الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الفاقد التعليمي.. أسباب، مظاهر، حلول

نشر بتاريخ: 2023-04-30 الساعة: 05:02

 

بقلم: ثروت زيد الكيلاني


يتمثل الفاقد التعليمـي بالفجوة بـين مـا خطط له (المنهاج المقصود)؛ معارف ومهارات واتجاهات، ومــا اكتــسبه الطلبــة فعليــا (المنهاج المكتسب)، وأن الزمن الفعلي للتعليم أقل من الزمن المخطط له؛ انخفـاض عـدد سـاعات وأيـام التعليم الرسـمي.
تتمثل أسباب الفاقد التعليمي (المعرفي، والاجتماعي، والعاطفي) بإغلاق المدارس كليا وجزئيا لفترات متفاوتة، وعدم وصول الطلبة إلى التعليم بصورته الطبيعية، وأمثلة ذلك: انتهاك السلطة القائمة بالاحتلال حق الطلبة في التعليم، المتمثل بمنع الطلبة والمعلمين من الوصول إلى مدارسهم، أو تأخيرهم بفعل الحواجز المنتشرة في طول الوطن وعرضه، أو عمليات الهدم المتعمد للمدارس، وتدمير البنية التحتية لها، والعبث في البيئة التعلمية التعليمية المناسبة في ذلك، منتهكين الأعراف والقوانين الدولية، خاصة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللتين وضحتا توضيحا جليا أن للآباء، على سبيل الأولوية، حق اختيار نوع التعليم الذي يعطى لأولادهم، وحق كل فرد في التربية والتعليم، ووجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية، والحس بكرامتها، وتوطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتجريم السلطة القائمة بالاحتلال أعمال الاعتداء، أو المساس، أو غيرها من مظاهر الانتهاك التي قد تطال مؤسسات التربية والتعليم، وملاحقة من أقدم على مثل هذه الأعمال، أو خطط لها، أو أمر بتنفيذها، ومساءلته. 
وهناك أسباب مرتبطة بظروف طارئة، كما هي الحال في جائحة كورونا، التي تركت آثارا كبيرة على المشهد التربوي والتعليمي بمجالاته كافة، إضافة إلى احتجاجات المعلمين وامتناعهم عن أداء مهامهم لأسباب متعددة، وهناك حالات ترتبط بظروف بيئية في الشتاء والصيف، وحالات أخرى مرتبطة بالمناسبات المختلفة التي لم ترد في التقويم السنوي المدرسي، كما أن قرار تقليص زمن الحصة الصفية من 45 إلى 40 دقيقة منذ عام 2007م زاد من زمن الفاقد التعليمي، وغيرها من الأسباب المرتبطة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية، وأسباب ترتبط بالمناهج، وأصول التدريس، وتراجع نسبة التعلم التعاوني لصالح نسبة التعلم الفردي، وزيادة حجم الهوة والتفاوت بين البلدان التي فيها نسبة عالية من التنمية البشرية، والنامية، وعدم المساواة في توفر موارد التعلم اللازمة في المنزل على الصعيد التكنولوجي، وغيره، والقدرة على التعلم الذاتي.  
ومن أبرز مظاهر الفاقد التعليمي ومؤشراته في المجال المعرفي زيادة نسبة التسرب المدرسي لأسباب مرتبطة بالأداء المعرفي، وتدني تحصيل الطلبة في الاختبارات المدرسية، وتراجع أداء الطلبة في المهارات الرئيسة للمباحث المختلفة في الصفوف كافة، وتراجع تحصيل الطلبة في مهارات التفكير العليا، والتركيز على المعرفة السطحية، وتراجع الدافعية للتعلم، والاستمرار فيه، واتساع فجوة الفوارق الفردية بين الطلبة، والتعثر في التعليم، والتأخير الدراسي، وارتفاع نسبة الذين لا يجيدون القراءة والكتابة.
