و "موحدة". تجاهل "القانون" الوضع القائم والقانون الدولي الخاص بمدينة القدس، وعوضاً عنه أشار "لإعلان مبادئ الحكم الذاتي"، وما تلاه من توقيع لإتفاقية "غزة وأريحا" و "الفترة الإنتقالية".

ولإنفاذه، أمهل "القانون" وزير الخارجية 30 يوماً ليقدم للكونغرس خطة بمراحل زمنية "لبناء ونقل السفارة" ومنح الرئيس الأمريكي مهلة حتى 31 أيار 1999 لنقل السفارة مع منحه الرئيس إمكانية الطلب من الكونغرس تأجيل تنفيذ "القانون" ستة أشهر فقط في حال كان "أمن الولايات المتحدة مهددا" جراء تنفيذه. لقد ذهب "القانون" في صياغته أبعد من ذلك عندما أقر تخفيض موازنة البعثة الدبلوماسية السنوية للنصف وتحويل النصف الآخر إلى موازنة بناء ونقل السفارة وأعاد تعريف "السفارة" بانها "سفارة الولايات المتحدة التي تشكل مكاتب البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة ومقر إقامة رئيس بعثة الولايات المتحدة".

لقد شكلت قنصلية الولايات المتحدة بالقدس ومنذ تم إنشاؤها في العام 1844 وحتى العام 1995 أهمية رمزية وسياسية للولايات المتحدة الأمريكية وقيمها. فخلال هذه الفترة، بمحطاتها العديدة، رفضت الولايات المتحدة الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأقامت لهذا سفارتها في تل أبيب، وأبقت قنصليتها في القدس لتخدم الفلسطينيين. وذهبت أبعد من ذلك بعدم سماحها لمركباتها الرسمية برفع العلم الأمريكي في القدس، وأصرارها على وضع إسم "القدس"، وليس "إسرائيل"، في خانة مسقط رأس حامل الجواز الأمريكي المولود في القدس. ومارست سياستها الخارجية الموازية حين قامت بالضغط على أية دولة حاولت نقل سفارتها للقدس.

من الواضح أن التغيير الجذري في السياسة الأمريكية تجاه الفلسطينيين وحقوقهم اخذ أبعاداً مختلفة ومتسارعة منذ منتصف التسعينات، وتحديداً من قِبل الكونغرس وأعضاءه الفاعيلن حيث لا يزال الكونغرس يناقش ويعتمد العديد من مشاريع القوانين والقوانين التي تقيد أية مساعي محتملة للإدارة الأمريكية من شأنها الوصول لتسوية سياسية مقبولة. وفي هذا السياق فقد أصدر الكونغرس قانون "تايلور فورس" في العام 2018 والخاص "بوقف المساعدات الأمريكية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية إن لم توقف مساعداتها لعائلات الشهداء والأسرى". وفي نفس العام أصدر الكونغرس "قانون توضيح مكافحة الإرهاب-اتكا" في أعقاب دعاوى قضائية فيدرالية ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وعندما فشل "القانون" في إعتماده مرجعاً قضائياً لإدانة منظمة التحريرالفلسطينية، قام الكونغرس بأصدار تعديل على القانون في العام 2019 سماه "قانون تعزيز الأمن والعدالة لضحايا الإرهاب - (PSJVTA لاستهداف منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر وقطع الطريق على أي تمثيل فلسطيني رسمي في الولايات المتحدة، وتمهيد الطريق لمقاضاة المنظمة والسلطة الفلسطينية في المحاكم الأمريكية.

من الواضح أن الهدف الرئيسي لهذه القوانين الجائرة تجاهنا هو لإبتزاز ولإخضاع القرار الوطني، الأمر الذي لم يتم قبوله سابقاً، ولا لاحقاً. ويبقى المطلوب منا جهداً أكبر لكسب مناصرين من المستوى التشريعي الأمريكي لقضيتنا العادلة.
!!!

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024