أما أبرز مظاهر الفاقد الاجتماعي والعاطفي فتتمثل في زيادة حالات عدم الاستقرار النفسي، والثقة بالذات للطلبة (القلق، والخوف، والتوتر، ...)، والغياب المتكرر لهم عن مدارسهم جزئيا أو كليا، وزيادة التسرب المدرسي لأسباب غير مرتبطة بالأداء المعرفي، وظهور حالات عديدة للعنف المدرسي بين الطلبة أنفسهم، وبين الطلبة ومعلميهم، وتدني المشاركة في الأنشطة المختلفة المجتمعية، والرياضية، وضعف الرغبة في التواجد في المدرسة، والعزوف عن المهمات التي تحتاج إلى تعاون بين الأقران.
تكتسب خطة التعافي من الفاقد التعليمي (تعويض الطلبة) أهمية كبيرة، وخاصة بعد سنوات عدم انتظام العملية التعليمية خلال أزمة جائحة (كورونا) التي لم يلتحق فيها الطلبة في مدارسهم لنحو عامين طبيعيا، بالإضافة إلى عدم انتظام التعليم الناتج عن امتناع المعلمين لأداء مهامهم لفترات زمنية طويلة في العامين التاليين لجائحة كورونا، لذا فإن خطة التعليم الاستدراكي أو التعافي من الفاقد التعليمي يجب أن تراعي التنوع في برامج تعاف تناسب كل فئة من الطلبة، باستخدام أدوات القياس التي تسمح بتحديد مقدار الفاقد التعليمي ونوعيته، والابتعاد عن برامج تعاف موحدة لجميع الطلبة، بغض النظر عن كم الفاقد الذي يعانون منه، ونوعه، وتعويض أنماط تعلم بديلة تتواءم مع الوضع المستجد، وإحلالها، والتوظيف الفعال لجميع الوسائل التكنولوجية، مثل التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد بوصفه خيارا استراتيجيا للتغلب على صعوبات تلك المرحلة، وتفعيل دور المرشدين التربويين؛ للحد من الآثار النفسية السلبية لدى الطلبة وأطراف المجتمع التربوي كافة، والتواصل بطرق ملائمة مع الطلبة الذين يعانون من الآثار السلبية للفاقد التعليمي وتداعياته، خصوصا ذوي الإعاقة وطلبة المناطق النائية، ومد جسور التعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي كافة، وصياغة فرص شراكة حقيقية فاعلة، وتوفير الفرص المناسبة لتنمية الإبداع الإداري لدى الميدان التربوي، وتفويض الصلاحيات.  
التوصيات:
1 - تبني إستراتيجيات التعافي من الفاقد التعليمي، تتمثل في إستراتيجية إطالة وقت التعلم، حيث يخصص وقت إضافي لزمن التعلم عالي الجودة، وتستهدف جميع الطلبة وفق مستوياتهم، والحضور فيها ملزم، وتجنب الجوانب السلبية، كالإرهاق، والإجهاد؛ بحيث تؤمن المدرسة وقتا إضافيا للتعلم نحو حصة أو حصتين من الدروس الإضافية اليومية الداعمة وفق واقع كل مدرسة (بمرونة)، أو/ والاستفادة من أيام السبت، أو/ وتمديد العام الدراسي، أو/ وإعادة الطلبة إلى المدارس بعد الانتهاء من امتحان الثانوية العامة، وإعادة زمن الحصة إلى 45 دقيقة كما كانت قبل عام 2007م، وغير ذلك مما يتيح وقتا إضافيا للتعلم، وتفاعل الطلبة في بيئة تعليمية دافئة وجاذبة.
2 - تسريع التعلم للطلبة تسريعا كبيرا في كل من الرياضيات والقراءة في المرحلة الأساسية الأولى، خاصة المتعثرين منهم، وفي مباحث الرياضيات، واللغة العربية، والعلوم في الصفوف الأخرى، والتركيز على المفاهيم والمهارات الأساسية التي تراجع الأداء فيها وفق نتائج الاختبارات التشخيصية والاختبارات المدرسية، ويمكن الاستعانة بخدمات المتقدمين للوظائف التعليمية (قوائم الدور)؛ لتقديم المساندة للمعلم الأصيل (معلم مساند)، بعد تعريضهم لتدريبات سريعة مقابل أجور منخفضة نسبيا، واحتساب فترة عملهم، كالبدلاء عند التوظيف.
3 - تبني منهجيات التمايز بين الطلبة من خلال مواءمة التعليم وفق مستويات إتقان الطلبة للمهارات الأساسية بغض النظر عن الصف، وتجميعهم في وقت مخصص؛ بغرض تسريع التعليم، مع مراعاة ألا يتلقى الطلبة جميعهم المباحث التعليمية نفسها في الوقت نفسه، وتخصيص محتوى تعليمي وفق حاجات الطلبة المتفاوتة، ونقص كل منهم في الكفايات والمهارات الأساسية، وتوظيف استراتيجيات تعليمية فردية (تفريد التعليم)، وتعويض النقص في المكتسبات الضرورية للصف وما بعده، ويعتمد ذلك على المعلم اعتمادا رئيسا.
4 - تحديد المهارات الأساسية والمفاهيم التي هي بمثابة تعلم سابق للسنوات التالية، والتركيز على النتاجات، ويمكن استخدام الرزم التعليمية التي أعدت في جائحة كورونا، وتصميم آليات للتقويم تتخطى التقويم التقليدي القائم على الإجابة عن أسئلة اختيار من متعدد، أو الإجابة بـ (صح/ خطأ)، أو صياغة بعض الفقرات، والتحول إلى التقويم الأصيل، أو ملفات الإنجاز، أو المهمات الأدائية، أو تقويم الأقران، أو التقويم الذاتي، التي يمكن أن تعكس المهارات والكفايات التي اكتسبت حقيقة، أو في طور الاكتساب، أو لم يكتسبها المتعلمون.
5 - التنوع في إستراتيجيات التعلم، مثل استراتيجية الصف المقلوب؛ عبر الوصول إلى دمج التكنولوجيا دمجا فاعلا في العملية التعليمية التعلمية، حيث يعتمد الصف المقلوب على نقل عملية التعلم إلى خارج الصف الدراسي، وتخصيص وقت الصف لمزيد من أنشطة التعلم، واستراتيجية توظيف التكنولوجيا الرقمية؛ بالاعتماد على التطبيقات الإلكترونية، والبرامج التكنولوجية التي تسهم في تفريد التعليم.
6 - اعتماد إستراتيجيات التعافي من الفاقد الاجتماعي والعاطفي، كإستراتيجية العلاقات الداعمة والمستدامة مع أحد الراشدين المحيطين، وزيارات منزلية؛ لتعزيز التواصل بين الإدارة المدرسية ومسؤولي الإرشاد الصحي والتربوي من جهة، وأسر الطلبة المتأثرين بالجائحة من جهة ثانية، وإستراتيجية التعلم التعاوني (نتعلم معا) التي تعتمد على إعداد المواقف التعليمية التي تتيح للمتعلمين فرص التعاون والتفاعل في المجموعات تعليمية بطريقة (Jigsaw)، وتهيئتها، أو الاستقصاء الجماعي (Group Investigation)، وإستراتيجية التعلم القائم بالمشروع، التي تسهم في تنمية روح العمل الجماعي والتعاون، وتعزز روح التنافس الحر من خلال المشروعات الفردية، كما تسهم في تنمية الثقة بالنفس، وحب العمل، وتحمل المسؤولية، واكتساب المهارات الحياتية، واستراتيجية الحوار والمناقشة، وغيرها.
7 - توفر الكادر التربوي والتعليمي المتمكن من الكفايات اللازمة بكفاءة عالية، والقادر على إحداث التطوير المنشود، ورفع قدرات العاملين في أثناء الخدمة وفق حاجاتهم، والتحول نحو التعليم الإبداعي والابتكاري. 
8 - توفر الموارد المادية والمالية الكافية لإحداث التطوير المطلوب، والبنية التحتية المناسبة القادرة على الاستجابة لاستراتيجيات التعليم الملائمة. 
9 - توظيف قاعدة البيانات (المنصات التعليمية) في المجالات المختلفة (المنهاج، وإستراتيجيات التعليم، وملفات الطلبة، ...)، بما يسهم في توظيف النمط التعليمي المناسب للطلبة، وتوفير المتطلبات التكنولوجية وفق الحاجات. 

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024